مفهوم ملك اليمين والنكاح

إن الاختلاف في المجتمع وتفضيل طبقة على أخرى بالمال والعمل والثقافة والقوة سنة من سنن الله عز وجل في بنية المجتمعات ونشوءها,وذلك كي يتم التكامل والتبادل للمنافع والتسخير, ومن ثم إلى التقدم والتطور .قال تعالى : [ والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فُضِّلوا برادِّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء .. ] النحل 71

وقال: [انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض .. ] الإسراء 21

وقال: [ أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخرِيَّا ورحمت ربك خير مما يجمعون ] الزخرف 32

وهذا التفضيل بين الناس ليس هو قدراً إلهياًحتمياً متعلق بزيد أو عمرو كأفراد ! وإنما هو قدر إلهي اجتماعي اكتسابي ، والإنسان قادر على تغيير قدره بالجد والعمل والدراسة ، والانتقال إلى قدر الله الإيجابي من خلال دفع القدر السلبي بالقدر الإيجابي [ نفر من قدر الله إلى قدر الله ] مع استمرار وجود القدر بثنائيته في المجتمع كقانون اجتماعي وليس فردياً .

فالإنسان يستطيع أن يدفع عنه قدر الفقر بقدر الغنى من خلال الأخذ بوسائل الغنى نحو العمل والجد والتخطيط والطموح والصبر لتحقيق الهدف . وهكذا قدر المرض ، وقدر عدم العلم والمعرفة ، وقدر الضعف الاجتماعي ….الخ يقوم الإنسان بدفعها بأقدار الخير للوصول إلى النتائج الإيجابية . ومن ذلك قيل: ندفع أقدار الحق بالحق للوصول إلى الحق .

إذاً؛ المجتمع مؤلف من طبقات متفاوتة في المال والعمل والثقافة والمقام الاجتماعي كضرورة حياتية لاستمرار المعيشة وحصول التقدم والتطور ، فالمجتمع فيه طبقة قيادية ، وطبقة انقيادية تابعة للأولى في أمور حياتها، فكان من الطبيعي أن يوجد نظام يحدد العلاقة بين مختلف الطبقات كل حسب مقامه الاجتماعي : [ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ] ومن هذه الفروقات في المجتمع نشأ الفرق في الأحكام بينهم من حيث العلاج والعقوبات . مثلاً المرأة الضعيفة الفاقدة للحصانة الاجتماعية إذا زنت جعل الله عقابها نصف عذاب المرأة المتمتعة بالحصانة الاجتماعية قال تعالى [ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ] النساء 25 فالشارع اعتمد في تشريعه على معطيات الواقع وحيثياته, وهذا لتحقيق الرحمة الإلهية في المجتمعات الإنسانية . ومن الفروقات الموجودة في المجتمع بعلاقاته مع بعضه علاقة النكاح بين أفراد الطبقات, فنشأ مايسمى بنكاح ملك اليمين . وملك اليمين في المجتمع هو الطبقة التابعة في أمور حياتها المعيشية للطبقة الفاعلة والقائدة ، فهي طبقة فقيرة لا تملك زمام أمور نفسها, وهي تعيش ضمن دائرة الطبقة الأقوى .

فماذا تعني صفة المُلْكِّية ؟

إن صفة الملكية في الواقع تتحقق في صفة حق حريةالتصرف بالشيء نحو البيع والشراء أو الهبة والعطاء ، وتتحقق بصفة حق الانتفاع بالشيء فقط دون حق حرية التصرف به نحو عملية استئجار البيت . فالمستأجر له حق الانتفاع فقط ولا يملك حق حرية التصرف في البيت بيعاً وشراء أو تغيير مواصفاته .

وإذا مَلَكَ الإنسان حق حرية التصرف بالشيء فمن باب أولى أن يملك حق الانتفاع به ،والعكس غير صحيح فمن يملك حق الانتفاع لا يشترط له أن يملك حق حرية التصرف به .هذا هو المقصد من كلمة ملك اليمين في الواقع المعيشي ، وقد تحقق هذا المفهوم ( ملك اليمين) في التاريخ بصور اجتماعية كثيرة مثل العمال والمزارعين والمستخدمين فقدتحققت فيهم صفة حق الانتفاع بخدماتهم وجهدهم دون حق حرية التصرف بهم بيعاً وشراءً.

