العلاقات الجدلية بين الأشياء والظواهر

1 – علاقة جدلية تناقضية فكرية:

وهي علاقة بين أمرين لا يجتمعان، حيث يترتب على وجود أحدهما ذهاب الآخر.

وهذه العلاقة غير متحققة إلا بالحكم على الأمور، مثل قولنا: زيد موجود، أو غير موجود، وقولنا : الحق، أو الباطل، العدل، أو الظّلم، الحُرِّيَّة، أو الاستعباد.

وهذه العلاقة تخضع لقاعدة الثالث المرفوع.

2- علاقة جدلية تناقضية داخلية بنيوية 🙁 قانون الموت )

وهي قائمة في بنية الأشياء، وتكون من خلال صراع ثنائي داخلي في الأشياء يُؤدِّي بها إلى التّطور، والتّغير، والهلاك لتسمح لغيرها بالظّهور، وانعكس ذلك على اللسان العربي، فظهر ما يسمى موت الكلمات، وحياتها، ويكون ذلك من خلال انتهاء وظيفة الكلمة ودورها كاستخدام في الواقع، وذلك مرتهن بتطور الواقع، فإذا انتهى استخدام شيء من الأدوات، أو الأشياء، أو السُّلُوك يُهمل هذا الشّيء، وبإهماله تُهمل الكلمة التي تدل عليه، إلى أن تتلاشى، وتموت ثقافياً، ولا يَبقى لها استخدام في المجتمع اللاحق، وتعود إلى دلالتها التّجريدية؛ ليحل محلها شيء آخر، وكلمة جديدة، تأخذ محل الأولى، وهكذا دواليك.

3 – علاقة جدلية ثنائية ضدية تعاقبية خارجية:

وتكون هذه العلاقة بين ظواهر الأشياء فقط، لا علاقة لها في بنية الشّيء ذاته، وهذان الثّنائيان، يتعاقبان في حركتهما، لا يلتقيان معاً بصُورة كُلِّيَّة، وإنَّما يلتقيان بنقطة تكون هي نهاية الأول، وبداية الثّاني، وهكذا دواليك، مثل: اللّيل والنّهار، السّاخن والبارد، الفتح والإغلاق..الخ.

نلاحظ أن قانون الثّالث المرفوع، لا ينطبق على هذه المسألة؛ لوُجُود حالة ثالثة للظّواهر، هي بَيْنَ بَيْنَ، فالكتاب لا مفتوح، ولا مغلق، والوقت لا ليل ولا نهار، والماء لا ساخن ولا بارد،وإنَّما هي في مرحلة ثالثة وُسطى، تُمثل نقطة الالتقاء بينهما؛ ليحل الآخر محل الأول، ولكن بصُورة تدريجية متواصلة دون انقطاع، فقانون الثّالث المرفوع إذاً، لا يتناول الظّواهر للأشياء، وإنَّما يتناول الحكم على الأشياء، فعلاقته بقانون التّناقض الفكري، أو الحكم على الأشياء فقط، فالكتاب إما موجود، أو غير موجود، وظهرت العلاقة الثّنائية  الضّدية التّعاقبية، في اللسان العربي؛ كونه مرآة للواقع، فكل الكلمات التي تدل على الظّواهر أخذت صفة الضّدية التّعاقبية، مثل:

(كتب ـ بتك)، (در ـ رد)، (زل ـ لز)، (دس ـ سد)…..الخ.

فهذه الثّنائيات الضّدية، في اللسان هي تعاقبية، وكل واحد منهما قائم في الآخر؛ لأنهما يستمدان وُجُودهما من بعضهما، والحركة بينهما حركة تعاقبية، فكل عملية  (لز) هي (زل) من جهة أخرى، وإلا لا تتحقق حركة (اللّز).

4 – علاقة جدلية ضدية تلاؤمية انسجامية تعايشية، بين الزّوجين من جنس واحد:

وهذه العلاقة تكون بين اثنين مختلفين من حيث النّوع، نحو: الذّكر والأنثى،  الموجب والسّالب، وظهرت هذه النّاحية في اللسان، في الكلمات التي تدل على التّلاؤم والتّفاعل، الذي ينتج عنه التّعايش والفاعلية.

وهناك مسألة ينبغي التّنبه لها، هي وُجُود كلمات في اللسان العربي، يصح أن تقرأها من الوجهين دون أن يتغير اللّفظ، ولا المعنى، نحو: ليل، باب، قاق، دود، كوك، صوص، توت، بوب.

ومرد ذلك، راجع إلى أن هذه الكلمات، تدل على ظاهرة فيزيائية معينة، كون عملية ظهورها هي ذات عملية ذهابها، بصُورة لازمة، نحو: ظاهرة قدوم اللّيل، وذهابه.

ل: حركة بطيئة متصلة لازمة.

ي: جهد خفيف ممتد.

ل: حركة بطيئة متصلة لازمة.

لاحظ دلالة أصوات الأحرف التي تألفت منها كلمة (ليل) في الواقع، وكيف أن صفة مجيء اللّيل، هي ذاتها صفة ذهابه، وكذلك دلالة كلمة (باب) فصفة إغلاقه، هي ذاتها صفة فتحه مع الاختلاف في الاتِّجاه.

و يوجد مسألة أخرى في اللسان العربي -كظاهرة لسانية – وهي صفة وُجُود صُورتين متضادتين -في الواقع – للفظة واحدة، مع العلم أن كل كلمة، لها دلالة واحدة فقط، ولكن يمكن أن تكون هذه  الدّلالة  اللسانية متحققة، في الواقع بصُورتين، نحو كلمة : عبد، خفي، وراء، قسط…الخ.

وفي فلسفة الإنسان، وتفاعله مع الواقع، وصل إلى قاعدةٍ أنه لابد لكل فعل من فاعل ضرورة، وكل بداية لها نهاية ومآل، فظهر ذلك في اللسان العربي مُباشرة، فكل فعل في الجملة لابد له من فاعل؛ وجوباً، إما ظاهراً، أو مستتراً، وكذلك كل مبتدأ لابُدَّ له من خبر؛ وجوباً، وفي الواقع لا يُوجد ظاهرتان لهما نفس الوظيفة، فكل ظاهرة لها وظيفة، فانعكس ذلك في اللسان العربي تحت مقولة: 

(إذا اختلف المبنى اختلف المعنى ضرورة، وأي زيادة في المبنى على صعيد الكلمة، أو الجملة، أو تغيير من تقديم، أو تأخير يؤثر في المعنى ).

وفي الواقع، هناك ظاهرة ترادف مجموعة من الأشياء المترابطة، مع بعضها ضمن منظومة واحدة، نحو منظومة الشّمس، والكواكب الأحد عشر، فانعكس ذلك في اللسان العربي، وظهر نظام المنظومات، تحت اسم التّرادف، الذي يدل على علاقة الكلمات المختلفة لفظاً، والمتداخلة دلالاتها مع بعضها، في أشياء، والمختلفة في أشياء أخرى، حسب حركة الأحرف، ونهاية الكلمة.

لذا، فلا يمكن فصل الجزء على حدة، ودراسته بصُورة منفردة، ومن هذا الوجه كانت الكلمة في اللسان العربي، لا تظهر دلالتها الثقافية إلاّ إذا وضعناها في جملة؛ لأنَّ الكلمة وحدها لها دلالة فيزيائية فقط، أو عقلية، ولا يمكن فهم المقصود منها، إلا إذا أُسقطت على صُورة عند المخاطب، ومن هذا الوجه كان لكل مجتمع استخدامات للكلمات، بصُور مُرتبطة في زمانهم ثقافياً وعلمياً.