نقاش افتراضي مع ربوبي

الربوبيون :هو موقف إلحادي مُبَطَّن يثبت وجود الخالق وينفي اتصاله بخلقه بأي وسيلة كانت، ويعدُّون ظهور مفهوم الدين نتيجة معاناة البشرية عبر التاريخ ، وسموا أنفسهم كذلك لأنهم ينفون ربوبية الخالق لخلقه والتواصل معهم وهم تيارين :
الأول: يثبت وجود الخالق واليوم الآخر والمسؤولية ، وينفون تواصل الخالق مع خلقه وبالتالي ينفون وجود الكتب الإلهية والنبيين ، ويعدون مفهوم الإنسانية والصلاح والمنفعة هو المقياس فقط ولا داعي للكتب الإلهية ، وهذا التيار يخرج من دائرة الإلحاد.
الثاني : يثبت وجود الخالق لأن ذلك يقوم على المنطق، ونفي وجود الخالق هو نفي للمنطق، ولكن ينفون اليوم الآخر والبعث الحساب ولا جنة ولا نار، وطبيعي أن تسقط كل المنظومة الدينية، والإنسان عندهم مخلوق أحقر من أن يتصل به الخالق العظيم.
فمن حيث النتيجة هم والملحدون سواء. {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ }الجاثية24
– الربوبي: معظم العلماء في العالم هم ربوبيون، وهذا يدل على أن هذا الموقف هو موقف علمي.
– مسلم حنيف: ينبغي أن تفرق بين صفة الإنسان العلمية وموقفه الفكري الإيماني من شيء، فهؤلاء العلماء هل كان موقفهم الربوبي ناتج عن دراسة علمية مبرهن عليها من خلال علمهم أم هو موقف وقناعة شخصية مثلهم مثل أي إنسان عادي؟
– الربوبي: هؤلاء العلماء لو لم يثبت لهم صواب الفكرة لما تبنوها، وهم حريصون على الحقيقة ويبحثون عنها.
– مسلم حنيف : ينبغي أن تفرق بين كونهم علماء في مجال معين مثل الفيزياء ويعرضون دراستهم العلمية وبين إبداء رأيهم في الأمور الفكرية الفلسفية، وهذا خارج نطاقهم كعلماء، ورأيهم مجرد رأي عادي مثل أي إنسان آخر ما ينبغي أخذ قولهم بالفكر والفلسفة مثل قولهم بالعلم الفيزيائي أو غيره من العلوم بالمستوى ذاته، فلكل منهما مجاله وطريقة تفكيره والبحث فيه.
– الربوبي: لم يثبت عند هؤلاء العلماء أن الخالق اتصل بخلقه .
– مسلم حنيف: وهل إثبات ذلك يكون من الفيزياء والكيمياء والرياضيات؟
– الربوبي:الخالق عظيم وكبير ومبدع ولا يمكن أن يتصل بمخلوق صغير حقير ويتدخل بصغائر أموره اليومية أو المعيشية.
مسلم حنيف: أنت تثبت وجود الخالق القدير للكون كوجود حقيقي موضوعي خارج الذهن الإنساني، وتثبت وجود الإنسان أيضاً موضوعياً وليس وهماً، وهذا يعني وجود الجهتين موضوعياً، وإمكانية الاتصال من الجهة الأقوى للجهة الأضعف ممكناً وليس ممتنعاً علمياً ولا منطقياً، والإنسان كائن عظيم ومحترم ومكرم بعقله وفكره وليس بجسمه، فهو ليس حقيراً أو ليس ذي شأن كما تنظر له ،أو لا يستحق أن يتصل به الخالق، وكان الحري بك دراسة هل حصل الاتصال أو لم يحصل وتدرس الاتصال ذاته وتثبته أو تنفيه .
– الربوبي:لم يثبت علمياً وجود اليوم الآخر والبعث بعد الموت.
– مسلم حنيف: أنت تكرر كثيراً كلمة علمياً ، فهل العلم عندك محصور بالفيزياء والكيمياء وما شابه ذلك ؟ أخبرني عن الشعور والحب والكراهية والتفكير والظلم والعدل والخير والقيم والنفس…الخ، هل ثبتت تلك الأمور بالفيزياء والكيمياء؟ أم ينفيها العلم ويتجاهلها؟
– الربوبي: لاشك بوجود تلك الأمور وللعلم تفسير لها .
– مسلم حنيف: دعني من تفسيرها الذي يهم هو إثبات العلم لها فهل البراهين التي اعتمدها هي فيزيائية وكيميائية؟
– الربوبي : يوجد منها براهين كيميائية كتفاعلات وإفرازات في الدماغ ومن الغدد.
