للتدبر في مفهوم عذاب النار

لتدبر مفهوم قرءاني ينبغي  ضبط المنظومة التي ينتمي إليها المفهوم ودراسته وفقها ، وليس وفق نص جزئي بمعزل عن المنظومة كلها فنصل إلى مفهوم خلاف الحقيقة ، ومفهوم الخلود في النار هو من هذا القبيل الذي يدرسه معظم الباحثين بشكل جزئي وبمعزل عن المنظومة التي ينتمي إليها وتحكمه المنظومة المؤلفة من ثمانية نقاط وهي:

أ- اسم الله الحكيم الرحيم العزيز القدير الصمد.

ب- نفي الظلم عن الله وهذا يقتضي أن تكون العقوبة مناسبة للذنب وبقدره ولاتكون العقوبة على أمور لم يفعلها الإنسان . {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهمْ لاَ يُظْلَمونَ }الأنعام160

ت- العقوبة مؤقتة ، والثواب دائم، وهذه قاعدة منطقية .

ث- مفهوم كلمة العذاب من التعذيب وهي بحد ذاتها تدل على الانتهاء وإلا اقتضى نفي الحكمة وتحول الفعل إلى عبث وظلم ، مثل تكرار تعذيب الماء بعد طهارته ونقائه وصفائه.

ج- دلالة الكلمات اللسانية المستخدمة مع أهل النار تدل على فنائها وظرفيتها

ح- مفهوم التعويض للمظلومين في الجنة وبالتالي لاعلاقة لهم بمدى عقوبة الكافرين الظالمين فالأمر يرجع لله وحكمته ورحمته

خ- صفة الغضب الإلهي ظرفي مؤقت ، وصفة الحكمة و الرحمة دائمين وثابتين.

د-جميع النصوص الجزئية المتعلق ظاهرها بنفي توقف العذاب أو العقوبة أو نفي دخول الجنة عنهم وماشابه ذلك تفهم على أنها متعلقة بفترة العذاب وأثناء العقوبة ، لاشفاعة لهم ولا رحمة ولا يخرجون ولا يتوقف عنهم العذاب أبداً وهذا لا ينفي تحقيق الحكمة و الرحمة فيما بعد وفق المنظومة.

وهذه نماذج عن مفهوم الكلمات وبعض النصوص للتدريب والفهم

– كلمة خلد تعني ارتخى والتصق بالشيء بقوة بصرف النظر عن طول الوقت أو قصره مثل : خلد زيد إلى النوم ، لا يعني أنه لن يستيقظ أو يغادر فراشه.

– أبد: تعني المدة الطويلة جداً ومنه حكم المؤبد التي تدل على الفترة الزمنية الطويلة ولذلك تجمع على كلمة آباد، ويقال:  إن  المجرم الفلاني حكمت عليه المحكمة بثلاث مؤبد

– حقب كلمة تدل أرجحة متوقفة منتهية بجمع مستقر ومنها الحقيبة المعروفة ، وسميت كذلك لجمع الأشياء بها، ويقال للفترة الزمنية المعنية المجموعة الحقب الجيولوجي مثلا وجمعها أحقاب.

وللعلم عندما يتم جمع شيء يعني أنه غير متناهي وهو محدود، وجمع المحدود مع محدود مهما بلغ عدد الجمع يبقى محدود لأن اللانهاية لاتجمع ولاتحدد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– أتت كلمة الخلود متعلقة بالجنة {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ }ق34

بينما للنار لم تأت صيغة الخلود قط ، وإنما أتت صيغة اسم الفاعل خالداً أو جمعها خالدون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– أتى في القرءان لأهل الجنة والنار صيغة خالدين فيها ، وأتى صيغة خالدين فيها أبداً ، وأكيد يوجد فرق بين الصيغتين بتعلقهما بالعقوبة، بخلاف تعلقها بأهل الجنة ، بمعنى أن الثواب دائم والعقوبة ظرفية مؤقتة، هذا ما يقتضيه الحكمة و الرحمة و العزة.

{إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً }النساء169المكوث الطويل جداً جداً

{فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ }النحل29 المكوث الطويل جداً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– أهل الجنة لا يُخرجهم أحد منها لأنها ثواب دائم ولا هم يخرجون من تلقاء أنفسهم

{لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ }الحجر48

بينما أهل النار يريدون الخروج بأنفسهم من شدة العذاب والعقوبة وهذا شيء طبيعي فأتى النص يمنعهم من ذلك

بصيغة اسم فاعل (خارجين) وهذا لاينفي إخراجهم من قبل الرب نفسه برحمته.

{وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ }البقرة167

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

– الجنة و النار سوف ينشآن على أنقاض الكون ولذلك ربط في النص وجود الجنة والنار بدوام السموات و الأرض ، وقد شاء الله دوام السموات والأرض بمشيئته التي تحمل الثنائية وتم ترجيح الدوام السرمدي من مفهوم نصوص أخرى للجنة،  بينما النار سوف تفنى ويخرج من فيها  لأنها ظرفية مؤقتة وليس أصل ولا دار سلام، ولذلك أتت كلمة غير مجذوذ متعلقة بأهل الجنة بمعنى لهم عطاء غير مقطوع ولا ممنوع ، بخلاف أهل النار فلم يأت ذلك الوصف وأتت صفة الإرادة لله أنه فعال لما يريد وهي تدل على الفعل المحدد الذي يريده الله فيما بعد ولا يسأله أحد عن فعله فهو الحكيم الرحيم العزيز القدير.

{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }هود107

{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ }هود108