أهل السنة والجماعة مصطلح سياسي تاريخي

لم يكن لمفهوم )أهل السنة والجماعة( في المجتمع الأول الذي عاصر النبي  أي معنى، وإنما كان المتداول مفهوم السنة فقط، ويقصد بها طريقة النبي  في تفاعله مع القرآن، ويقابلها البدعة،التي تدل على الأمر  المستحدث في الدين الذي يخالف سنة النبي ، وكل المسلمين بعد وفاة النبي يتمسكون بسنته ويحترمونها رغم وجود اختلاف بينهم في فقههم في بعض المسائل؛ حتى الخوارج الذين خرجوا على الإمام علي لم يخرجوا على سنة النبي ، وإنما تمسكوا بها مثلهم مثل أي مسلم آخر، وسُمّوا خوارجاً لأنهم خرجوا على سلطة علي سياسياً، فهم معارضة سياسية أوجدت لنفسها نظرة معينة في السلطة وحاولت دعمها ثقافياً من القرآن لتُعطي مشروعية لخروجها، ولم يكن موضوع سنة النبي  محل اختلاف أو نقاش، وعندما قُتل علي ظهر مجموعات من المسلمين تدعو كل واحدة منهم إلى أحقيتها في السلطة، وكان الدافع لمعظمهم امتلاك كرسي السلطة؛ ابتداء من الخوارج إلى عبد الله بن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان، واستغلت جماعة مُغرضة هذا الاضطراب في الأمة المسلمة، واخترعت مفهوم أهل البيت، ونشرت مفهوم أحقّية السلطة لهم فقط من دون الناس، وأسّست لهذه الثقافة، وتم اختراع نصوص نبوية وتَقويل نصوص قرآنية، وتحميلها ما لا يَحتمل النص، وكل ذلك للوصول إلى كرسي السلطة وتقويض المجتمع الإسلامي، واستطاعوا أن يُقنعوا الحسن بن علي  بالخروج والمطالبة بالسلطة لنفسه، وجرى ما جرى من أحداث معروفة في التاريخ، حيث خذله معظم أنصاره، وفطن الحسن  لهذا الأمر فقام بالتنازل عن السلطة لمعاوية حقناً للدماء، وتفادياً لخسارة سوف تصيبه لا محالة(1)، وسُمي هذا العام بعام الجماعة(2) رغم وجود الفرق المعارضة لسلطة معاوية!.

وبعد موت الحسن التفَّ أنصار أهل البيت وشيعتهم على الحسين بن علي وشجعوه على الخروج على السلطة والدعوة لنفسه حاكماً، ووعده أهل العراق بالحماية والنصرة، ولكن الذي حصل أنهم خذلوه وباعوه، ومنعوه من دخول الكوفة بعد أن دعوه إليها؛ مما أدى إلى قتله ومن معه عن بكرة أبيهم في كربلاء، وحزن المسلمون عليه كثيراً لتورطه بهذه المؤامرة؛ حتى قيل: إن الذي قتله هم الذين شجّعوه على طلب السلطة، وأقنعوه بالخروج وهم يعلمون ضعفهم وقُوة  الأمويين.

وبعد ذلك الحدث المشين استمرت المعارضة المتمثلة بإتباع أهل البيت رغم أنهم خذلوهم!، وقوي مصطلح شيعة أهل البيت، ونزلت إلى السراديب تعمل على حشد الناس من خلال استغلال مفهوم أهل البيت، واستمرت بتأسيس ثقافة تدعم حقهم السياسي في استلام كرسي السلطة.

وظهرت عشرات النصوص التي أسندوها إلى النبي  كذباً وزوراً لدعم ثقافتهم، مما أدى كرد فعل من الأمويين إلى اختراع عشرات النصوص وأسندوها إلى النبي  افتراء وزوراً لحماية حقهم في كرسي السلطة، وفشا الكذب في الحديث على لسان النبي  من قبل كل  مجموعة  تريد  السلطة، وظهر مصطلح  أهل  السنة مقابل مصطلح أهل البيت، وانضم إلى مصطلح الجماعة، ليصير أهل السنة والجماعة(1) مقابل شيعة أهل البيت، واختُصر في الاستخدام مع الزمن بعد القضاء على الأمويين إلى مصطلح سنة وشيعة فقط، وأحياناً يُقَيِّدون مفهوم أهل السنة والجماعة بالأشعرية أوالماتريدية أوكلاهما(2) لإخراج المعتزلة وغيرهم من شمولهم بالمفهوم، وأحياناً بأتباع الإمام أحمد بن حنبل الذي أطلقوا عليه إمام أهل السنة والجماعة(3)، وبذلك يكون المفهوم قد غلب عليه الناحية الثقافية، وتقلّص الجانب السياسي، ولا علاقة لذلك بمفهوم سنة النبي  لا من قريب ولا من بعيد.

