دلالة الواو في اللسان العربي لا يُشترط لها الترتيب
دلالة (الواو) في اللسان العربي القرءاني لا يشترط لها الترتيب الزمني ولا المعية، فالسياق والقرائن الأخرى تحدد المفهوم لدلالة ( الواو) فقد تكون لمجرد التعداد والسرد والجمع، لنقرأ:
{فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ }القمر39
انظروا كيف أتت كلمة ( نذر) بعد كلمة ( عذابي) مع العلم أن النذر هي قبل العذاب
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }الأنعام84، نلاحظ ذكر النبي يوسف وموسى وهارون بعد النبي داوود وسليمان وأيوب رغم أنهم من الناحية الزمنية أتوا قبلهم، وهذا لا يعني أن مجيئهم في النص بهذا الشكل هو عبثي أو اعتباطي، فلاشك بوجود حكمة ومقصد بحاجة لبحث ودراسة، وهذا ليس نقطة البحث حالياً، وإنما نقطة البحث هي دلالة (الواو) وأنها لا يشترط لها الترتيب الزمني أو المعية، نحو قولنا: اشترى زيد تفاحاً وبرتقالاً وموزاً من السوق. فالسامع لا يعرف هل البرتقال أولاً أم التفاح أم الموز، وهل اشتراهم في وقت واحد أم على أوقات مختلفة، فهذا بحاجة لقرائن لتحدد تلك المعلومات، وكذلك قولنا: سافر زيد إلى مصر وسورية والعراق وتونس. كذلك لا يعرف السامع أي بلد كان الأول سفراً، وهل كان السفر متتالياً وراء بعضه أم منقطعاً. ولنقرأ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة60
فالواو ليست لترتيب المذكورين وإنما تعداد لهم، ولا يهم بأيهم تبدأ، وهذا لا يعني عدم وجود مقصد من مجيء الصيغة بهذا الشكل فيوجد مقصد ومعلومات كامنة في النص تحتاج إلى من يدرسها ويظهرها للناس وهذا موضوع آخر ليس نحن في صدد دراسته حالياً.
واقرؤوا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ …}المائدة6
وبناء على أن الواو لا يشترط في دلالتها الترتيب اختلف الفقهاء في حكم الترتيب في غسل أعضاء الوضوء إلى رأيين: الوجوب أو الندب، والصواب هو أن الترتيب ندب في غسل أعضاء الوضوء كما ذكرت في القرءان، والأَوْلى الالتزام بالترتيب مع صحة الوضوء دون ترتيب لها.
ونأتي للنص المعني الآن وهو:[ إِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ]آل عمران 55، ولتحديد دلالة (الواو) في النص لابد من استحضار سياق النص وفق محله من النصوص التي قبله وتشكيل رؤية للحدث كما حصل في الواقع، نلاحظ أن اليهود مكروا بالنبي عيسى يريدون قتله{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ ۖ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، فتدخل الله و أعلم النبي عيسى أنه سوف يموت موتة طبيعية بقوله (إني متوفيك) نافياً بذلك قتله من قبل اليهود وإفشال مكرهم، وأتى ذلك الخبر في بدء الكلام لأهميته بالنسبة للنبي عيسى وخوفه على حياته، وليس أن الوفاة هي الحدث الأول من بين المذكورين بعدها، وخاصة أن كلمة (متوفيك) هي اسم فاعل من الفعل الرباعي (توفى) وليس من الفعل الثلاثي (وفى) وفعل التوفي لم يحصل بعد بدليل الكلام مع النبي عيسى نفسه، وأتى ذكر ما سوف يحصل مع النبي عيسى بعد إنقاذه من مكر اليهود.
اضف تعليقا