هل حمل النبي نوح في فلكه بهائم أم بشر فقط
{فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ }المؤمنون27
{حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ }هود40
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }القمر13
نلاحظ إن الذين ركبوا مع النبي النوح ثلاثة عناصر وهم:
– مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ .
– وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ.
– وَمَنْ آمَنَ ومَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
كلمة زوج تطلق على الواحد الذي له مثيل من جنسه مختلف عنه في النوع يشكلان مع بعضهما توليفة وانسجام وتكامل وظيفي، {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ }البقرة35 مثل الذكر و الأنثى فهما زوجين ،لنقرأ كيف أتى استخدام كلمة الزوجين في القرءان:
الزوجين الذكر والأنثى{وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى }النجم45
الأزواج كلها عموماً دون استثناء {وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا }الزخرف12
زوجين من الثمرات {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الرعد3
زوجين من الحيوانات {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }الأنعام143
وعندما تأت كلمة الزوجين عامة دون تحديد بالنص تفهم حسب السياق ومحل الخطاب فهو قرينة على مفهومها هل يبقى على عموم الخلق للأزواج كلها أم يحدد بجنس من النبات أم من الحيوان أم من الإنسان.
وفي النص المعني بالدراسة محور الحدث هو نجاة الناس من الغرق من خلال حملهم على ألواح ودسر وهي مركب بدائي اسمه طَوف مصنوع من خلال رص وضم جذوع الشجر المشروح طولياً لبعضه ليشكل سطح مستوي وربط جذوع الشجر بواسطة الدسر وهي ألياف نباتية، ولم يكن علم صنع المراكب بالشكل الحالي كسفينة حينئذ معلوم، وهذا يدل على أن إمكانية الحمل محدودة ولا يمكن أن يُحمل أي حيوانات على هذا الطَوف مع البشر، والأولوية لتحميل البشر وإنقاذهم وهذا قرينة قوية على نفي وجود الحيوانات في عملية الإنقاذ، وخاصة نفي ذكرهم في النص صراحة مما يؤكد أن كلمة الزوجين في النص متعلقة بالبشر وليس بالحيوانات.
وعندما أتت كلمة اثنين بعد الزوجين دل على أن المطلوب هو أربع أزواج بمعنى أربع عناصر مختلفة بالنوع ولكن يوجد علاقة زوجية بينهما ، يعني صار رجلين وامرأتين المجموع هو زوجين اثنين، وفي الواقع هو اختيار من كل جماعة من قوم النبي نوح الذين لم يؤمنوا معه ولم يعادوه ويصيروا كفاراً ظالمين زوجين اثنين بمعنى أربع أشخاص( ذكرين وأنثيين) من كل جماعة، وليس المطلوب أربع عناصر فقط، لنقرأ: { وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ }الرعد3، لا يعني أن الله خلق أربع عناصر زوجية من الثمار فقط، وإنما يعني أن الله خلق من كل جنس من الثمار زوجين اثنين بمعنى نوعين مؤلفين من زوجين والحاصل هو أربع أزواج كعناصر في النوع الواحد.
هذا احتمال؛ والآخر هو أن كلمة زوجين(الرجل والمرأة) تعني الأسرة في الواقع، والمطلوب هو اثنين من كل أسرة بصرف النظر عن نوعهما، فالعنصر الأول انتقائي لأنهم لم يؤمنوا بالنبي نوح أصلاً فليس لهم أولوية ولا تحديد وهم من عامة القوم الذين لم يحاربوا النبي نوح وإنما اكتفوا بالحضور السلبي ولم يتحولوا لكفار معادين فطلب الله منه اختيار من كل زوجين اثنين وفق المعنى الذي ذكرته آنفاً، ولا علاقة للبهائم في النص قط ، فهي عنصر مقحم إقحاماً بالحدث نتيجة التأثر بتفسير اليهود لقصة طوفان النبي نوح.
وهذا تدبر منطقي واقعي بما يتناسب مع الفلك المصنوعة من ألواح ودسر التي لا تكاد تكفي الناس حتى يحمل معهم البهائم أي كان نوعهم ولو كانت الحيوانات المدجنة، فالنص لم يذكر البهائم قط وليس هم محلاً للنجاة.
ولاشك أن الطوفان كان محلياً لم يتجاوز أرض قوم النبي نوح لنقرأ: {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً }الفرقان37.
{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }نوح26
وكلمة الأرض في القرءان تأت بمعنى الكوكب الأرضي كله وربما غيره مما لا نعلم ، وتأت بمعنى جزء من الأرض غير محدد والسياق هو الذي يحدد المعنى.
مثلاً: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً }النساء97
الاستضعاف لهم كان في جزء من الأرض ، ويوجد أرض أخرى متاح للعيش فيها بحرية وكرامة ينبغي الهجرة لها.
وكون العقوبة خاصة لقوم النبي نوح فمن الطبيعي أن يكون الطوفان خاص بأرضهم والغرق لهم فقط ، وهذا مقتضى الحكمة والرحمة الإلهية ، ودعاء النبي نوح على قومه الكافرين وأن لا ينجو منهم أحداً حتى لا يعود لكفره وعدوانه لأنهم أخذوا عدة فرص واستنفذوها كلها وأصروا على الكفر واستكبروا استكبارا.
اضف تعليقا