وتم القضاء على دولة عبد الله بن الزبير التي بسطت نفوذها على العراق والحجاز و مصر لعدة سنوات، واستتب الأمر سياسياً للأمويين فقط، ولم يكن لدولة عبد الله بن الزبير أي ثقافة خاصة بها، فكانت حركته ظاهرة سياسية صريحة في طلب السلطة، ولم يُكتب لها الاستمرار مثلها مثل الخوارج على علي بن أبي طالب.

إذن لم يبق جماعة قوية في الساحة السياسية إلا الأمويّون وهم أصحاب السلطة، وأخذوا اسم أهل السنة والجماعة، بينما المعارضة لهم أخذوا اسم الشيعة.

واستمر الصراع بينهما ثقافياً، وسياسياً، وتمّ ملاحقة الشيعة واعتقالهم في السجون، وورّط الشيعة معهم رجال من أهل بيت النبوة، بل وكَذَبوا على لسانهم لدعم معارضتهم فطالهم الأذى، وذلك لأن الحاكم يعمل أي شيء للحفاظ على كرسي السلطة فهو أشبه بنار مستعرة تحرق كل من تُسوّل له نفسه بالاقتراب منه.

فمصطلح الشيعة مفهوم سياسي ثقافي تاريخي خاص بالمعارضة ضد الأمويين ابتداء، واستمر بعدهم إلى العباسيين لأنهم استخدموا المعارضة الشيعية للإطاحة بالأمويين، وخذلوهم بعد ذلك، وكذلك مصطلح أهل السنة والجماعة فهو مفهوم سياسي ثقافي تاريخي خاص بالأمويين ابتداء، واستخدمه العباسيون ثقافياً فيما بعد لضرب الشيعة.

المهم؛ أن مصطلح السنة والشيعة مصطلحان سياسيان تاريخيان يدلان على صراع على السلطة في حقبة زمانية معينة، الشيعة مَثّلت المعارضة، وأهل السنة والجماعة مَثّلت السلطة الحاكمة حينئذ وهي الأمويين.

ولكن؛ الذي حصل أن هذين المصطلحان انسلخا من سبب ولادتهما السياسي التاريخي، واستمرا بعد انتهاء الحدث نتيجة غفلة المسلمين، ومؤامرة بعض الوافدين إلى الثقافة الإسلامية داخلياً، ومكر الأعداء خارجياً الذين لهم مصلحة في شرذمة الأمة وزرع فيها بذرة الشقاق والعداء، واقتنع الشيعة أن هؤلاء المسلمين المعاصرين هم امتداد للأمويين!، وبالتالي هم المسؤولون عن إرهاب الأمويين، ومقتل الحسين ، وخَدعت المسلمين بأن جعلتهم يحافظون على اسم أهل السنة والجماعة، ويطلقونه على أنفسهم دون معرفة بتاريخية هذا الاسم أو دَمويّته، مما أدى إلى أن يصيروا هدفاً للشيعة الحالية الذين يعيشون مأساة تاريخية!، واستمرت بنفخ النار في ثقافة الشيعة من خلال إقامة مجالس العويل، واللطم، والرثاء، والنواح، والتطبير وصارت في الآونة الأخيرة تجسد تمثيلاً أحداث مقتل الحسين  وفاطمة وغيرها لتجييش الشيعة وتحقنهم بالكراهية لأهل السنة وتربطهم بالمأساة صوت و صورة ، واخترعت عشرات المفاهيم التي ترسخ الاختلاف والفرقة مع الثقافة الأخرى؛ التي حافظت على مفهوم أهل السنة والجماعة، ابتداء من اتهام أهل السنة بتحريف القرآن بمعطيات تاريخية مُعينة أدت إلى تغييب بعض النصوص التي تنص على إمامة علي ، مما أدى إلى رجوع التهمة إلى الشيعة أيضاً نتيجة اعتقادهم بتحريف النص القرآني، ليصير كلاهما متهمين بتحريف النص القرآني، وبالتالي يصير النص القرآني في الأمة الإسلامية نص محرف ومشكوك بصوابه داخلياً في ثقافة المسلمين بشهادة أكبر فرقتين من خلال الاتهام لبعضهما البعض، ونجحوا بذلك أيضاً، إضافة إلى مفاهيم أخرى أهمها جعل الحديث النبوي مصدراً تشريعياً وله صفة الوحي الإلهي عند الطرفين، مع العلم أن كل طرف له مصدره الحديثي الخاص به، إضافة إلى مفهوم الإمامة والعصمة، وبذلك كرّسوا الشقاق والحقد بينهما إلى غير رجعة، وما دعوات التقارب بينهما في الحقيقة إلاّ تأجيج لنار الحقد والكراهية من جديد!.

