طبيعة النفس هي ذاتها طبيعة النار والماء
معرفة أن النفس خلقت ابتداءً من مارج من النار(طاقة)، والجسم من تراب وماء يساعدنا كثيراً على دراسة النفس وطبائعها، فه يلا تخرج عن خصائص النار كطاقة، وخصائص التراب والماء كمادة، وعلاقة النفس والجسم علاقة جدلية مثل علاقة الطاقة بالمادة.
انظر إلى صفات النار مثلاً، وكيف تمثلت في طبيعة النفس؟ النار لا تشبع مهما أوقدتها،وكذلك لا حدود لشهوات النفس، النار سريعة التقلب والتغير، وكذلك النفس فهي مزاجية،حركة النار في صعود مستمر، وكذلك النفس فهي دائماً تسمو للأعلى والأحسن، النار إذا لم تمدها بوقود تنكفئ على ذاتها تأكل بعضها، وكذلك النفس إذا لم تمدها بالعلم والثقافة وتُشغلها بالعمل؛ تنكفئ على ذاتها، وتأكل نفسها، وتُعيد الماضي وتجتره إلى أن تُصاب بحالة اكتئاب شديدة تؤدي إلى موت صاحبها نفسياً من خلال فقدانه للفاعلية وللإيجابية والتقدم، وينعدم في نفسه مبرر الاستمرار في الحياة، وقد يُقدم صاحبها على التخلص من الحياة بالانتحار، وذلك بتعطيل صلاحية الجسم فتضطر النفس لمغادرته، النار ضعيفة جداً، فإذا منعت وصول الهواء إليها تنطفئ بسرعة، بل وتختنق إذا زاد سرعة الهواء الموجه إليها، وتبرد بالماء وتنطفئ، وكذلك فوران النفس و ثورانها سرعان ما تنطفئ أو تهدأ إذا قام الإنسان بغسل جسمه أو بعضه بالماء، أو تعرَّض لتيار هواء قوي، أوإن قام أحد بتغطيته أو عزله عن السبب الذي أثاره وأغضبه !، والنار سريعة الالتئام والاتصال بين ألسنتها إن مرَّ شيء خلالها،وكذلك النفس فأي حدث سلبي سرعان ما تتجاوزه وتتابع تواصلها واستمرارها، إلاّ إن أوقف صاحبها هذا التفاعل الإيجابي وأرجعها إلى الخلف، وأوقف الزمن عند الحدث وعاش فيه، فتصير حركته ماضوية، وتبدأ الفيروسات النفسية بالتكاثر.
وانظر إلى خاصية الماء من حيث تكيفه مع الواقع،وتغيره حسب شكل الإناء الذي يوضع فيه، وانظر إلى عملية انسيابه في مجراه وتجنبه للعوائق التي تعترضه، وتماسك ذراته بشكل متصل، وقابليته للتبخر والارتفاع وانتقاله بهذا الشكل جواً ثم تحوله إلى أصله السائل، وهو السائل الوحيد إذا تصلب خف وزنه.وانظر إلى خاصية التراب وتفكك ذراته، وقابليته للتصلب ، والمزج مع الماء ليصير طيناً….الخ.
وهذه الخصائص ليس من الضرورة أن تجتمع في شخص واحد، فهي تظهر في واحد وتتقلص عند الآخر، والمجتمع هو الذي يصيغ النفس في مقام الرجال أو النساء، وهذه الخصائص إذا حملها مجتمع تتحول مع تقادم الزمن إلى طبائع وتدخل في الجينات المورثة للأجيال اللاحقة ما يؤدي إلى صعوبة تغييرها، وكون النفس كائنة اجتماعية الصيغة فلابد من دراسة المجتمع لفهم النفس وعلاجها،لأنه لولا مرض المجتمع وتخلفه لما ظهر المرض بالفرد، و النهضة الحقيقية لا تكون إلا من خلال النهضة بالمجتمع ككل لأنه هو الأصل والحاضن للأفراد، و علاج الأفراد بمعزل عن النهضة بالمجتمع هو نوع من الإسعاف الأولي، وليس علاجاً جذرياً للمرض، لأن المرض انتقل من المجتمع إلى الفرد،والمجتمع المتخلف هو بيئة ملوثة ينشر المرض بين الجميع ثقافياً ويُحَوِّله مع التقادم إلى الجينات المورثة، فعندما تنجح بصعوبة بالغة في علاج فرد من أمراضه النفسية أو بعضها مع إمكانية انتكاسه السريع لوجوده ضمن المجتمع الملوث؛ يتكاثر عشرات غيره من المرضى المصابين بالعدوى من المجتمع.
لذا؛النهضة الحقيقية تبدأ من المجتمع، والمجتمع يصنع الأفراد الصالحين، و من الخطأ نشر مقولة غَيِّر نفسك تغير المجتمع، والصواب هو تغيير المجتمع يُغير الفرد، والعلاقةبينهما علاقة جدلية، فتغيير الفرد والنهضة به يكون من خلال مفاهيم اجتماعية ابتداء، وتفعيل هذا الإنسان ليأخذ دوره في المجتمع ويخرج من عزلته المرضية، ويصير فاعلاً منتجاً منسجماً مع منظومته الاجتماعية ومنها إلى النفسية لأن الوجود المستمر الفاعل هو للمجتمع لا للفرد،فالمجتمع هو حامل النهضة والثقافة وهو أطول عمراً من عمر الفرد، ولا يسيء أحد فهم العلاقة بين المجتمع والفرد، فالعلاقة بينهما ليست مثل علاقة السن بالمسنن حتمية الحركة والدوران، وإنما مثل علاقة اللاعب بفريقه، فنجاح الفريق نجاح للفرد رغم تقصيره، ولكن نجاح الفرد بأدائه ليس نجاحاً للفريق إذا غلب على الجميع التقصير والتقاعس.
لذا؛ مَن لم يتقدم يتقادم، ومَن لم يُشغل نفسه بشيء إيجابي تنشغل نفسه بماضيه، وإن لم تعش الحاضر عشت الماضي، وفقدت المستقبل.
اضف تعليقا