السؤال:

أستاذ سامر المحترم
السلام عليكم
أنا فتاة حزينة جداً لمصائب معينة تحيط بي وابتلاءات كثيرة لم أعد أتحملها ،وأكره الحياة وأفكر بالانتحار، فهل يوجد في القرءان مايبرر الانتحار لإنسان لا يريد الحياة ويريد أن يُنهيها ويخرج منها؟
وشكراً لك

الجواب:

أختي الكريمة
وعليكم السلام، اصبري وما صَبْرُك إلا بالله
الحياة الإنسانية مقدسة ومصانة ما ينبغي لأي كان أن يُزهقها إلا بحقها، وحق إزهاق النفس هو أن يُقدم الإنسان على زهق حياة إنسانية بريئة فيُطبق عليه المثل ويُزهق حياته من باب الجزاء من جنس العمل
{وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }الإسراء33
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29
فالحياة للإنسان أمانة في عنقه مسؤول عن التصرف بها خيراً أو شراً، وما ينبغي أن يُهملها ويُزهق حياته لأي سبب كان، وزهق حياة الإنسان لنفسه هو دليل الهروب من الحياة، والضعف عن مجابهة الأحداث والأخذ بزمام الأمور، ونفاذ الصبر الذي يدل على تجاوز الحدث والتعامل مع الواقع ومحاولة تغييره ومتابعة المشوار، ومن يحاول الانتحار يكون صبره نفذ وتفكيره ماضوي أو لحظي واستسلم للعجز والمرض والخوف وحكم على نفسه بالموت وأراد أن ينفذ بنفسه الحكم ويُعدم نفسه
وينتشر التفكير بالانتحار عند النفوس المريضة، أو الذين تعرضوا لصدمة عاطفية أو أزمة كارثية، أو عديمي الثقافة الروحانية ، ويجمعهم كلهم فقدان التوازن النفسي واضطراب التفكير وغياب المبرر والمعنى للحياة لظنهم أنها انتهت بالنسبة إليهم ولا يوجد أي مبرر لاستمرارهم بها ، ولا يعودون يرون في الحياة إلا نصف الكأس الفارغ، لذلك؛ غالباً الذي يعيش في هلوسة الانتحار يكون مصاب بالاكتئاب بمعنى تفكيره ماضوي يقف عند لحظة تاريخة لايريد تجاوزها ويعيش بهذه الحالة الذهنية سوداوي انعزالي يَكره الناس ويظن أن الناس تكرهه أيضاً، ويعيش بهذه الحالة الذهنية يجترها ربما سنوات طويلة وهو يفكر بالانتحار، وقد لا يخرج منها أبداً ويرفض أي مساعدة تقدم له من قبل الآخرين. واعلمي أن الحياة الدنيا هي دار ابتلاء وامتحان وليس دار استقرار وديمومة، والحياة لا تقف لموت أحد ولا تتعطل مرافق الحياة، والإنسان كائن اجتماعي له استقلال نفسي عن غيره،فهو كائن ذو هوية منفردة متميزة لا يوجد مثله ثاني، بصمة أصابعه خاصة به ، كما أن شبكة عينه له دون الناس، وكذلك جيناته الوراثية، فهو آية من آيات الله، وما ولادته من والدين إلا وسيلة وقانون لوجوده، والعلاقة مع والديه بالحسنى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23 ولكن ليس هما مصدر لحياته الفكرية والنفسية واستمراره بالحياة ،فهو كائن منفصل عنهما تماماً في كيانه النفسي والروحي، وسوف يأتي يوم القيامة فرداً مسؤول عن عمله ولا يسأل عن عمل غيره ،فهو المبتلى بالموت والحياة ليكون حسن السيرة والعمل الصالح.
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }الملك2
وطبيعة الحياة الدنيا قائمة على القانون الثنائي التناقضي ،الموت والحياة، الخير والشر ، والصحة والمرض ، والحزن والسرور…الخ،فإن حصل الموت أو المرض فهو ليس بأمر مفاجئ للإنسان لأنه متوقع في أي لحظة كونه طرف من قانون الحياة ولابد من حصوله في الواقع {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء35،ففراق الأحبة بصرف النظر عن الوسيلة ،و مهما كانوا قُرباً لنا ومتعلقين بهم هو شيء طبيعي في الحياة الدنيا وليس أمراً مفاجئاً أو هو شيء خاص لمن أصيب به ،بل هو أمر عام في الإنسانية وسوف يحدث باستمرار من حولنا أو معنا ولا يوجد أحد على رأسه ريشة مستثنى من ذلك أبداً {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }البقرة155، إذاً، الموت حق، والمرض حق، والابتلاء حق، والحزن والسرور حق….الخ، والنفس تضحك وتبكي {وَأَنَّهُ هوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }النجم43 ، فطبيعي أن تبكي أوتضحكي، أو يصيبك الحزن أو السرور، والمطلوب منا أن نفهم فلسفة الحياة وقانون سيرها، ونكيف سلوكنا وَفق هذه المفاهيم من كون الدنيا دار ابتلاء وامتحان وليس دار استقرار وديمومة، وهي دار عمل و حرث وصبر وتزكية للنفس {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }الشمس9 -10،{وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى }النازعات40، والدار الآخرة خير وأبقى وسوف نلقى الأحبة ونعيش بجنة تقوم على قانون أحادي وليس ثنائياً تناقضياً بمعنى حياة دون موت، وسلام دون حرب أوعنف، وحب دون كره وبغض، وخير دون شر …الخ.
أختي الكريمة
شمري عن ساعديك وقومي انفضي عنك الحزن والبكاء والمفاهيم السلبية والأفكار السوداء، واخرجي من الدائرة التي تغلقينها على نفسك إلى رحاب الحياة وأفقها الواسع وأطيافها المختلفة بكافة ألوانها، وبددي الظلمة في نفسك بنور العلم والإيمان والعمل الصالح فإن ذلك يكسبك قوة وصبرا ً وتشجيعاً على الاستمرار بالحياة ومصاعبها وأهوالها، اجعلي لحياتك معنى وفائدة لك ولمن حولك، وضعي أهداف نبيلة اسعي وراء تحقيقها واستعيني بالله ثم بالأصحاب والرفاق الصالحين .
أتمنى لك التوفيق والحياة السعيدة