وصار الأمر بين المسلمين مثل ملك ظالم أتى بأخوين لا يعرفان بعضهما، ووسوس لكل منهما مستغلاً جهله وبساطته أن عدوه هو الآخر، وأسقط عليه مخاوفه ومطامعه، وألبس كل منهما قناع حديدي يمنعهما من التحدث مع بعضهما أو التعرف على وجه الآخر، وضرب أحدهما غيلة وأشار إلى الآخر على أساس أنه الفاعل، فقام الأخ المضروب غاضباً في الاعتداء على أخيه ظناً منه أنه العدو، وبادله أخوه بالعدوان ظناً منه أنه عدو يريد أن يقتله، واستمر العدوان بينهما، ويقوم الملك بتزكية العدوان بنشر الكذب والافتراء عليهما، وأن كل واحد منهما هو عدو للآخر.

ولو سألت أحد ممن ينتمون إلى مصطلح أهل السنة والجماعة، ماذا يعني لك هذا الانتماء؟ لسارع بالجواب: إنه انتماء إلى سنة النبي.

ولو سألت شيعياً: ماذا يعني لك السني حالياً؟ لأجاب إنه امتداد للأمويين وإرهابهم.

ولو سألت السني: ماذا يعني لك مصطلح الشيعة؟ لأجاب إنهم من يتبعون أهل بيت النبوة ولهم عقائد خاصة بذلك، ولأجاب بعضهم إنهم الذين يرفضون سنة النبي، هكذا قيل له (أرفاض).

الملاحظ أن الشيعي مازال متمسكاً بمفهوم تاريخي لمصطلح الشيعة والسنة، ويعيش التاريخ في الحاضر، ويطالب بالثأر لمقتل الحسين ، ولكن من الناس الحاليين المعاصرين الذين لا علاقة لهم بإرهاب بني أمية، ولا يعدّون أنفسهم امتداد لهم، رغم أنهم يستخدمون مصطلح أهل السنة والجماعة استخدام ثقافي فقط، ويغفلون عن تلويث هذا المصطلح سياسياً وتورطه بإرهاب بني أمية.

لذا؛ ينبغي على شيعة اليوم أن يستيقظوا من غفلتهم، ويخرجوا من التاريخ إلى الزمن المعاصر، ويُوقفوا هذه المعركة التاريخية التي يمثلونها حالياً في غير مكانها وزمانها ورجالها، ويُوقفوا المطالبة بالثأر لدم الحسين ، والرغبة بالانتقام من الأمويين لممارستهم الإرهاب السياسي حينئذ!.

وينبغي على من ينتمي إلى أهل السنة والجماعة أن يعلم أن هذا المفهوم (أهل السنة والجماعة) مستهدف سياسياً وثقافياً من قبل الشيعة لتلوثه بالدم والإرهاب تاريخياً، ولا علاقة له بمفهوم سنة النبي أبداً، لأن سنة النبي محترمة عند الجميع وليست هي محل النقاش أو الاختلاف.

والحل؛ توقيف هذه المهزلة التاريخية من قبل الطرفين، الطرف الأول يتخلى عن تقمص دور المعارضة للأمويين باسم الشيعة، والطرف الثاني يترك استخدام مصطلح أهل السنة والجماعة الذي يدل على السلطة الأموية الحاكمة، فكلاهما في ذمة التاريخ، ونحن الآن لسنا أمويين (أهل السنة والجماعة)، ولا معارضين لهم (الشيعة)، وإنما مسلمون فقط، وحيث كان الحق والعدل نكون، ولكل زمن دولة ورجال.

(1) تاريخ اليعقوبي ج2 ص 354. نقلاً عن  تاريخ الإسلام. د. حسن إبراهيم حسن ج1 ص 278.

المسعودي: مروج الذهب ج2 ص 36. نقلاً عن تاريخ الإسلام د. حسن إبراهيم حسن ج1 ص 278(2)