نقد قاعدة لا اجتهاد في مورد النص
هذه القاعدة استخدمت كحجر أساس في مادة أصول الفقه، وعُدّت من المسلمات،فما إن يبدأ نقاش أو اختلاف إلا ويُشهرون هذه القاعدة في وجه من يحاول الدراسة والاجتهاد سيفاً مسلطاً على الفكر يقطع عنقه، ويمنع الحرية من أن تمارس في الواقع،ويتم استخدام هذه القاعدة من قبل أصحابها بشكل تدليسي ليغتالوا عقل من يحاول الاجتهاد،ويجعلوه يظهر أمام الناس بموقف ضعيف انهزامي، وأنه تجرأ على مخالفة النص المقدس، وإيجادمفهوم آخر يحل محله، وهذا عمل بالنسبة إليهم على درجة من الخطورة، إذ يعدّونه تشريعاً مع الله، وبالتالي يصير هذا الإنسان مشركاً –الحاكمية -ٍ!
وبالتالي تقوم تلك الفئة بإثارة الرأي الشعبي عليه، وهم من أكثر الناس تأثيراًبه بحكم اتصالهم المباشر معهم وخبرتهم في ذلك, ويقيمون بحبك شبكة من الأفكار وربطها في العقيدة حول التراث حتى يمنعون أية جهة من أن تفهم غير ما هو مطروح في الموروث الثقافي.
وقد نجحوا بذلك نجاحاً منقطع النظير, واغتالوا العقل الحر المبدع منذ قرون مضت، واستمر هذا الاغتيال إلى الوقت الحالي حتى صارت القاعدة: لا اجتهاد في مورد النص، هي من مقومات العقل العربي والإسلامي، فرجال القانون يعدّون هذه القاعدة أصلاًً قانونياً يلتزمون به، ويستخدمونه في مرافعاتهم لكسب المعركة وحسم الجدال بينهم فيشهرون هذه القاعدة في وجه بعضهم ليستمر عملها في قتل وخنق كل فكر حر.
ولنعرض التساؤل التالي: ماذا يقصد رجال القانون بهذا الإشهار؟
وأي نص يقصدون التقيد به وعدم الخروج عنه؟
والجواب عن السؤال هو: إن الإشهار للقاعدة هو للمناورة, وجولة لكسب المعركة وإظهار الخصم في موقف الضعف, موقف الذي يخالف ما هو معلوم بالضرورة، ولو تبادلالفريقان مكانهما لقام كل واحد منهما بالدور ذاته، أي من كان خصماً يُشهر في وجهةقاعدة: لا اجتهاد في مورد النص, نجده يقوم الآن لتغير الظروف والقضية بإشهار هذه القاعدة في وجه خصمه الذي كان يشهرها سابقاً في وجهه، وهكذا دواليك, تُستخدم هذهالقاعدة في القانون بشكل تدليسي وأجوف لكسب المعركة فهي بالنتيجة سلاح يستخدمه الفريقان بحسب موقعهم ومصلحتهما.
أما الجواب عن السؤال الثاني : فهو أن مقصد رجال القانون بكلمة النص هو مادة القانون التي تم وضعها من قبلهم أو من قبل زملائهم وتم تصديقها من جهة معينة بشكل ساذج لعدم علمهم بهذا المجال وبالتالي أخذت الجانب الشرعي المدعوم بالسلطة التنفيذية، إذاً النص القانوني هو نص وضعه رجال القانون، وكون الأمر كذلك ينبغي على أمثالهم أن ينقضوه أو يعدلوه لأنه خرج من أمثالهم ولا تُعطى له صفة القداسة والتعظيم، ولكن الملاحظ لأن النص القانوني له القداسة والتعظيم وصار فوق النقد والنقض، ولحمايته وعدم المساس به اخترعوا قاعدة:لا اجتهاد في مورد النص، فصار رجال القانون مجرد جهاز تنفيذي للقانون الموجود يقومون بتلاوته على الناس ولايحق لأي واحد منهم أن يجتهد لتحقيق المصلحة العامة للناس، فلذا؛ نرى كثيراً من المسائل الموجودة ضد مصلحة الناس بشكل مباشر، ومع ذلك هي مستمرة في الوجود والتطبيق من قبل مجالس القضاء كلها، وأي اعتراض يوجه لهم يتعلق بها يعتذرون ويشهرون قاعدة :لا اجتهاد في مورد النص، ولا نملك صلاحية التعديل أو إيجاد البديل،وبهذا العمل انتفى دور القاضي إذ صار مجرد موظف يتلو مواد القانون واحدة تلو الأخرى حسب ما يعرض عليه من مسائل وهذا عمل يقوم به أبسط الناس ثقافة وعلماً، ولاحاجة لدراسة القانون مدة أربع سنوات ولا حاجة لوجود الخبرة الطويلة في مجال الممارسة حتى يصير الإنسان قاضياً لأن ذلك كله لن يستخدمه ولن ينفعه ولن يسأله أحد عن رأيه أصلاً وإنماالمطلوب منه مجرد تلاوة لمواد القانون دون تدخل منه لا من قريب ولا من بعيد فهو مجرد حافظ لمواد القانون يكررها تلاوة في المناسبات التي وضعت لها.