– مسلم حنيف: لا أريد الدخول بتفاصيل وتفريع الموضوع والحوار، المهم يوجد أمور يثبتها العلم وهي خارج مجال الفيزياء والكيمياء وغيرهم، وبرهان الإثبات هو العقل والمنطق والواقع ، وحصول الشيء برهان على وجوده وليس برهاناً على تفسير كيف وجد أو لماذا وجد، وهذا يعني أن كلمة العلم تتعلق بنوعين من البراهين :
– براهين علمية تجريبية: متعلقة بالفيزياء والكيمياء وغير ذلك.
– براهين علمية عقلية:متعلقة بالتفكير والفكر والمنطق والواقع مثل الرياضيات فهو علم تجريدي.
فعندما تقول لم يثبت في العلم وجود اليوم الآخر والبعث بعد الموت ، ماذا تقصد بكلمة العلم في هذا الموضوع من كلامك؟
– الربوبي: كل العلم بالمعنى العام.
– مسلم حنيف: كلامك غير صواب ولا دقيق علمياً، فمثلاً علم الفيزياء يثبت أن الكون في طريقه للانفجار وهو قنبلة موقوتة يتمدد بسرعة كبيرة جداً في كل الاتجاهات ، وسوف يصل لمداه الأخير فينكمش على بعضه بواسطة انفجار عظيم، وهذا الكلام يدل بحد ذاته أن نظام الكون على وضعه الراهن له نهاية وليس سرمدياً، واعلم أن البرهان ينبغي أن يكون من جنس الفكرة، وهذا يقتضي منا قبل البرهنة أن نحدد الفكرة إلى أي حقل أو مجال تنتمي ، فمثلاً لا يصح أن نطلب على إثبات مرارة الشيء أو حلاوته أو حموضته برهاناً رياضياً!! ولايصح طلب تذوق أو قياس طول البرهان الرياضي!!!
ولايصح طلب قياس طول الحب والشعور أو وزنه أو تحديد نسبته المئوية.
ينبغي أن يكون البرهان من جنس الفكرة ومنظومتها التي تنتمي إليها.
– الربوبي: الكون هذا ليس هو الاحتمال الوحيد في الوجود فيوجد أكوان أخرى غير معروفة لدينا ولانعرف عنها شيئاً تسمى الأكوان الموازية، غير نظرية الأوتار ، فالوجود أكبر وأعقد مما نتصوره والإنسان كائن يكاد لايَبين في هذا الوجود المهول.
– مسلم حنيف: كلامك سرد وإنشاء لا قيمة له علمياً ولا فكرياً في النقاش، ونحن لا نناقش شيئاً لا نعرفه ولم نحدده ولا يوجد برهان عليه، وسواء أكان كوننا هو الوحيد أو يوجد مثله ألف كون أو أكوان مستمرة بالميلاد دون توقف، هل يتغير البرهان العلمي العقلي بين كون وكون ؟ انتبه البرهان العقلي وليس الفيزيائي أو الكيميائي ، بمعنى أن العلم الرياضي هل يتغير من كون لكون ؟ وهل المنطق الفلسفي الواقعي مثل الجزء أصغر من الكل ضرورة، والمنظومة القيمية والأخلاقية الثابتة مثل الفضيلة والرذيلة والعدل والظلم والخير والشر …الخ هل تتغير من كون لكون آخر؟
فلا تخرج من كونك وتوسع الوجود ذهنياً لتعقد الفكرة وربما لتُضَيِّع المناقش، البرهان العقلي برهان سواء أكنت تعيش في صندوق خشبي صغير أو الكون كله أو خرجت افتراضاً من الكون إلى أكوان أخرى موازية، فالجزء أصغر من الكل ضرورة، والقيم ثابتة في أي عالم افتراضي أو موضوعي ، والفعل لابد له من فاعل ضرورة ليس من جنسه ومغاير له ومستغن عنه.
– الربوبي:ألا ترى أن الحروب والدمار والشر أتت من الأديان؟
– مسلم حنيف: الدين فلسفة حياة متعلقة بالإنسان بصفته كائن اجتماعي ضرورة، فهو ملازم لوجوده وفكره وتصوره عن الحياة ، وهذا يعني أن الإنسان يتدخل في الدين بشهواته وأطماعه ويشرعنها تحت ظلال الدين ونصوصه سواء أكان الدين إلهياً أو وضعياً، ويختلط الأمر على الناس عموماً مع الزمن وينتشر الدين بهذا الشكل الممزوج والممسوخ، فلا يصح دراسة الدين أو الحكم عليه من خلال هذا المسخ والتطبيق الهمجي له من الناس المغسولة أدمغتها والمدمجة؛ بل لابد من دراسة المصدر الرئيس لهذا الدين وفهمه وفق منهجه الذاتي المعروض معه والحكم عليه بناء على تلك الدراسة الموضوعية العلمية بمعزل عن فهم وتطبيق أتباعه.
