الطفل الشهيد وطريق النضال

 دخل حمار مزرعة أبي صالح، وبدأ يأكل من زرعه الذي تعب في حرثه وبذره وسقيه، فرآه أبو صالح، وفكر كيف يُـخرج الحمار؟سؤال محير! أسرع أبو صالح إلى البيت، وجاء بعدَّةِ العمل،القضية لا تحتمل التأخير، أحضر عصا طويلة، ومطرقة ومسامير وقطعة كبيرة من الكرتون المقوى،كتب على الكرتونة “يا حمار اخرج من مزرعتي” ثبتها بالعصا الطويلة بالمطرقة والمسمار، و ذهب إلى المزرعة ووقف مقابل الحمار،ورفع اللوحة عالياً، وقف رافعًا اللوحة منذ الصباح الباكر حتى  غروب الشمس، ولكن الحمار لم يخرج، حار أبو صالح!، وقال في نفسه: ربما لم يفهم الحمار ما كتبتُ على اللوحة!،رجع إلى البيت،ونام، وفي الصباح التالي صنع عددًا كبيرًا من اللوحات،ونادي أولاده وجيرانه، واستنفر أهل القرية، وصف الناس في طوابير يحملون لوحات كثيرة تقول: ” اخرج يا حمار من المزرعة “الموت للحمير “يا ويلك يا حمار من راعي الدار” وتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار،وبدؤوا يهتفون:اخرج يا حمار،اخرج أحسن لك، والحمار يأكل، ولا يهتم بما يحدث حوله.

غربت شمس اليوم الثاني،و تعب الناس من الصراخ والهتاف، وبحت أصواتهم، ولما رؤوا الحمار غير مبالٍ بهم، رجعوا إلى بيوتهم يفكرون في طريقة أخرى، وفي صباح اليوم الثالث جلس أبو صالح في بيته يضع خطة جديدة لإخراج الحمار، فالزرع أوشك على الهلاك،تفتق ذهن أبي صالح عن اختراع جديد،نموذج مجسم لحمار يشبه إلى حد بعيد الحمار الأصلي،وذهب إلى المزرعة، وأمام نظر الحمار وحشود القرية المنادية بخروج الحمار، سكب الوقود على النموذج وأحرقه! فكبّر الحشد (الله أكبر)وارتفع صوتهم عالياً، فنظر الحمار إلى جهة النار والضجة،ثم رجع يأكل في المزرعة دون مبالاة،يا له من حمار عنيد لا يفهم.

أرسلوا وفدًا ليتفاوض مع الحمار، قالوا له: صاحب المزرعة يريدك أن تخرج، وهو صاحب الحق، وعليك أن تخرج؟ نظر الحمار إليهم ثم عاد للأكل لا يكترث بهم،وبعد عدة محاولات، أرسل أبو صالح وسيطاً آخر قال للحمار: صاحب المزرعة مستعد للتنازل لك عن بعض من مساحته!، الحمار يأكل ولا يرد، قال الوسيط: لك ثلث المزرعة،الحمار لا يرد،زاد الوسيط نسبة التنازل إلى النصف،الحمار لا يرد، فقال الوسيط:يا سيدي الحمار!حدد المساحة، وفي الجهة التي تريدها، ولكن لا تتجاوزها إذا سمحت فنحن نتعامل على الثقة، رفع الحمار رأسه، وقد شبع من الأكل، ومشى قليلاً إلى طرف الحقل وهو ينظر إلى الجمع الغفير نظرة حمارية،وفرح الناس،لقد وافق الحمار أخيراً،وأسرع المزارع بإحضار الأخشاب،وسيَّج المزرعة، وقسمها نصفين، وترك للحمار النصف الذي يقف فيه.

