سؤال عن تدبر نص قرءاني{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }الزخرف81
الخطاب القرءاني منظومة واحدة ويفهم الجزء وفق الكل ضمن منظومته التي ينتمي إليها، ولايصح فهم أي نص بمعزل عن المنظومة مثل( فويل للمصلين).
النص الذي سألت عنه {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }الزخرف81، ينتمي إلى منظومة الوحدانية لله ، وهذا يعني أن نتدبر النص وفق المنظومة ونفهمه على ضوئها، وهذا العمل هو أحد أهم قواعد منهج دراسة القرءان.
منظومة الوحدانية لله -كما تعلم- تقوم على سورة الإخلاص:( قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد). وأي موضوع يتعلق بالله يفهم على ضوئها.
وبناء على ذلك نستبعد أي مفهوم ينقض هذه المنظومة ولاينسجم معها، ونحاول أن ندرس النص الجزئي وفق أوجهه اللسانية، فإن وصلنا فبها ونعمت، وإن لم نصل نترك دراسة النص الجزئي للزمن والتطور المعرفي و الأدواتي والرقي العلمي، ونتمسك ونفعل المنظومة فهي مفهوم كلي ثابت.
لذا؛ أول عمل نقوم به هو استبعاد التعددية لله بأي صورة كانت ، واستبعاد مفهوم الولادة لله منه أو له ، وكذلك استبعاد اتخاذ الصاحبة أو الابن، غير نفي التجزء أو التبعيض عن الله أو الحلول أو الاتحاد بخلقه، ونثبت أنه ليس كمثله شيء ولم يكن له كفؤاً أحد، وهو على كل شيء قدير وبكل شيء عليم .
من خلال هذه المفاهيم ننظر للنص المعني بالدراسة
{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }الزخرف81
النص استخدم كلمة (ولد) وهي تعني الولادة، ومفهوم الولادة لله مستحيل حصوله لتناقضه مع مقومات أحدية الله وصمديته، واستخدم كلمة (العابدين) دون تحديد معنى لها ، وهذا يدل على بقائها على عمومها لسانياً .
كلمة العبادة من عبد وتدل لسانياً على العمق المتجمع باستقرار المنتهي بدفع شديد، وهي من كلمات التضاد من حيث المعنى وظهر ذلك في الواقع بصورتين : الشدة ، والضعف، ويمثل الشدة الكفر لأنه موقف تمردي وعصيان، ويمثل موقف الضعف الإيمان لأنه موقف خضوع وطاعة، ومن ذلك ظهر كلمة عبد الرحمن وعبد الشيطان.
اقرأ مقاييس اللغة لابن فارس
عبد :العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كأنَّهما متضادَّان، و[الأول] من ذينك الأصلينِ يدلُّ على لِين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ
فحين مجيء كلمة العبادة في نص تفهم حسب السياق ومحل الخطاب، مثلاً نص: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56، أتت كلمة العبادة عامة دون تحديد لمعنى معين من الاثنين، وهذا يعني أن تبقى على عمومها مع بعض، ويصير النص ماخلقت الجن والإنس إلا ليمارسوا الكفر أو الإيمان بالمستوى ذاته من الحرية والاختيار.
بينما نص {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }طه14، من خلال السياق أتت كلمة العبادة بمعنى الطاعة و الإيمان بالله.
وبناء على هذه التوطئة ندرس النص المعني بالسؤال: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ }الزخرف81، الرحمن ماينبغي أن يتخذ ولداً لأن ذلك ينقض مفهوم الإلوهية، ويجعله متصفا بصفات الخلق من حيث العجز والمحدودية والقصور، ولذلك قال بنص آخر: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً }مريم92، فيعلم الله نبيه أن يتحدى بعلمه وإيمانه ومفاهيمه الثابتة كل مفهوم كفري باطل، فقال له : قل لو كان للرحمن ولداً فأنا أول الكافرين بهذا الإله الذي يتخذ الولد لأنه حقيقة ليس بإله وهو مخادع ومدعي الإلوهية .
اضف تعليقا