النبي محمد الخاتمي قارئ وكاتب ، ولكن لا يعرف الخط أو تلاوته

مفهوم الجهل والأُمِّيّة

كلمة (جهل) لا تعني عدم المعرفة أو العلم، وإنما تعني صدور السلوك من إنسان دون ضوابط علمية أو تشريعية سواء أكان عنده علم أم لم يكن. فالجاهلية مرتبطة بالسلوك لا بالعقل أو العلم.

انظر قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }المائدة50

{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَاتَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}الأحزاب33

{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}النمل55

ونستخدم كلمة الجاهلية في حياتنا المعيشيةبهذا المعنى، انظر لقولنا إذا بلغ الرجل سن الأربعين سنة( عشرين عام) وبدأ يتصرف بشكل غير مسؤول أوغير لائق نقول: جَهْلَنة الأربعين!.

–   وكلمة أُميِّ تم ربطها بعدم المعرفة أوالعلم بالشيء لأنها أتت في النص القرآني بسياق واحد مع كلمة العلم نحو: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّيَظُنُّونَ}البقرة78، فعندما تم نفي العلم بالكتاب مع إثبات صفة الأمية لهم ظنوا أن الأميةتعني عدم العلم بالشيء.

–        وكذلك عندما أتت كلمة الأمية بسياق واحد مع الذين أوتوا الكتاب بقوله:

–        {وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ }آل عمران20، ظنوا أنها مفهوم يقابل أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب.

–   وعندما أَتوا للنص القرآني{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }الأعراف157، وشاهدوا أن الله يصف نبيه بالأمية،والنبي هو عالم بالضرورة، اضطروا لتحديد عدم العلم بتلاوة المخطوط أو نسخه فقط،وفاتهم أن صفة الأمية مدح للنبي وليس ذماً أو إنقاصاً له، ونفي تلاوة الخط أو نسخه موجود في نص آخر ، انظر قوله: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَاتَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} العنكبوت48، فالنبي عندما نزل عليه القرآن صار يتلوه من صدره دون صحيفة انظر قوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}الجمعة2، فما هو الشيء الذي نفاه الله عن نبيه في النص السابق قبل تلاوةالنص القرآني؟ لقد نفى عنه تلاوة أي نص مقدس من أي كتاب سماوي أو غيره أثناء حياته المعيشيةبين قومه لا من صحيفة ولا من ذاكرته، وكذلك نفى عنه عملية الاهتمام بخط أي نص بيده أوبيد غيره إذاً لارتاب المبطلون.

–   بمعنى أن النبي قبل نزول القرآن لم يظهر عليه أي اهتمام بتلاوة أي نص ديني أو مقدس موجود عند الناس، وكذلك لم يُبدِ أي اهتمام بخط أو جمع هذه النصوص لا بيده ولا بيد غيره من جماعته أو أصدقائه، وهذاالأمر معروف في مجتمعه لصغر المجتمع الذي ينتمي إليه، ولكن بعد نزول القرآن صارعنده اهتمام بتلاوة النص القرآني من ذاكرته، وجمعه وخطه بواسطة أصحابه أو أصدقائه أو أتباعه مع الإشراف على تلك العملية.

–        فكلمة الأمية لا علاقة لها بعدم المعرفة أو العلم،وكذلك ليست مفهوماً يقابل أهل الكتاب أو الذين أوتوا الكتاب.

–        فماذا تعني كلمة أُمِّيـَّة؟

–        أم : الأصل والمرجع والجماعة والدين. انظر ابن فارس مقاييس اللغة.

–        أ: الهمزة صوت تابع لصوت المد ( آ) بشكل مصغر، وهو يدل على ظهور زمكاني خفيف متوقف.

–        م : صوت يدل على جمع متصل.

–   وبجمع الصوتين مع بعضهما بهذا الترتيب (أُم) التي تدل على ظهور الشيء مكانياً منضم على نفسه ممتد زمانياً بجمع متصل لا ينقطع. ومن هذاالمفهوم الفيزيائي ظهر استخدام صور الكلمة في الحياة المعيشية ثقافياً.

–        الأم: المرأة التي تحتضن الصغير وتعتني به تربية وتعليماً وحباًوعاطفة. لاحظ شدة العلاقة والاتصال الدائم بينهما.

–        الإمام : الإنسان الذي يقود الناس، ويرجعون إليه في شؤون أمورهم. انظر إمام الصلاة، إمام العلم…

–        أم القرى: الأصل والمركز التي يتبعها القرى الأخرى.

–        الأمة: مجموعة من الناس يتحركون وفق منظومة واحدة تشدهم لبعضهم بعضاً.

–   فعندما وصف النص القرآني النبي أنه أمِّي قصد به النبي الأصيل الفطري الجامع للناس كلهم إضافة لانتسابه إلى أم القرى. وكلمة الفطري لا تعني أن الإنسان خال من أي شيء اكتسابي ومنها التلاوة للمخطوط أو نسخه، وإنما تعني أن هذا الإنسان مازال طاهراً أصيلاً، وأي شيء اكتسبه بعد ذلك إنما وفق أصالته وطهارته لم تَفسد فطرته، انظر لصفة النبي إبراهيم ،{ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً }البقرة124،{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }النحل120، فكلا النبيين لهما صفة الأمية، بخلاف النبي لوطاً و نوح …… . أما وصف قوم النبي بالأميين بقوله: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}الجمعة2،{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }القصص59، فقوم النبي هم الجماعة المقيمة في أم القرى، وبالتالي هم أميين نسبة لها، كنسبة أي قوم لبلدهم مثل : الشاميين ، والمصريين…

–   إذاً؛ لا علاقة لصفة الأمية بعدم معرفة تلاوة المخطوط أونسخه، فالإنسان يمكن أن يكون أمياً وهو يتقن الخط وتلاوته، وقد يكون عالماً، ويمكن أن ينتفي عنه صفة الأمية رغم أنه لا يتقن الخط ولا تلاوته !.

