( ولقد آتيناك سبعا ً من المثاني والقرءان العظيم)

{وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }                                                           ( الحجر 87).

لقد ذهب السلف في تفسير هذه الآية إلى عدة مقولات من أشهرها:

1 – أن السبع المثاني هي سورة الفاتحة، وخاصة أنها مؤلفة من سبع آيات.

2 – وذهب آخرون إلى أن السبع المثاني هي سبع سور طويلة ابتدئ بها ترتيب النص القرآني وهي: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الأنعام، الأعراف، الأنفال.

أما في الدراسات المعاصرة فلقد ذهبوا مذهباً مغايراً للسلف في تفسير الآية، فقيل:

إنها إخبار عن وجود سبع نظريات كلية أساسية قام عليها الوجود كله، وللعدد سبعة ميزة خاصة فعدد أيام الأسبوع سبعة، والسموات سبع، والأراضي سبع، وأقل أشهر الحمل سبعة، والفاتحة سبعة آيات، وعدد سور القرآن (114) من مضاعفات العدد سبعة.. إلخ.

وقال الدكتور محمد شحرور(1): إن عدد سبعة في الآية يخبر عن وجود سبعة أشياء قابلة لعملية التثنية بحيث يصبح المجموع أربعة عشر وهي من مضاعفات العدد سبعة ومن عملية تثنية أي (7×2 = 14) وكون القرآن معطوفاً على السبع المثاني مما يدل على أنها ليست من النص القرآني وإنما هي شيء غيره، وليست هي إلا الأحرف التي تمَّ ابتداء مجموعة من السور بها نحو:

(ألم، كهيعص، حم) وهذه الأحرف ليست هي لسانية وإنما هي عبارة عن مقاطع صوتية. ومن ثم قام بجمع الأحرف من بدايات السور وحذف المكرر فوصل إلى أنهم أربعة عشر حرفاً، وقال إن هذه المقاطع الصوتية هي الحد الأدنى لتأسيس أية لسان في العالم وهي الحد الأدنى للتخاطب بين العقلاء.

وقال الدكتور حسني المتعافي: إن السبع المثاني هي تعبير عن أسماء الله التي تأت مثنى وراء بعضهما مثل {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }غافر20، وأن دراسة الاسمين يكون مع بعض وهكذا.

ويوجد مقولات أخرى في تفسير الآية لسنا في صدد سردها جميعاً أو تقويمها وإنما لاحظنا أن القاسم المشترك بينها في التفسير هو انطلاقهم من أن دلالة كلمة (سبعاً) هي للتعداد وبناء على ذلك قاموا بتفسير الآية.

أما نحن فلقد انطلقنا من وجود احتمال أن تكون دلالة كلمة (سبعاً) ليست عدداً.

فقمنا بعملية سبر وتقسيم لمجموعة من الكلمات التي تبدأ بحرف (س، ب) وهي:

1 – سبح: من السعي والحركة، ومن ذلك السباحة وهي العوم في الماء، ومنه قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ }يس 40 فالملاحظ من دلالتها أنها تدل على الحركة والتغير المستمرين الدائمين .

2 – سبق: أصل واحد يدل على التقديم. ويلاحظ في عملية السباق أنها حركة منتهية عند حد معين.

3 – سبر: البحث والتعرف على الشيء من كل جوانبه. ويلاحظ بذلك الحركة المتنقلة والمتكررة.

4 – سبت: أصل واحد يدل على الراحة والسكون. وهذا لا يمكن في واقع الحال إلا بعد حركة وجهد.

5 – سبغ: أصل يدل على تمام الشيء وكماله.

6 – سبل: أصل يدل على إرسال شيء من علو إلى أسفل. نحو قولنا: أسبل الرجل عينيه.

7 – سبك: أصيل يدل على التناهي في إنهاء الشيء. سبك النقود، سبك الحديث.

8 – سبخ: أصل واحد يدل على خفة في الشيء.

9 – سبط: أصل يدل على امتداد الشيء.

