لا تحزن إن الله معنا، من كان مع النبي محمد في الغار؟

{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة40

واضح من النص أن النبي عندما غادر مكة متوجها للمدينة اختار رجلاً صاحب له في رحلته، و قد ورد في التاريخ أنه أبو بكر، وهذا الصاحب أصابه الحزن كما ورد في النص، والحزن ليس الخوف، مما يدل على أن الرجل شجاع  في موقفه واختار ذلك عن سبق إصرار وإرادة حازمة وإلا كان انسحب وهرب ونجا بجلده ولم يستمر مع النبي،  والحزن الذي أصابه ليس على نفسه لأنه ليس مطلوباً أصلاً لقومه، وإنما على النبي وخشي أن يصيبه مكروهاً، وهذا يدل على الحب له والتضحية والخشية عليه، وعندما رآه النبي حزينا ً قال له: لا تحزن، وهذا يدل على شعور النبي المتبادل معه من حب واهتمام بشعوره ، وعندما أكمل حديثه بأن الله معنا -وهو الصادق الذي يتكلم بذلك عن وحي وليس من عنده- استخدم المعية للمثنى له ولصاحبه بالمستوى ذاته، وهذا يعني أن الله كما هو مع النبي فهو مع صاحبه أيضاً وهذه المعية هي معية عناية ونصر وحماية وتوفيق وتأييد، وهذا يدل على أن صاحبه رجل مؤمن وصالح وليس كما يظن بعضهم من رجال السوء أنه منافق أو عدو أو جاسوس، فلو كان كذلك لما قال له النبي : لا تحزن، ولما أتت صيغة المعية الإلهية  بالمثنى، لأن ذلك لا يصح للكافر والجاسوس والمنافق!.

أما نزول السكينة على النبي دون ذكر نزولها على صاحبه فهذا ليس نفياً لها لأن عدم ذكر الشيء لا ينفيه ، وذكر نزول السكينة في نص آخر على الرسول والمؤمنين {ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ }التوبة26، لأن المقام متعلق بطرفين الأول الرسول كنبي قائد ويحتاج للسكينة ، والمؤمنين كجيش أيضا يحتاجون للسكينة ، لذلك نزلت السكينة على الرسول والمؤمنين، بينما  بحدث الغار محور الحدث هو النبي فقط وهو المعني بكل القصة وصاحبه تبع له ولا يوجد خطر عليه شخصياً لأنه ليس مطلوباً من القوم، فنزلت السكينة على النبي وهو قام باطمئنان صاحبه وتهدئته .

فكفوا يا عباد المثناة، ويا قوم التطبير واللطم والتلعين والتوحيل والثأر والتكفير عن عداوتكم وكرهكم وضيق عقلكم، واخرجوا من التاريخ وعيشوا حاضركم ناس طيبين كرام متعايشين متحابين متعاونين.