وكون القانون يستحيل أن يستوعب الحالات المستجدة في الواقع للتطور الدائمفإن القاضي يقف عاجزاً كل العجز أمام حالات كهذه لعدم وجود نص قانوني يتناول هذه الحالة المستجدة ليقوم بتلاوته على مسمع من الناس مما يدفع القاضي إلى الحيرةوالتخبط إزاء هذه الأمور فيضطر إلى عدم الحكم بها ويتركها دون حل وتتراكم هذهالمستجدات دون حل في المجتمع حتى تصيبه بالفساد والهلاك وينتشر الظلم والتعسف والاحتيال،وتظهر الرشوة للحصول على الحق أو لاستمرار الباطل، وذلك كله بعلم مجلس القضاءورضاه ولكنه يتحجج بالقاعدة المذكورة آنفا وأنه ليس له صلاحية الاجتهاد، ويلزم التعديل للقانون اجتماع المجلس الأعلى للقضاء ليقوم بسن مادة قانونية لهذه المشكلة واجتماعالمجلس الأعلى للقضاء لا يمكن أن يُسفر عنأي أمر ما دام مربوطاً بالسلطة التنفيذية ويتلقى الأوامر منها فالقاضي لا علاقة لهبالأمر والمواطن مغلوب على أمره ولن ينعقد المجلس التشريعي من أجله هو وأمثاله وخاصةأن المشكلة قائمة في الواقع لا تنتظر اجتماعات ومؤتمرات وسوف تتفاقم أكثر وأكثر ولن يصدر أمر من السلطة التنفيذية بذلك لأن الأمر في أصله خارج عن اهتمامها واختصاصها، ولا وجود لجهة ما تطالب بذلك وتسلط الضوء عليه نحو مؤسسة الصحافة الحرة التي تمثل الشعب.
فليس للمواطن إلا أن يبلع الموس على الحدين ويغادر مجلس القضاء مظلوماً محكوماً مسلوب الحق بهتانا وأفكاً، وذلك كله يتم من جراء قاعدة :لا اجتهاد في مورد النص، وتابعية سلطة القضاء للسلطة التنفيذية، وهنا تظهر قاعدة أخرى أغرب وأدهى منالأولى ألا وهي: القانون لا يحمي المغفلين، فإذا كان القانون لا يحمي الإنسان الضعيف فاقد الحيلة فمن يحمي القانون؟ لا شك أنه يحمي الأقوياء والأذكياء، وممن يحميهم ؟ إنه يحميهم من الضعفاء فاقدي الحيلة، وبالتالي لن تطولهم يد العدالة،فالقانون إذاً وضع في أصله لتسهيل معاملة الأقوياء فيما بينهم ولحمايتهم من الضعفاء، فالقانون بهذه الحالة لا يطبق إلا على الضعفاء المغلوبين على أمرهم أما الأقوياء فهم فوق القانون بل إنهم هم القانون ذاته، وهذا هو الإجرام بحد ذاته،وهذا هو الفساد الاجتماعي الكبير، وهذا هو الاستعباد للناس؛ لأن الأصل في القانون هو لحماية الضعيف من القوي الظالم، ونصرة المظلوم من المستبد الطاغية.
