مفهوم القدر الإلهي والقدر الاجتماعي
تحياتي أستاذ سامر
قرأت لك في أحد التعليقات قولك:
إن الإنسان يستطيع أن يدفع عنه قَدَرَ الفقر بقَدَر الغنى، من خلال الأَخْذ بوسائل الغنى نحو العمل والجدّ والتخطيط والطموح والصبر لتحقيق الهدف، وهكذا قَدَر المرض، وقَدَر عدم العلم والمعرفة، وقَدَر الضعف الاجتماعي…. الخ، يقوم الإنسان بدَفعها بأقدار الخير؛ للوصول إلى النتائج الإيجابية، ومن ذلك قيل: ندفع أقدار الحقّ بالحقّ، للوصول إلى الحقّ.
ج- تحياتي لك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سؤالي الأول:
إذا كان الإنسان لا يملك وسائل الغنى ولا يستطيع الأخذ بها نحو العمل كأن يكون مريضاً عاجزا فقيراً ولا يملك المال لفعل شيء ولا توجد جهة تقدم له المساعدة . فماذا يفعل هذا الإنسان؟ علماً بأنه دعا الله ولم يحل له ربه مشكلته؟ ولماذا يصبر ولا أمل له في الحل ؟ فهل ينطبق معنى المضطر على حالته هذه ؟ وإذا كان ينطبق فلماذا لم يستجب الله له مع أن الله يستجيب حتى لغير المؤمن ؟ ” أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء”
وأنت تقول دفع قدر الله بقدر الله . وهو لا يملك وسائل قدر الله الإيجابي ليدفع به قدر الله السلبي. فماذا يفعل هذا الإنسان.
جواب السؤال الأول
ينبغي أن نفرق بين قدر الله، وقدر المجتمع الذي نعيش فيه، فأقدار الله تدفع بأقداره كما هو ملاحظ وذلك مرتهن بالعلم والتطور فكلما زاد الإنسان كجنس علماً استطاع أن يمتطي أقدار الحق بالحق للحق ويروضها ويدفعها نحو الخير والمصلحة له، وذلك مثل فيضان نهر أو سيول مياه أمطار قد تجرف قرية بكاملها إن تركت على ماهي عليه دون تدخل من الإنسان، وممكن أن يتدخل الإنسان ويصنع لها قنوات ومجاري تحولها عن مجرى القرية ، بل وممكن أن يستفيد منها ومن قوتها الجارفة.
أما أقدار المجتمع وقصدت القوانين التي تحكم المجتمع من قبل السلطة الجائرة الغاشمة المستبدة المستعبدة للناس وما يترتب عليها في الواقع من ظلم وفقر وإجحاف وحرمان ، فهي أمر آخر لا علاقة لقدر الله الكوني بها ، وهذا القدر الاجتماعي هو من صنع الإنسان كمجتمع وتغييره مرتهن به كمجتمع، وإن لم يغير ما بنفسه نحو الخير والصلاح فسوف يغيره الله بطريقته، ولكن تغيير الله كارثي وتدميري مثل تغيير دولة العراق أو دولة الشاه أو ما يجري في معظم المجتمعات العربية حاليا باسم الثورات.
فإما أن يغير الإنسان كمجتمع ما بنفسه ويأخذ زمام المبادرة ويوجه القدر الاجتماعي نحو الصلاح والخير والنفع للناس ، أو تغيير الله الكارثي التدميري وهو طويل الأمد ويأتي بعد عقود من الزمن والأبناء تدفع ثمن ذل آبائها وجهلهم وتخلفهم في حال لم يغيروا ذلك ويوقفوا الانحدار والهبوط والتخلف.
والإنسان كفرد الذي يعيش في مجتمع ظالم متخلف يصيبه قدر هذا المجتمع ويمارس عليه الحرمان والتجاهل لحقوقه ، فدعاء الله متعلق بقدر الله وليس بقدر المجتمع، فقدر المجتمع متعلق بفعل الإنسان نفسه وهو المعني بتغييره
ودعاء الله ليس سبباً ولا هو قطعي الإجابة من قبل الله، لأن الأمر هو دعاء من قبل الإنسان والأمر مرتهن بمشيئة الله وهو غير ملزم بالإجابة ، ولايتلقى أوامر من قبل عباده أو يعمل عندهم وتحت رغباتهم، وإجابة الدعاء من قبل الله هو منة منه وكرم وعفو مغفرة ، فإن شاء استجاب وإن شاء لم يستجب.( والآيات الأخرى المتعلقة بالدعاء المعروفة لها بحث خاص ليس مكانها هذا ولكن ليس مفهومها كما هو شائع بين عامة الناس)
وعلى الإنسان كفرد أن يدرك فلسفة وجوده في الحياة الدنيا من خلال عملية فكرية والوصول إلى حل للأجوبة الثلاثة (كيف ، لماذا، أين) عندها يدرك إن الحياة والموت هو ابتلاء له في اختيار العمل الأحسن للناس والبلاد{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2 ، وإن الموت ليس نهاية لحياته وإنما هو بداية لحياة جديدة رسم معالمها في الحياة الدنيا ، والحياة الدنيا قائمة على قانون الثنائية الجدلية الخير والشر ،{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35 ، فوجودنا بالحياة الدنيا امتحان وابتلاء لنا فهي ليست دار البقاء أو الاستقرار لنا، فهي بمثابة قاعة امتحان، فكيف لإنسان أن يتذمر أو يفكر بالانتحار للخلاص من الامتحان؟ وهو سوف يخلص بطبيعة الحال لأن الموت حق وهو قادم فلا تطلبه لأنه يطلبك، فينبغي أن يصبر ويفكر كيف يمكن أن يكون إيجابياً في امتحانه ما استطاع لذلك سبيلا ، ولا يختار موقف الجبان والأنانية و يقرر الانسحاب من الامتحان وترك مسؤولية نفسه أو أسرته على غيره ، وسوف يعوضه الله عن حرمانه وما أصابه خيراً كثيراً ، والمسألة مسألة وقت ليس أكثر، وكل من حولنا سوف يموت لا فرق بين غني أو فقير ، ولا فرق بين مريض أو معافى ….، لذلك قال النبي محمد عليه السلام: عجبت لأمر المؤمن كله خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، فهو يتقلب بين مقام الشكر لله، ومقام الحمد لله ..
وعلى الإنسان أن يكتشف ما عنده من قوى ونِعم منحها الله له وليقم بتفعيلها، وعلى رأس هذه النعم العقل فهو منحة عظيمة ويستطيع الإنسان الآن بسبب التطور العلمي والأدواتي أن يفعل الأعاجيب دون استخدام أطرافه أو جسمه كله
انهض بنفسك واستكمل فضائلها …..فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
اضف تعليقا