القوة و السلام والعلاقة بينهما

تحقيق السلام على أرض الواقع يلزمه أمرين اثنين متلازمين  مع بعض:

الأول: ترسيخ  مفهوم السلام كثقافة في المجتمع ومبدأ أصيل في حياتهم وفكرهم.

الثاني: دولة منبثقة من مجتمع السلام لها  قوة سلطوية تحمي السلام وتشرف عليه وترعاه.

سلام ثقافي اجتماعي وقوة سلطوية تحمله وتحميه.

لنقرأ ما ورد في القرءان:

{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }{وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61-60

يأمر المشرع المؤمنين أن يمتلكوا القوة ويعدونها وفق زمانهم وتطورهم بما يضمن لهم إرهاب عدو الله وعدوهم،

وفي حال جنح العدو للسَّلم خوفاً من القوة لأن السلام ليس ثقافة أصيلة في العدو أمر المشرع المؤمنين أن يجنحوا لها، وظن معظم الباحثين أن ضمير (لها) يرجع للسلم كونه أقرب مذكور قبل الضمير حسب عادتهم في الكلام فيما بينهم ، واضطروا أن يعدوا كلمة (السلم) تُذكر وتُؤنث حتى يبرروا فعلهم المشين، والصواب أن الضمير في كلمة (لها) يرجع لكلمة القوة في النص السابق، ولا يوجد قاعدة في عائدية الضمائر إلا الواقع ومعنى النص والسياق وممكن يرجع الضمير لقبل جملتين أو أكثر أو لأول الكلام،  وبهذا الرجوع يتم المعنى في الواقع، ويصير إن جنح العدو للسلم نتيجة الخوف من القوة اجنح للقوة وحافظ عليها ليستمر جنوح العدو للسَّلْم لأن السلام ليس ثقافة في العدو، بل هو خيار ومناورة سياسية، وإن شعر أنكم جنحتم للسلم والدعة والرخاء مال عليكم ميلة واحدة وغدر بكم وضرب بعرض الحائط كل المواثيق والعهود لأن من طبيعته الغدر والمكر والحرب والتدمير والقتل وهذه ثقافته التي يخفيها عنكم، فاجنحوا للقوة دائماً حتى تُكرهوا العدو على الجنوح للسلم ولا يعتدي عليكم .

فأي دعوة للسلام ثقافة دون قوة هي دعوة هوائية في فراغ ، وأي سلطة تتبنى السلام دون حاضنة اجتماعية لها سوف تفشل سريعاً وتجهض القوة بقوة مثلها، لابد من الاثنين معاً والعلاقة جدلية بينهما والأصل هو السلام الثقافي في المجتمع ومنه ينبثق دولة السلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الثالث من المحاضرة التي كان ينبغي إلقائها في المركز الثقافي المصري بمناسبة يوم السلام العالمي21/9/2014