مفهوم القتل والصلب والقطع في القرءان
{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33
الكلمة في اللسان العربي لا يدل عليها إلا هي لأنها تحمل مفهومها اللساني بمبناها، ويظهر معناها من خلال السياق محكومة بالمفهوم مع إسقاطها على محل الخطاب، وأثناء دراسة مفهومها اللساني يضطر الباحث لاستخدام مفردات ليُقرّب المفهوم أو المعنى لها ليصل إلى المتلقي ، فإن وصل المفهوم أو المعنى للآخر ينبغي أن يَستبعد هذه المفردات من ذهنه ويحتفظ بالكلمة فقط، وما حصل عنده من مفهوم أو معنى لها، لأن الكلمة لا يدل عليها إلا هي بمبناها ذاته، مثلاً، كتب تعني كتب، ودرس تعني درس، وليس شيئاً آخر.
وفي الخطاب القرءاني لا يوجد تطابق في الدلالة بين كلمتين مختلفتين بالمبنى، والقاعدة هي (إذا اختلف المبنى اختلف المفهوم والمعنى ضرورة)، كما أنه لا يوجد مجاز في الخطاب القرءاني لأن المجاز خلاف الحقيقة و قد يكون باطلاً أو كذباً أو خطأ…،والخطاب القرءاني يقوم على الحقيقة وهو خطاب حق وصدق و فصل ليس بالهزل.
ومفهوم الكلمة في الواقع يتعلق بصورتين:
أحدها: المادي وهو الأشهر والأقرب للذهن.
الثاني: المعنوي وهو يحتاج لتدبر من الباحث حتى يفهمه.
مفهوم قتل
قتل: القاف والتاء واللام أصل يدل على توقف أو انقطاع الشيء بشدة مع دفع خفيف منته بحركة لازمة ثقيلة.
وظهر ثقافياً بمعنى توقيف أو قطع أو منع أو تعطيل أو تقليص فاعلية الشيء للحد الأدنى أو التلاشي .
– وظهر في الواقع بصورة مادية تعني توقف أو انقطاع حياة الإنسان من فاعليتها متمثلة بزهق حياته.
مثل قتل المجاهد في سبيل الله، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }البقرة154
وقتل الكافرين المجرمين{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ }البقرة191
{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }النساء93
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }الإسراء33
– وظهر القتل بصورة معنوية متعلقة بمنع أو تقليص أو توقيف فاعلية الشيء إلى الحد الأدنى، أو جبره وإكراهه على شيء.
مثل قتل الشهوات في النفس ومنعها من فاعليتها ،أو حرمان النفس من الطيبات والعيش بخشونة وقلة، أو طلب توقيف فاعليته وحيويته بالدعاء عليه بالقتل.
-{قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ }عبس17
-{قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ }الذاريات10
-{فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ }المدثر19
-{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة54
-{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29
-{وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }الأنعام137
-{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }الأنعام140
– {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5
وكلمة (قتل) إن شُدّدَت عين فعلها (قتَّل) تفيد تكرار فعل القتل في الواقع، وأيضا تتعلق بصورة مادية وأخرى معنوية ، والسياق ومحل الخطاب يحدد المعنى.
-{مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً }الأحزاب61
-{وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }الأعراف141
فكلمة (يقتلون) دون تشديد عين الفعل تفيد القتل للأبناء الحاضرين، وبتشديد عين الفعل ( يقتّلون) تفيد استمرار القتل للأبناء الذين لم يلدوا بعد.
مفهوم قطع
قطع: القاف والطاء والعين أصل يدل على توقف أو منع أو إنهاء أو تجاوز الشيء أو تثبيته على وضع معين أو تحديده أو قسمته بدفع وسط منته بِبُعد في الشيء، ويتم تحديد المعنى من السياق ومحل الخطاب.
