صيغة اسم الفاعل بين الحدوث واللزوم
الفهم لمعنى الكلمة وتحديد نوعها لابد له من دراسة السياق ومحل الخطاب، فلا يوجد قوالب في اللسان العربي جامدة مثل الحجارة ، فالذي يحكم المعنى هو السياق وتعلق الكلمة بواقعها، ولذلك الفهم سابق عن الإعراب، كما أن تحديد تعلق الكلمة في الواقع سابق عن تحديد نوعيتها.
وصيغة اسم الفاعل لها أوزان كثيرة واشتقاقات من الفعل الثلاثي والرباعي ، ويأتي لازماً أو متعدياً حسب فعله، والحكم في ذلك كله هو لمحل الخطاب من الواقع.
دلالة اسم الفاعل المعرف
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الحشر24
عندما تأت كلمة (الخالق، البارئ ، المصور) اسم فاعل معرف بسياق جملة اسمية فهي تفيد ثبوت الاسم للمسمى لزوماً ولا علاقة للزمن أو الحدوث بها ، وتدل على أنه خلق ويخلق وقادر على أن يخلق عندما يشاء، والمبالغة له هو كلمة (خلاّق) التي تدل على كثرة الخلق دون توقف.
وعندما تأت كلمة اسم فاعل معرف في سياق جملة فعلية فهي تدل على الحدوث والتجدد
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11 ، كلمة ( الرازقين) جمع (الرازق) وهي تدل على حدوث وتجدد في فعل الرزق كونها أتت في سياق جملة فعلية، ولايصح القول هذا عنها منعزلة عن السياق لأنها إن أفردت ( الرازق) صارت اسم فاعل معرف في سياق اسم ودلت على الثبوت واللزوم.
وعندما يأت اسم الفاعل نكرة بجملة فعلية أو اسمية فهو يدل على الحدوث والتجدد نحو :
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }الحجر28، فكلمة (خالق) اسم فاعل نكرة أتت بسياق جملة فعلية والمعنى واضح بتعلق كلمة (خالق) بما أتى بعدها كخلق له حادث ومتجدد بشكل مستمر.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ }فاطر3، أتت كلمة (خالق) اسم فاعل نكرة في سياق جملة فعلية وهي تدل على حدوث فعل الخلق وتجدده، وهو يعني أن الخلق الذي يحدث في الواقع ويتجدد هل يوجد غير الله يخلقه؟
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }الزمر62،أتت كلمة (خالق) اسم فاعل نكرة بسياق جملة اسمية وتفيد التجدد والحدوث للخلق بمعنى يخلق كل شيء وكل شيء مخلوق له.
{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11، أتت كلمة (قائماً) اسم فاعل نكرة أتى بسياق جملة فعلية ويدل على الحدوث والتجدد .
وهذا مختصر مفيد رغم أنه لم يغط كل بحث اسم الفاعل فهو كبير جداً، ولكنه يجعلنا نتلمس الفروقات بين استخدامات اسم الفاعل حسب سياق الجملة فعلية أم اسمية ووفق محل الكلام من الواقع .
وبناء على ما ذكرنا نأتي لنصين بدآ باسم فاعل
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }النور2
نلاحظ أن النصين هما من قسم الجملة الاسمية وليس الفعلية ، ونلاحظ أن اسم الفاعل أتى معرفاً (السارق، والزانية) وقد وصلنا إلى أن اسم الفاعل المعرف إن أتى بسياق جملة اسمية يفيد ثبوت ولزوم الاسم للمسمى، وليس هو عارضاً أو مؤقتاً مثل لو أتى بصيغة نكرة (سارق، زاني) أو أتى بسياق جملة فعلية مثل : هرب السارق من البنك، وقبض الشرطي على الزاني، فهاتان الكلمتان رغم أنهما اسم فاعل معرف فهما لا يفيدان الثبوت و اللزوم للاسم لأنهما أتيا بسياق جملة فعلية، ولايصح اقتطاع اسم الفاعل هذا من النص والسياق واستخدامه بمعزل عن الكلام وحده منفرداً لابد من إبقائه ضمن السياق بخلاف اسم الفاعل المعرف الذي أتى بجملة اسمية فيمكن أن نستخدمه وحده دون الجملة فنقول: الخالق والبارئ والمصور ، ونقول: السارق والزاني .
فمن سرق فهو سارق للشيء الذي سرقه، ومن امتهن السرقة استحق اسم السارق لزوماً له.
ومن مارست الزنى فهي زانية كحالة عارضة، ومن امتهنت الزنى استحقت اسم الزانية لزوماً .
والعقوبة في القرءان تعلقت بالسارق والسارقة، والزانية والزاني، فهاتان الصورتان هما محل حساب المجتمع وتدخل السلطة بهم وملاحقتهم، أما الصور الأخرى العارضة فهي لاشك بحرمتها ولكن لا تتدخل السلطة إلا إن وصل لها الأمر وتحاسبهم وتعاقبهم بشكل يناسب جرمهم الفردي العارض.
ومن كفر بشيء فهو كافر به، ولايصح إفراد اسم الكافر عليه بمعزل عن الشيء الذي كفر به، لأن اسم الفاعل المعرف منفرداً يصير يفيد اللزوم والثبوت للمسمى، وهذا لا يكون إلا للكافر العدو المحارب للحقيقة وأهلها، بخلاف المواطن من زملائك أو جارك أو قريبك وقد كفر بشيء معين من وجهة نظرك فهو كافر بها ولكنه مواطن مسالم وقد يكون صالحاً في عمله ومفيد للمجتمع ، فلا يصح تسميته الكافر، رغم أنك قد تكون أنت كافر بشيء من وجهة نظره أيضاً.
إذاً؛الأمر يحتاج لتفصيل ودراسة وتمعن وتدبر عميق قبل أن نحكم على نوعية الكلمة وماذا تفيد، وهذا الفهم على درجة كبيرة من الأهمية في دراسة القرءان لما يترتب عليه من أحكام ومفاهيم بين الناس.
اضف تعليقا