فالمحور الذي يدور عليه القانون هو حقوق الإنسان لينشر الأمن والأمان والعدل والسلام بين الناس، ويلبي احتياجاتهم ويحقق مصالحهم وينظم ماذا لهم وماذا عليهم، فقاعدة: لا اجتهاد في مورد النص، ليست هي خاصة في أصول الفقه الإسلامي،فكما لاحظنا هي قاعدة أيضاً في العقل القانوني، وهي موجودة أيضاً في العقل المسيحي فلقد قرأت في إحدى المجلات عن خلاف جرى بين مسؤول الكنيسة الأكبر في مصر وأحد رجال الكنيسة حول مصارف أموال الكنيسة فأجاب المسؤول الأكبر إن ذلك منصوص عليه بلائحة نظام الكنيسة الإداري، ولا اجتهاد في مورد النص، وتم حسم الخلاف بإشهار هذه القاعدة.
فمن خلال ما عرضنا من أمثلة وما هو موجود في الواقع يتبين لنا بشكل واضح أن القاعدة المذكورة صارت من مقومات العقل الإنساني غير قابلة للنقاش لأنها هي نص بحدذاتها، وينطبق عليها مدلولها ذاته.
والملاحظ من خلال تحليل استخدام القاعدة عند الفئات المختلفة أن لكل منهم مقصداً بكلمة النص يختلف عن الآخر مما يقتضي لو اجتمعت تلك الفئات لنقاش مسألة فيما بينهم لاختلفوا ضرورة لإشهارهم بوجه بعضهم بعضا قاعدة لا اجتهاد في مورد النص،وكل جهة لها مرجعيتها من النصوص التي تحكمها وتقيد تفكيرها، مما يعني أن هذهالقاعدة موضوعة لحماية العقل الثقافي لكل منهم من عملية التجديد والاجتهاد،وبالتالي تكون القاعدة المذكورة هي لترسيخ الاستبداد الفكري والاستعباد، ولمحاربةالتطور والاجتهاد والابتكار للحفاظ على الوضع حسب ما كان.
وهذا الوضع للقاعدة ينفي عنها الصفة العلمية، لأن الأمر حتى يصير قاعدة للبناء والمرجعية يجب أن يكون صواباً في ذاته،ومحل ثقة وتسليم من قبل الناس.
والذي يهمنا من دراستنا هو رأي علماء أصول الفقه الإسلامي، فقولهم: لااجتهاد في مورد النص، غامض، فيجب تحديد المقصد من كلمة النص عندهم فما هو النص؟
هل هو نص القرءان؟ هل هو نص الحديث النبوي؟ هل هو الإجماع؟
هل هو فهم الصحابة وأهل البيت منهم؟ هل هو النص القطعي الثبوت أم يضاف إليه الظني الثبوت؟
هل هو النص ذو الدلالة القطعية أم يضاف إليه ظني الدلالة؟
وهذه التساؤلات هي صدى لما هو موجود في التراث الإسلامي، وما زال مستمراً إلى وقتنا المعاصر، وهي بدورها دليل على ما ذهبنا إليه من أن القاعدة المذكورة إنما تستخدم بشكل تدليسي غير محدد المعالم، والمقصد منها منع الخصم من الاجتهاد ومنعه من الخروج عن الموروث الثقافي، فهي إذن ليست أكثر من مناورة فكرية لاغتيال العقل.
فينبغي للمسألة حتى تصير قاعدة أن تكون صواباً في ذاتها أي ثابتة وليست ظناً وتخميناً، وهذا الثبات هو أمر لا يتجزأ، مما يعني أنه يفيد التسليم له والثقة به من قبل من يعتقد به، وفي مسألتنا المعنية بالدراسة (النص) يكون الثبات على وجهين:
الأول: ثبوت السند، أي قطعي الثبوت، وذلك من خلال تواتر النص.
الثاني: قطعية الدلالة، وذلك من وضوح المقصد بشكل لا لبس فيه.
وقبل هذين الشرطين يوجد أمر أهم منهما متعلق بالتشريع للناس، وهو أن يكون الشرع من الخالق الملك الرب الأعلى، وليس من غيره، فشرع الله عز وجل هو وحده محل تسليم وقداسة وخضوع واستمرار بالديمومة أماسوى شرع الله فلا قداسة له ولا تعظيم ولا تسليم، وينبغي نقده وتعديله حسب المستجدات من التطور، وبناء على هذه الأمور الثلاثة المذكورة نناقش المقصد بكلمة النص من قاعدة: لا اجتهاد في مورد النص.