10 – سبى: أصل واحد يدل على أخذ شيء من بلد إلى آخر كرهاً. نحو سبي النساء في الحرب. فلاحظنا أن هذه الكلمات مشتركة في خندق واحد من حيث دلالتها على الحركة ويأتي الحرف الأخير ليحدد نوعية الحركة هل هي دائمة نحو كلمة (سبح)؟ أم حركة متوقفة ومنتهية نحو كلمة (سبق)؟ أم متكررة ومتنقلة نحو كلمة (سبر)؟ وبناء على ما وصلنا إليه نأتي لشرح دلالة كلمة (سبع) فالسين والباء إذا اجتمعا يدلان على الحركة الحرة المستقرة جمعاً  ويأتي الحرف الأخير ليحدد اتجاه ونوع الحركة، وفي مسألتنا جاء حرف (العين) في آخر الكلمة وهو يدل على عمق وبُعد فقام بتحديد نوعية الحركة وأنها حركة في عمق الشيء وكونها كذلك فهي في أحد أبعاده موغلة.

أي أن دلالة كلمة (سبع) هي حركة داخلية جوفية تكون طاقة وقوة دافعة لمن هي بداخله بشكل ذاتي لا تنضب أبداً. ومن هذا المنطلق سميت السباع – آكلة اللحوم – سباعاً، كونها تمتلك قوة داخلية ذاتية في الحركة والهجوم على طرائدها وهذه القوة السبعية ملازمة لها لا تنفك عنها أبداً. واستعيرت دلالة الكلمة على كل إنسان حصل على هذه القوة الذاتية الداخلية التي تشكل عنده طاقة ودافعاً للإقدام والاستمرار للحصول على مبتغاه فيقال: فلان سبع.

ونعود لتفسير الآية المعنية:

فالنص يخبر بعملية إيتاء أمرين للنبي من قبل الله عز وجل وهما:

أ – سبعاً من المثاني.

ب – القرآن الكريم.

ولقد حددنا دلالة كلمة (السبع) وأنها لا يُشترط بها دلالة العدد.

أما حرف (من) فمن دلالته التبعيض والتحديد أو البيان والتفسير، وكلمة (المثاني) هي الأصل والمرجع الذي تمَّ فعل الإتيان للسبع منها، فلذا لا يصح القول الشائع (السبع المثاني) بل لابد من الالتزام بالنص القرآني (سبعاً من المثاني) لأن بإسقاط حرف (من) تختلف الدلالة بين القولين تماماً. فماذا تعني كلمة (مثاني)؟

مثاني: من التثنية للشيء. فنقول: ثنى الرجل كمه. إذا ردَّ طرفه على ما قبله.

ونقول في العد: اثنان. لأن الآخر أضيف إلى الأول الذي سبقه. فالتثنية: هي رد الشيء على غيره وتكراره.

قال تعالى : {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } (الزمر 23).

فالنص يخبر أن الله أنزل كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم.

وَمَنْ الذين يخشون ربهم؟ إنهم العلماء :

{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }فاطر 28، إذاً عملية التقشعر للجلود ولين الجلود والقلوب إلى ذكر الله والخشية منه تتم من جراء المثاني التي تدل على التثنية وهي رد المتشابه إلى المحكم والوصول إلى الفهم المطابق للواقع حسب الأدوات المعرفية الممكنة في كل مجتمع عبر الزمان والمكان، وهذه التثنية تدفع العلماء للخشية من الرب بما وصلوا إليه من العلم من جراء إسقاط النص المتشابه على محله من الخطاب (آفاق وأنفس) الذي هو محكم في واقع الحال مع استصحاب الآيات المحكمة من الكتاب كإطار وموجه وضابط وهذه الآيات قد أطلق عليها الله في موضع آخر من الكتاب :

{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ..} (آل عمران 7).

فيصير معنا دلالة {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي }                                                           هي:

أن الله آتى محمداً قوة وحركة ذاتية في داخله تدفعه إلى الدعوة إلى الله وتعليم الناس والصبر على أذاهم، وذلك من المثاني أي من جراء قيام النبي محمد بعملية التثنية للنص القرآني على محله من الخطاب – آفاق وأنفس – فتتولد عنده تلقائياً طاقة محركة تدفعه إلى الخشية من الله، وتعطيه القوة على المضي والاستمرار في دعوته للناس دون توقف، وهذه الطاقة لا تنضب ما دام يقوم بعملية التثنية للنص القرآني الخالد، فإنه سوف يمده بقوة مستمرة، وهذا الأمر ينطبق على كل من يقوم بعمل النبي من العلماء فيحصلون على القوة السبعية ويصيرون سباعاً في مجال الدعوة إلى الله ونشر الخير والسلام والعدل بين الناس وإنذارهم باليوم الآخر لا يخافون في الله لومة لائم ويكونون الشهداء على الناس في كل زمان ومكان وحجة الله على خلقه المستمر إلى يوم الدين .

(1) د. محمد شحرور. الكتاب و القرآن.