وظهرت بصورتين:
– صورة مادية:
{وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }التوبة121
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15
{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }الرعد4
{مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }الحشر5
كلمة (لينة) لا تعني شجرة النخلة، وإنما متعلقة بثمار النخلة ، والمعنى هو ما فصلتم وأخذتم من ثمار النخلة لحرمان أصحابها الأعداء من الاستفادة منها، أو توقيف عملية نضوجها بحيث تصير لا فائدة منها ، أو تركتموها قائمة على أصولها، ليصير المعنى هو منع اليهود من الاستفادة من ثمار النخلة من خلال قطع الثمار وأخذها، أو توقيف نضوجها وإهلاكها ،ولا علاقة لشجرة النخلة في ذلك، لأن لو كان القصد هو إزالة النخلة من ساقها لأتت كلمة ( بتر) النخلة، ولو كان المقصد إزالة الشجرة من جذورها لأتت كلمة ( اجتث) {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }إبراهيم26، فقطع اللينة هو أخذ ثمار النخلة ، أو منع عملية نضوجها، ومنع اليهود من الاستفادة منها ، وليس بتر ساق النخلة، ولا اجتثاث النخلة من جذورها فهذا فساد في الأرض مخالف لمفاهيم الإسلام.
– صورة معنوية:
– {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }البقرة27
– {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام45
– {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }الحج15
-{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }العنكبوت29
– {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38
ليس من أسلوب التشريع الإسلامي القرءاني بتر أي عضو من جسم الإنسان عقوبة له ،فهذا من تشريع التوراة وقد نسخ الله هذا الحكم {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }المائدة45
أما تشريع القرءان فهو قائم على الرحمة والإنسانية، ويظهر ذلك في كل التشريع وبالأخص العقوبات، وصياغة التشريع المتعلق بالعقوبات بالذات كونه متعلق بحياة الإنسان أو فاعليته أو حريته وهذا حق مقدس له ينبغي أن يأتي بصيغة تشريعية صريحة لا تحتمل أي لَبس في الفهم، وهذا يدل على أن فعل بتر يد السارق مستبعد من النص قطعاً لعدم ورود الكلمة في النص ، وما ينبغي أن تبدل أو تحرف كلمة (قطع) إلى كلمة (بتر) فهذا افتراء على الله، وينبغي أن تبقى كلمة (قطع) على ما هي عليه في النص وتفهم حسب السياق ومحل الخطاب، والمعنى هو توقيف أو إنهاء فعل السرقة من خلال توقيف ومنع أيدي السارق ومعاقبته العقوبة الرادعة والزاجرة والمؤلمة، مع الانتباه إلى أن كلمة (السارق والسارقة) هي اسم فاعل الذي يفيد تكرار الفعل وامتهانه ولزومه للفاعل، والانتباه إلى كلمة (أيدي) التي هي جمع كلمة (يد) والتي تدل على القوة الطايلة، وسمي عضو الإنسان الذي يتناول به الأشياء يداً لتحقق المفهوم بها، فليس كل كلمة (يد) في القرءان تعني عضو الإنسان، وصار معنى( فاقطعوا أيديهما) منعهم وتوقيف قواهم الطايلة سواء أكانت بشرية أم تقنية ، ومعاقبة الجميع.
وكلمة (قطع) إن شُدّد عين فعلها (قطَّع) تصير تدل على تكرار فعل القطع، وهذا دليل على عدم تضمن معنى البتر في فعل (قطع) لأن البتر لا يتكرر هو فعل واحد فقط، اقرؤوا :
{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31
فهؤلاء النسوة ( قطّعن) أيديهن، بمعنى تكرر فعل القطع لأيديهن وهم لا يشعرون ، وهذا دليل على أن المعنى هو وقوع السكين على اليد فتركت فيها أثراً بليغاً بحيث فصلت أو فتحت الجلد عن بعضه من جراء تكرار فعل القطع، وهو جرح عميق.
