الذي يخاف من الجن يظهر له

منذ أكثر من ثلاثين عام كنت أؤمن بوجود كائن جني شبحي غير الإنسان مما هو معروف في التراث الإنساني قاطبة فهو مفهوم تراثي إنساني بامتياز وليس خاصاً بقوم دون آخرين ، فلكل قوم عالم جني شبحي وقصص يؤلفونها عنهم، وكنت كثير الجلوس وحدي في المنزل للكتابة و القراءة مساء وأسهر معظم الليل، وتعرفون من يؤمن بشيء ويهدس به يجسده دماغه له ويفسر كل حركة وصوت أو خيال أو ظل على أنه كائن جني ظهر واختفى ، ورغم اني لاأفكر بالموضوع ولكن الفكر الكامن في داخلي أقوى مني ويطفو على سطح التخيل والتصور ويفرض ذاته وتصير عيني تلتفت خلسة هل رأيت شيئاً مر من الغرفة أو نظر لي واختفى ، ويستمر الإنفعال النفسي اللاواعي الكامن ويؤثر على جسمي حتى يقف شعر يدي وتتسارع دقات قلبي وانتظر ظهور الكائن الجني الشبحي علي ، وأصاب بشلل فكري كامل لاأستطيع الكتابة وانتظر في نفسي ظهور هذا الكائن علي وأعد نفسي حتى لاأنهار وأخاف منه في حال ظهر ، وهكذا يمضي الليل وأنا بهذه الحالة .

وتكرر الأمر كثيراً معي غصب عني ، إلى أن بدأت بدراسة مفهوم الجن في القرءان ووصلت إلى أنه مفهوم وصفي وليس اسم جنس لمخلوق آخر غير الإنسان ولايوجد كائن جني شبحي مقابل الإنسان ومن غير جنسه فمحوت المفهوم الجني من نفسي محواً، وعندما تزوجت ورزقني الله أولادا ً وحملوا هذا المفهوم من المجتمع قمت بنزعه نزعاً من نفوسهم كما نزعته من قلب زوجتي التي كانت تؤمن به بشدة وتخاف أن تسير بالمنزل وحدها ليلاً من غرفة إلى أخرى !! وصرنا نترك الاولاد الصغار وحدهم دون خوف عليهم من الجن الشبحي وهم صاروا لايخافون عند سماع أصوات تصدر من هنا وهناك نتيجة السكن الطابقي ويبعدون عن ذهنهم أي تخيل أو تصور عن الجن لأني قلت لهم عالم الجني الشبحي هو كاسبر في فلم كرتون فقط ولاحقيقة له خارج التلفاز.

واستطعنا أن نعيش كأسرة دون الإيمان بالجن الشبحي وما يترتب عليه من خرافات واسترحنا كثيراً في نفوسنا وتصالحنا مع الواقع وصرنا نجابه الأحداث وجهاً لوجه ونحاول أن نعرف أو نرد كل حدث لسببه ، وبالحد الأدنى عندما لانعرف نقول : لابد له من سبب لحصوله وليس هو الكائن الجني الشبحي ، وكبرت أسرتي على هذا المفهوم وارتاحت أنفسهم واطمأنت ولم يعودوا يخافون من الظلام أو العفريت أو الجن، لأنهم أخرجوه من أنفسهم .