1- حديث النبي: مادته في معظمها ظنية الثبوت كما إنها محل للاختلاف من كونها مصدراً شرعياً أم لا، ناهيك عن التحريف الذي أصابها من زيادة ونقصان وغير ذلكمن الأمور الإشكالية المتعلقة بمادة الحديث التي في النهاية تنفي عن مادة الحديث المقصد من كلمة النص لعدم تحقق الشروط الثلاثة المذكورة بها آنفاً.
2- فهم الصحابة وأهل البيت: هذه المسألة محل اختلاف كبير جداً بين المسلمين فمنهم من عدها مصدراً شرعياً، ومنهم من عدّها وسيلة لازمة لفهم الدين ،ومنهم لم يعدّها إلاّ فهماً تاريخياً لا يُسحب إلى غيره من المجتمعات، ناهيك عن عدم حفظ فهمهم من التحريف،والتوظيف السياسي أثناء تطبيق أمور الدين، إلى غير ذلك من الإشكاليات المطروحة، وما ينطبق عليهما ينطبق على كل من أتى بعدهم من العلماء إلى يومنا المعاصر من باب أولى، وبالتالي ليسوا هم المقصودين – أي الصحابة وأهل البيت-بكلمة النص من القاعدة المعنية بالدراسة لعدم تحقق الشروط الثلاثة.
3- الإجماع: إن عدّ الإجماع بمثابة النص باطل، وذلك لأنه ذاته ليس عليه إجماع فهو ظني الثبوت ناهيك عن الاختلاف الكبير في محل تحديد انعقاد الإجماع، فالإجماع عند طائفة ليس هو عند الآخرين، مما يسحب منه صفة المصدرية، وعدم تحقق الشروط الثلاثة به ينفي عنه المقصد بكلمة النص من القاعدة.
4- كتاب الله عز وجل: (القرءان) إن آيات الكتاب لاشك بأنها قطعية الثبوت ولكن ليست كلها قطعية الدلالة، مما يعني أن كلمة النص في سياق القاعدة لا تتناول إلا الآيات ذات الدلالة القطعية لأن الآيات الظنية الدلالة هي محل للاختلاف في الفهم بين الناس حسب أدواتهم المعرفية.
5- فيكون المقصد من كلمة (النص) في القاعدة على فرض صحة القاعدة يجب أن يحصر في الآيات القرءانية ذات الدلالة القطعية كون القرءان كله قطعي الثبوت تواتراً، وهو محل تسليم من معظم المسلمين من حيث أنه تنزيل من الله العزيز الحكيم.
من هذا المنطلق الإيماني عُدَّ القرءان المصدر الشرعي الإلهي الوحيد الذي ليس فيه محاباة ولا مداهنة لأي مجتمععلى آخر، وإنما هو شرع إنساني عالمي.
لذا، يكون الحرام ما حرمه الله في كتابه، والحلال ما أحله الله في كتابه،والواجب ما أوجبه الله في كتابه، وذلك كله بدلالة قطعية لا لبس فيها، ولا غموض.
لنر بعد ذلك النقاش مدى صحة هذه القاعدة المتعلقة بالشرع الإلهي حصراً وهذا يفرض علينا معرفة أهم خصائص الشرع الإلهي وهي:
خاصية الكمال: فالشرع الإلهي القرءاني هو شرع مكمل لما قبله وهذا يقتضي استمرار مجموعة من الأحكام السابقة أعطاها المصداقية من خلال إعادة تشريعها مرة أخرى،ووجود مجموعة أخرى قام الشرع بنسخها عندما سكت عنها وأتى بغيرها لتحل محلها، وذلك كله ضمن محور التواصل الذي هو توحيد الله واليوم الأخر والنظام الأخلاقي الإنساني،فكانت صفة الإكمال مؤشراً لوصول الإنسانية إلى مستوى تستطيع فيه أن تقف على قدميهاوتعتمد على نفسها في مواكبة التطورات والمستجدات وإيجاد الأحكام لها من الشرع الكامل،وهذا يقتضي بالضرورة اختلاف صفة بنية الشرع عن الشرائع السابقة فلقد كانت الشرائع السابقة متصفة بالعينية والقومية قائمة على الآصار والأغلال بينما الشرع الكامل ليس عينياً ولا قومياً، وإنما هو قائم على الرحمة واليسر موجه إلى الإنسانية ككل عبر الزمان والمكان، وهذه الصفات لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت بنية الشرع بنية حدودية وهي عكس صفة العينية في الشرائع السابقة مع مراعاة استمرار التشريع للمجتمعات كلها عبر الزمان والمكان وفق محورالثابت و المتغير.