وتعالوا للنظر إلى استخدام كلمة (قطع) في الواقع المعيشي لأنه يساعدنا كثيراً في تحديد معنى كلمة قطع لسانياً، نقول: انقطع التيار الكهربائي ، ولا نقول: انبتر، وذلك لأن المقصد هو توقف التيار عن التردد وسوف يعود لاحقاً، بخلاف كلمة (انبتر) فهي لا تفيد العودة له لاحقاً وإنما تفيد فصله النهائي دون عودة له. و نقول : انقطع الماء عن البيت ، بمعنى توقف تدفقه حالياً، ولا يصح القول انبتر الماء عن البيت فالماء لا ينبتر، ونقول :اقطع لسان زيد، بمعنى امنعه عن الكلام بوسيلة ما سواء تهديد أو إغراء له، ونقول: اقطع قدم زيد من هذا المكان ، بمعنى منع مجيئه إلى هذا المكان، وهذا يوصلنا إلى أن كلمة (قطع) يُعرف معناها من سياق الكلام ومن تعلقها بطبيعة الشيء وقابليته لصورة القطع فهو الذي يحدد كيفية حصول القطع له في الواقع، انظروا إلى قولنا: اقطع المدد والمال عن القوم، كيف ظهر بمعنى التوقف والمنع، وقولنا: اقطع ثمار الشجرة، بمعنى توقيف عملية نموها ومنعها من النضج، وليس المعنى قطف ثمار الشجرة ولاجني المحصول ولا بتر الشجرة ولا اجتثاثها من الأرض. و هذا هو معنى النص {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }الحشر5 .
مفهوم صلب
صلب: الصاد واللام والباء أصل يدل على حركة محددة لازمة منتهية بجمع مستقر.
وظهرت ثقافيا بمعنى تثبيت حركة لزوما وجمعها على شيء، ومنها تثبيت الإنسان على عمود خشبي مستقراً عليه، وليس كل صلب هو وضع على عمود خشبي ، ممكن أن يكون الصلب بمعنى التثبيت اللازم لحركة الإنسان في مكان معين.
انظروا إلى الخطاب التالي: {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ }الأعراف124
لاحظوا كلمة( لأقطِّعن) كيف أتت عين الفعل مشددة ، وهذا يفيد تكرار فعل التقطيع للأيدي والأرجل وهذه العملية تدل على نفي بتر الأيدي والأرجل عنهم، و تفيد المعنى ذاته الذي أتى في نص النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31 ، ليصير معنى النص هو قيام فرعون بإحداث جروح في الأيدي والأرجل في مواضع مختلفة منها ثم تثبيت حركتهم في مكان معين ليستمروا بعملية النزيف أن يموتوا من أثر ذلك، وهذا أحد معاني التقطيع وليس للحصر .
وأتى النص الآخر ليحدد مكان الصلب {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى }طه71 ، فالمقصد من التقطيع للأيدي والأرجل ليس بترها وإنما جرحها بأماكن مختلفة ومن ثم صلبهم في جذوع النخل ليموتوا ببطء ويشعرون بالعذاب والألم الشديد.
وبعد أن وصلنا إلى ضبط كل من مفهوم القتل والصلب والقطع نأتي إلى دراسة نص {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33 ، مع الانتباه إلى دين الله ليس دموياً أو إرهابياً أو عدوانياً أو انتقامياً ولا ردات فعل إجرامية على الآخرين ، فهو له منطق خاص بعلاج أمثال هذه القضايا يقوم على الرحمة والإنسانية وحب الخير والهداية للناس، ولكن هذا لا يعني أن يسمح للآخرين بالتمادي بعدوانيتهم وإجرامهم قط ، ولابد من الأخذ على أيديهم وتوقيفهم عند حدهم.
– أول احتمال
🙁 أَن يُقَتَّلُواْ) هو عقوبة التقتيل، ولاحظوا تشديد عين الفعل بمعنى ليس القتل المادي لهم وإنما عملية ملاحقة أماكن القوى فيهم و إماتتها وإنهائها.

– الاحتمال الثاني:( أَوْ يُصَلَّبُواْ) وأيضا لاحظوا تشديد عين الفعل فلم تأت العقوبة بالصلب لهم، وهذا يدل على تثبيت حركتهم بشكل مستمر مع التضييق الشديد عليهم .
