دلالة (إنْ) المخففة غير دلالة النافية
أداة (إنْ) هي من (إنَّ) المخففة وليس (إنْ) النافية ويعرف الفرق بينهما من تعلق الخطاب بمحله والسياق والقرائن التي تناولت الموضوع وليس من الصيغة اللسانية مجردة وقياسها على نص آخر مطابق لها بالصيغة وإعطائه الحكم ذاته رغم اختلاف تعلقهما في الواقع ومحل الخطاب، فالفهم للخطاب هو الموجه والمعيار لتصنيف نوع الكلمات، ولذلك يقول أهل النحو: افهم ثم صنف نوع الكلمات عربياً، وكلمة (من) في النصين: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ }آل عمران199{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا}{159}النساءهي تبعيضية وليست بيانية. واقرؤوا أيضاً: {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ }الشعراء115 لاحظوا كلمة(إن) وأتى وراءها حرف( إلا) و حرف (إنْ) للنفي) و أداة(إلاّ) حسب القاعدة المعروفة تفيد الحصر لأنها سُبقت بنفي، ولكن الواقع إن النبي ليس مهمته محصورة بالإنذار فقط، اقرؤوا:{إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} الأعراف188وهذا يعني أنه من الخطأ تقييد أنفسنا بقواعد لغوية موضوعة من قبل البشر اصطلاحاً، والذي يحكم حركة النص ويوجه معناه هو السياق ومحل الخطاب في الواقع من خلال تشكيل مفهوم كلي عن الشيء المعني بالدراسة، ومن الخطأ جلب نص آخر مطابق بصيغته اللسانية وفهم أحدهما على ضوء الآخر بمعزل عن اختلاف الموضوع بينهما وعدم إرجاع كل واحد منهما إلى منظومته، فأداة(إنْ) في النص {إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ }الشعراء115، ليست أداة نفي وإنما هي (إنْ) المخففة عن (إنَّ) المشددة، وبالتالي أداة(إلاَّ) ليس للحصر وليس أداة استثناء لعدم وجود مستثنى منه، إذاً؛ أداة (إلاَّ) في النص هي لتأكيد الفعل الذي يأتي بعدها، وبناء على هذا ينبغي أن نفرق في المفهوم بين صيغ النصوص المتطابقة بالصيغة ولكن مختلفة بالموضوع، والذي يحكم دلالة النص ومفهومه ويوجهه ويحدد نوع أدواته هو محل الخطاب من الواقع.لنقرأ لتثبيت الفكرة: -{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ }آل عمران144.- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107- {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً }الفرقان56- {وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً }الفرقان20فحرف ( ما) ليس نافياً ولا اسم موصول بمعنى الذي، وإنما هو حرف توكيد، وأداة (إلاَ) ليس استثناء ولا حصر، وإنما هي أيضاً توكيد. وهكذا النص الذي نحن بصدد دراسته:{وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا{159}النساء، ينبغي فهمه على ضوء نصوص أخرى وتشكيل مفهوم كلي عن حياة ووفاة النبي عيسى، وتعلق النص هذا بمن هل هو بالنبي عيسى أم بالنبي محمد كون القرءان نزل عليه ، وبناء عليه نحدد هل أداة (إلاّ) للحصر أم للتأكيد و (إنْ) للنفي أم المخففة، و(منْ) بيانية أم تبعيضية، وهل ذلك الإيمان بعد رفع النبي عيسى أم بعد نزوله المزعوم الذي لا ذكر له في القرءان أصلاً.
اضف تعليقا