– الربوبي: ممكن نناقش قضايا من القرءان ؟
– مسلم حنيف : اترك الكتب الإلهية الآن وأثبت اليوم الآخر أولاً وضم هذا المفهوم لمفهوم تصديقك بوجود الخالق حتى تكتمل الدائرة الفكرية في عقلك وتبني قاعدة تستطيع أن تستخدمها في نقاش الأمور الأخرى إثباتاً أو نفياً.
– الربوبي: حسناً؛ ما هي البراهين العلمية التي تثبت وجود اليوم الآخر والبعث بعد الموت؟
– مسلم حنيف: نحن اتفقنا أن كلمة براهين ليست هي حصراً الفيزياء والكيمياء وإنما هي أوسع من ذلك وتشمل التفكير والمنطق وأن البرهان ينبغي أن يكون من جنس الفكرة ، فمفهوم اليوم الآخر هو مفهوم فكري إيماني وبرهانه من حقل ومجال التفكير العقلي المنطقي وليس التجريبي، ولا يوجد مانع أو تناقض وجود اليوم الآخر مع العلم التجريبي فهو أمر ممكن وخاصة أن العلم المنطقي العقلي يثبت وجود الخالق الأول والآخر، والبعث للأموات هو فعل للخالق فكما بدأ الخلق يعيده وهو أهون عليه ، فسوف أكتفي بسرد مجموعة من البراهين المنطقية العقلية لتفكر بها لأن ذلك لابد له من تفاعل عقلي وفكري وحدك ضمن زمن وتقلب الفكرة بذهنك كثيراً لتتخمر وتنضج وتعود لنقاشها مرة ثانية وثالثة وبعدها تتخذ موقفاً من اليوم الآخر الإيمان به أو الكفر لأن التصديق انتهى علمياً وثبت لك وجوده.
أهم البراهين لإثبات اليوم الآخر
1- غائية المخلوقات.
2- سرمدية المادة.
3- قانون التناقض الجدلي للمادة، الهلاك والموت.
4- النفس سرمدية, بينما الجسم فان متحول.
5- قانون التناقض الجدلي الثنائي الفكري ، حق وباطل.
6- مفهوم الحياة الدنيا برهان ثقافي على وجود الحياة الآخرة.
7- مفهوم الأخلاق والقيم برهان على وجود الحياة الآخرة، خير وشر.
8- إخبار الخالق للناس من خلال الأنبياء والرسل بوجود الحياة الآخرة بعد الموت.
– الربوبي: افترض أني صدقت وآمنت بوجود اليوم الآخر كيف يثبت لي صواب الكتب الإلهية وأن الله اتصل بخلقه ؟
– مسلم حنيف: إن تم اكتمال دائرة الإيمان عندك على الإيمان بالله الواحد الأحد الصمد واليوم الآخر نتج عندك من ذلك ضرورة وجوب العمل الصالح والالتزام بالوصايا العشر كضرورة علمية منطقية أخلاقية اجتماعية إنسانية، وأنت تؤمن بداية بإمكانية اتصال الخالق بخلقه لعظمة الإنسان وأهميته في الوجود ككائن عاقل حر مكلف بمقام الخلافة في الأرض، وتكون حصلت على الأجوبة المنطقية الثلاثة وهي:كيف وجدنا، ولماذا وجدنا، وأين نذهب بعد الموت. وهذا يعطيك ميزاناً ومعياراً للحكم على أي دين ابتداء وما مدى صوابه ، فأنت لا تدخل لدراسة الأديان وأنت أعمى ومقلداً؛ بل تدخل بصيراً وتملك ميزاناً ومعياراً للحكم على أي فكرة أو مفهوم، وهذا الميزان هو :
– قيام البراهين العقلية والمنطقية على صواب المفاهيم والأفكار في الواقع.
– انسجام المفاهيم وما ينبثق منها من أحكام مع الفطرة النفسية والجسمية كغرائز وحاجيات لكل منهما ينتج عن ذلك توازن نفسي واطمئنان قلبي.
– عائدية التطبيق كمنفعة ومصلحة للإنسان والمجتمع وليس للخالق أو لشخص بعينه أو حاكم أو أسرة أو قوم .
– الربوبي: هذا ممكن يتعدد في كثير من الكتب الدينية وغير الدينية أو الملل أو يوجد بعضه هنا وهناك.
– مسلم حنيف: هذا صواب لأن الحق واحد ولا يتعدد، ولا يخلو دعوة أو ملة من حق ولو جزئياً، ومهمتك أن تعلم أي ملة تملك قاعدة الحق وترفع من الإنسان وتُعلي شأنه وتبني التفاصيل على تلك القاعدة وفق محور يقوم على الثابت و المتغير في حركته (حنيف)

 

تعليق
مشاركة