وفي صباح اليوم التالي كانت المفاجأة لصاحب المزرعة!،لقد ترك الحمار نصيبه واقتحم نصيب صاحب المزرعة، وأخذ يأكل دون مبالاة بمن حوله، رجع المناضل مرة أخرى إلى اللوحات والمظاهرات، يبدو أنه لا فائدة، هذا الحمار لا يفهم، إنه ليس من حمير المنطقة، لقد جاء من قرية أخرى،الوضع لم يعد يُحتمل، لابد من رفع شكوى إلى المجلس الحماري الأعلى، وفعلاً بعثوا مندوباً يمثل وجهة نظر أبي صالح وتظلمه من الحمار، وعندما وصل إلى قاعة الاجتماع، وأخذ مكانه بين الجالسين ينتظرون دخول رئيس الاجتماع دوى صراخ عالي يخبر بدخول رئيس المجلس، فوقف المشاركون احتراماً له، ونظر مبعوث المناضلين إلى شخص الرئيس يريد أن يتعرف عليه، وإذ به يفتح عينيه محملقاً وتتدلى شفته السفلى لتظهر أسنانه المنخورة من الدخان!، أعاد النظر بتركيز أكثر، ولا يدري أهو بعلم أم بحلم، إن رئيس المجلس هو الحمار ذاته المغتصب للمزرعة!!، وارتمى على كرسيه، والتزم الصمت ذلاً وحزناً وانكساراً، ورآه السيد الحمار من على منصته _ وكان يعرفه من خلال ظهوره في الإعلام وهو يشارك مع الجماهير في المظاهرات_ فنهق عالياً، وأظهر ضحكة حمارية طويلة!ووجه حديثه إليه قائلاً: ليس أنا من تظن، أنا ابن عمه!.

ورجع المناضل إلى قومه خائباً،وأخبرهم بما رأى من حمرنة عالمية.

واستغل أفراد من القرية هذا الوضع ليصيروا من أصحاب رؤوس الأموال، وقاموا بحملة جمع تبرعات مالية من القرى المجاورة، والأمر لم يقف عند هذا الحد،بل قام بعض المسئولين عن القرى المجاورة برفع الضرائب، وأسعار المواد الأساسية، ليبقى الناس تحت الضغط المستمر، وإهمال النهضة والإصلاح في البنية التحتية بحجة وجود الحمار في مزرعة أبي صالح!.

بدأ أبو صالح يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار، والذهاب إلى قرية أخرى لتأسيس مزرعة أخرى، ولكن سرعان ما أثنوه عن عزمه،وأقنعوه بالاستمرار في المظاهرات.

وفي إحدى المظاهرات وأمام دهشة جميع الحاضرين من أهل القرية والقرى المجاورة!، حيث لم يبقَ أحد من القرية إلا وقد حضر ليشارك في المحاولات اليائسة لإخراج الحمار المحتل العنيد المتكبر المتسلط المؤذي، برز غلام صغير من بين الصفوف،ودخل إلى الحقل،وتقدم إلى الحمار، وضربه على قفاه بعصا صغيرة، فجفل الحمار وفر خارج الحقل!.

صاح المستفيدون وخاصة المندسين من القرى المجاورة: يا الله! لقد فضحَنا هذا الصغير،و سيجعل منا أضحوكة للعالم من حولنا، وسوف تتعطل مشاريعنا،ونفقد مبرر ممارساتنا القمعية على الناس، وسرعان ما تحرك أحد المندسين وقـَـتل الغلام، وأعادوا الحمار إلى المزرعة مع الاعتذار الشديد، وتقديم التسهيلات التي فوق الإمكانيات، والوعد على القيام بحراسته من أذى ورعونة الأطفال الأشقياء!.

ثم أذاعوا أن الطفل شهيد!، وهكذا؛ بدأ مشوار الشهادة والنضال، وتقديم الأطفال والشباب قرباناً للحمار!، وبدأ عقد المؤتمرات والمفاوضات التي لا نهاية لها،وكلما أوشكوا أن يصلوا إلى حل عادوا إلى نقطة البداية،وصار الأمر دوامة، واستمرت البقرة بدر الحليب!.