والتشريع الحدودي هو أن يأتي بتشريع لأنظمة المجتمع بالحد الأدنى ويترك الأعلى مفتوحاً ليتحرك الإنسان ضمن الاحتمالات اللا متناهية في اختيار شكل الحياة الذي يحقق مصلحته وسعادته بشرط أن لا يتجاوزحدود الله عز وجل.
وقال العلماء صياغة لهذا الكلام: الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص أو مادل عليه النص قطعاً.
فالشرع أطلق المباح ونص على الحرام، إذا؛ً الشرع يكون للحرام وليس للحلال لأن الحلال أمر يستحيل حصره فهو بحركة دائمة نحو التطور ويستجد مع التقدم بالعلوم والمعارف.
لذا؛ يجب على رجال القانون أن يتعلموا ذلك من التشريع الإلهي ويضعوا تشريعاً ينص على الممنوع ويطلق المباح، فعدم وجود مادة قانونية تمنع شيئاً يدل على السماح بها وليس على التوقف أو المنع، أو تطبيق مادة قانونية أخرى قريبة منها في الشبه،وهذا يقتضي إعطاء الصلاحية للقاضي أو المسؤول ليتصرف حسب ما تقتضي المصلحة أو يحل المشكلة بما يراه مناسباً لها حسب ظروفها بشرط أن لا يتجاوز الحدود القانونية.
أما بالنسبة للعقوبات فلقد جاء الشرع الإلهي بالحد الأعلى وترك الأدنى مفتوحاً ليختار المجتمع ما يراه مناسباً ومحققاً للمصلحة، وهذا ما يجب أن يفعله رجال القانون، أي يجب أن يضعوا عقوبات حدية بشكل أعلى فيما لم ينص عليه الشارع ويتركوا الحرية للقاضي ليختار ما يراه مناسباً للظرف الراهن من ردع وزجر وعقوبة بشرط أن لايتجاوز القانون الحد الأعلى، وبهذا العمل يصير القاضي أو المسؤول عن عمل ما، يملك الصلاحية للتحرك ضمن الحدود ليحل المشكلة المعروضة عليه ولا يقف مكتوف اليدين بحجةلا اجتهاد في مورد النص ولا يملك صلاحية التحرك اجتهاداً وتعديلاً لمادة القانون.
فالتشريع الإلهي هو تشريع حدودي،والمطلوب ليس هو الوقوف عليه، وإنما التحرك ضمن الاحتمالات اللا متناهية بشرط عدمالتجاوز لحدود الله عز وجل
{ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا }البقرة229.
فشرع الله ثابت وبالتالي لا يخضع لعملية النقاش أو التصويت وإنما يخضع لعملية الاجتهاد والدراسة لمعرفة كيف يمكن أن نسقطه على الواقع لنحقق من خلاله المصلحة المرجوة من جراء التفاعل معه واختيار الحل الأحسن
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } الزمر 55
فقاعدة لا اجتهاد في مورد النص باطلة من هذا الوجه الذي ذكرناه، لأن الاجتهاد يكون بورود النص،
وإذا غاب النص غاب الاجتهاد وحل محله الابتكار والإبداع والتفتق الذهني لحل المشكلة المعروضة، فالاجتهاد مرتبط بوجود النص ارتباط اللازم بالملزوم، وذلك من خلال فهمه وإسقاطه على محل الخطاب ومعرفة الحكم الحدودي الذي جاء به القرآن ومعرفةالقصد الذي انطلق منه الحكم وآل إليه، ومن ثم اختيار الحل الأحسن والأمثل للظرف الراهن.
فشرع الله الثابت الحدودي يضمن التطور من خلال إعطاء الإنسان منصب الخلافة فيتفاعل مع شرع الله ويختار الاحتمال الأحسن ليحقق مصلحته ويواكب المستجدات والتطور
لذا؛ يجب استبعاد هذه القاعدة المشؤومة من ثقافة المجتمع العربي والإسلامي لأنها قاعدة ترسخ الاستبداد الفكري والسياسي وتبارك الاستعباد وتقف سداً منيعاً في وجه التقدم والتطور وليست هي في النهاية إلا لمصلحة الظالمين المستبدين بسلطاتهم الثلاث الدينية والسياسية والاقتصادية.( هامان وفرعون وقارون)
اضف تعليقا