–   فصفة الأُمِّية لنبينا محمد صفة مدح وعظمة لأنها تدل على الأصالة والنقاء والطهارة والجامع والمرجع للناس في أمور حياتهم غير أنه ينتسب إلى أم القرى، وأضف لها صفة الخاتمية، فهو أم الأنبياء وبُعث في أم القرى، وبعث في الأميين.

–   لذا؛ ينبغي عدم استخدام كلمة الأمي للإنسان الذي لا يعرف تلاوة المخطوط أو رسمه، واستبدالها بكلمة (لا يعرف)، وكذلك لا يصح استخدام كلمة (جاهل) عليه لأنها تدل على نفي الأخلاق عنه، وعلى عدم الالتزام بالقيم.

ووصلنا الآن لضبط مفهوم قرأ وكتب

(قرأ ) ….يُسمى كلام اللّه تعالى الذي أَنزله على نبيه كتاباً وقُرْآناً وفُرْقاناً ومعنى القُرآن معنى الجمع وسمي قُرْآناً لأَنه يجمع السُّوَر فيَضُمُّها وقوله تعالى إِنَّ علينا جَمْعه وقُرآنه أَي جَمْعَه وقِراءَته فَإِذا قَرَأْنَاهُ فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ …

إذاً عند أهل اللسان: قرأ كلمة تدل على قرن شيء بشيء من جنسه، وهذا الذي  عبروا عنه بكلمة الجمع والاجتماع، وهو معنى قاصر انظر قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ }القيامة17، فدلالة الجمع غير دلالة قرءانه، وبالتالي كلمة جمع غير قرأ ضرورة.

– قرأ: كلمة تدل على جمع شيء إلى شيء آخر من جنسه لوجود علاقة مستمرة بينهما وفق نظام معين مع ظهوره مع الزمن. ويقول العرب عن المرأة الحامل: قرأت،بمعنى جمعت حملها ولم يسقط وتعلق بها وهو من جنسها الإنساني.

فالإنسان عندما يقرأ شيئاً ما من صحيفة أو الكون من سموات وأرض…. يقوم بجمع المعلومات المتعلقةبالشيء المعني في القراءة إلى بعضها ويجدولها ويصنفها ويحللها ليصل إلى نتيجة علمية يبني عليها موقفه من الشيء ويحكم عليه، ومن هذا الوجه قلت: إن القراءة هي جمع للمعلومات وتفكير ودراسة وتحليل والخروج بنتيجة.

ومن هذا الوجه ظهر لنا الفرق بين قارئ القرءان ، وتالي القرءان، والشيخ “عبد الباسط عبدالصمد” يتلو القرءان ولا يقرأه ! والمذيع للأخبار يتلو نشرة الأخبار عليناولا يقرأها، ومن هذا الوجه أتى الأمر الإلهي : {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98، وليس إذا تلوته!وانظر أيضاً: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204، وليس إذا تُلي من قبل “الحصري” أو غيره من التالين!!

كلمة كتب: تدل على القيام بجهد خفيف في جمع شيء إلى جنسه ، انظروا إلى كتب زيد كتابه على زينب،وكتب عمرو الوظيفة، وانظروا إلى كتاب الفقه وفي داخله كتاب الصلاة وكتاب الزكاة وكتاب الصيام…..،  وسمي الذي يخط الكلام  كاتباً لأنه يجمع الحروف إلى بعضها ، وكذلك المؤلف لأنه يجمع الأفكار مع بعضها، والكاتب يمكن أن يكون هو المؤلف فقط، ويقوم غيره بالخط، والنبي كان هو الذي يكتب رسائله إلى الملوك بمعنى يؤلفها ويمليها على الناسخ فيقوم بخطها ، وكان النبي هو الذي يقرأ رسائله بمعنى يفهمها ويحلل خطابها من خلال قيام رجل بتلاوتها عليه من المخطوط، فكلمة (كتاب)  تدل على الأشياء المجموعة من جنس واحد.

لننظر الآن:

– هل أمر الله لنبيه الخاتمي بالقراءة صواب أم لا ( اقرأ باسم ربك)؟

– وهل يشترط لفعل القراءة وجود فعل التلاوة للمخطوط؟

– أليس فعل القراءة قوة ذاتية كامنة في كل إنسان يستطيع أن يُفعّلها عندما يريد؟

–  أليس نفي فعل القراءة أو الكتابة عن إنسان هو نفي لقوته الإدراكية والوعي والربط والتحليل والاستنتاج ؟

والسؤال الآن:

–        هل كان النبي كاتباً قارئاً قبل النبوة ، بمعنى هل كان النبي مفكراً محللاً فاهماً  للكلام  و متدبراً في الأحداث ولما يجري حوله ؟