– الاحتمال الثالث: (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ) أيضاً لاحظوا تشديد عين الفعل لكلمة (تُقَطَّعَ) ولم تأت كلمة البتر لهم قط، وهذا يدل على أن المعنى هو المعنى الذي أتى في نص النسوة اللاتي قطّعن أيديهن{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31، وهذا يوصلنا ضرورة إلى ضبط مفهوم كل من كلمة:
– أيديهم : جمع لكلمة يد التي تدل على القوة الطايلة، وسمي طرف الإنسان العلوي يداً لتحقق به القوة الطايلة.
– أرجلهم: جمع لكلمة رجل التي تدل على الحركة المكررة بجهد منتهية بلزوم وثقل، وسمي طرف الإنسان السفلي رجل لتحقق به مفهوم الكلمة من حيث تكرار الجهد بلزوم للأرض أثناء الحركة، ومن هذا الوجه سمي الإنسان بصرف النظر عن نوعه الذكري أو الأنثوي رجلاً لأنه يسعى في الحياة راجلاً خلف لقمة المعيشة ويقوم بتدبير أمور الأسرة، ويقال للمرأة العاملة المدبرة الرجلة.
– خلاف: من خلف التي تدل على الشيء مقابل الأمام، بمعنى الضد للشيء، وكلمة خلاف من المخالفة بمعنى ضد الشيء سواء أكان مادياً أم معنوياً.
وبما أن معنى بتر الأطراف للإنسان مستبعد من النص يكون معنى كلمة:
(أيديهم) تدل على مجموعة القوى الطايلة لهؤلاء المحاربين للحق والخير.
(أرجلهم) تدل على مجموعة الأدوات التي يتحركون بها ويستخدمونها في حربهم مثل السيارات أو الأجهزة الالكترونية.
وكلمة (من خلاف) لا علاقة لها بمفهوم التبادل الضدي المذكور بالتفسير من حيث بتر اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، لأن هذا المعنى مستبعد من النص كله أصلاً غير أن لو كان هذا المعنى مراد لأتى حرف (على) بدل حرف (من) في جملة (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ) وتصير (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم على خِلافٍ).
ليصير المعنى لجملة (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ) هو إحداث جروح في أيديهم وأرجلهم في أماكن مختلفة بشكل شخصي لهم مع حبسهم والتضييق عليهم، و توقيف ومنع ومصادرة قوتهم الطايلة البشرية (أيديهم) وغيرها، وأدواتهم التقنية والحركية (أرجلهم) التي يستخدمونها في حربهم للحق الممتدة في المجتمع من خلفهم.
– الاحتمال الرابع:( أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ) بمعنى طردهم من المجتمع الذي يعيشون فيه، وسحب تابعيتهم الوطنية والاجتماعية وتجريدهم من حقوقهم المدنية، وليس إخراجهم خارج الكوكب الأرضي!.
لاحظوا أنه لا يوجد في النص كله عملية إزهاق حياة لأحد أو بتر أي عضو من جسمه، وخاصة بدليل إنهاء احتمال العقوبة بالنفي خارج الوطن، وهذا لا يمكن لمن يكون حكمه الموت والإعدام له.
إذاً؛ المشكلة تكمن بفهم المسلمين وليس بالخطاب الإلهي ، والمسلمون هم الذين يسيئون للإسلام أكثر من أعدائه بسبب فهمهم الأعوج والأعرابي للقرءان وخلطهم بين مفاهيم الكلمات وتبنيهم إمكانية أن تحل كل كلمة بدل أي كلمة ولا يتغير المعنى ، ومن هذا الوجه استبدلوا كلمة ( قطع) بكلمة (بتر) ولم يفرقوا بين صيغة الفعل العادي (قطع) وصيغة الفعل المشدد (قطَّع)، و دلالة الفعل (سرق) ودلالة اسم الفاعل ( سارق)، واعتمدوا في بناء رأيهم على الشائع في استخدام الناس للكلمات ، ومن المعروف أن الناس تتساهل في استخدام الكلمات بدل بعضها بعضاَ وتعتمد على فهم الآخر وهو ليس حرفية الكلام قط، وهذا لا يصح التعامل به مع الخطاب القرءاني أو النص القانوني .
كم من عائب قولاً صواباً….. وآفته من الفهم السقيم
اضف تعليقا