وتحقق أيضاً بصورة الرق نتيجة الحروب وللحصول على اليد العاملة مجاناً ولكن بظهور صفة حق حرية التصرف بهم بيعاً وشراءً التي نتج عنها حق الانتفاع بهم خدمة وعملاً فظهر في التاريخ مسألة العبودية نتيجة الظلم والجشع وصار الإنسان مُلك اليمين يباع ويشترى مثل الأمتعة والأشياء, وفقد الحصانة الاجتماعية . فهذا النظام العبودي لم يضعه الخالق ولم يشرعه وإنما الذي وضعه المجتمع الظالم المستعبد للإنسان . والشارع إنماوضع نظاماً متوافقاً مع بنية المجتمع من حيث اختلاف طبقاته وتفضيل بعضهم على بعض فكان ذلك تحت اسم نظام مُلْك اليمين الذي تناول نظام الرق ضمناً كونه ممارساً على أرض الواقع, ومتحققاً به صفة الملكية من حيث حق حرية التصرف بالشيء ، فقام بتجفيف هذه الصورة الهابطة من نظام ملك اليمين لتصادمها مع حرية الإنسان وكرامته ،واستمرت صورة حق الانتفاع بخدمة وعمل وجهد ملك اليمين كونها صورة إنسانية طبيعية في المجتمعات, ومن الأمور المتعلقة بملك اليمين التي تناولها الشارع مسألة النكاح لهم فذكر بعض الصور التي كانت تمارس أو أكثرها ممارسة كعلاج لمشكلة اجتماعيةمتعلقة بالرجل من جانب ، وبالمرأة من جانب آخر ,فقام الشارع بحل المشكلتين مع بعضهما بوقت واحد حيث طلب من الرجل لحل مشكلته أن يحل مقابلها مشكلة المرأة ، وهذاتوجيه رباني لطريقة حلول المشاكل الاجتماعية ومنع صفة الأنانية والاستفادة لطرف على حساب طرف آخر, فالمنفعة للجميع سواء بسواء قال تعالى : [ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم … ، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة … ] النساء 23 – 24 .

فلقد ذكر الشارع جميع النساء التي يحرم على الرجل نكاحهن واستثنى من ذلك ملك اليمين من غير الصور المذكورة في النص إضافة لنكاح النساء المتداول والمعروف إنسانياً بالزواج الدائم . وذكر الشارع من صور نكاح ملك اليمين صورتين:

الصورة الأولى : نكاح المتعة بقوله تعالى : [أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن … ]النساء 24

الصورة الثانية : نكاح الفتيات بقوله تعالى :[ ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف … ] النساء 25

والقاسم المشترك بين صورتي النكاح المذكورتين هو الأجر مقابل النكاح ومن هذا الوجه أطلق الفقهاء عليه اسم النكاح المأجور بخلاف الزواج الدائم المعروف الذي يهدف إلى تأسيس أسرة إضافة للمتعة والمودة المتبادلة بين الزوجين فلا يوجد له أجر وإنما يوجد له صَداق .

قال تعالى : [ وآتوا النساء صَدُقاتِهِنَّ نِحلة ] النساء 4

فالنكاح الدائم يجب فيه الصَداق ( المهر ) للمرأة كحق لها ، وواجب على الزوج كهدية للمرأة لخطبة ودِّها وتعبير عن المحبة ، وليس مقابل المتعة لأن المتعة بينهما متبادلة .بينما الأجر هو عطاء مقابل عوض ، ويكون مقابل الاستمتاع بالمرأة فالرجل يحصل على المتعة والإحصان لنفسه ، والمرأة تحصل على الأجر لتسد به حاجتها المعيشيّة وذلك في النكاح المأجور بصورتيه .

شروط نكاح المتعة بالنسبة للرجل

1-القصد من النكاح هو الإحصان للنفس عن الوقوع في الفاحشة . وهذا يقتضي من الرجل أن لا يكون محصناً وذلك إمَّا أن يكون أعزباً أو زوجته مريضة مرضاً مزمناً لا يستطيع أن يمارس النكاح معها, وما شابه ذلك من أمور, وخَشي على نفسه الوقوع في الفاحشة فله أن يقوم بنكاح المتعة بقصد الإحصان .

2-أن لا يقع الرجل في عملية السفاح, وهي الانتقال من امرأة إلى أخرى ، لأن الإحصان يحصل في نكاح امرأة واحدة ، بينما الانتقال من واحدة إلى أخرى ينفي عن الرجل قصد الإحصان, ويصير رجلاً يتبع إشباع شهواته ونزواته وبالتالي يقع في الفاحشة .

3-وجود شرط الإحصان ، ونفي السفاح عن نكاح المتعة يقتضي أن تكون مدة نكاح المتعة تؤدي في الواقع فعلاً إلى الإحصان عند الرجل ، وهذا الأمر لا يتحقق بنكاح اليوم والليلة ناهيك عن اللحظة كما يقال خطأً : إن أقل نكاح المتعة لحظة ! . فتحقيق الإحصان شرط لنكاح المتعة ، وبالتالي يتم الاتفاق على المدة التي يظن الرجل أنه يحقق الإحصان لنفسه بها .

أما شروط نكاح المتعة بالنسبة للمرأة فهي :

1-أن لا يكون للمرأة زوج وذلك إما أن تكون عازبة أو أرملة أو مطلقة ، لأن المرأة يحرم عليها الإشراك في عملية نكاحها .

2-أن يَكون مقصد المرأة هو سد حاجتها المعيشية لنفسها أو لمن تعول ، ولذلك جعل الله لها أجراً مقابل النكاح .

وأحكام نكاح المتعة معروفة في الفقه الإسلامي وهي :

1-العقد بين الطرفين على نكاح المتعة ( إيجاب وقَبول ) مع توثيقه .

2-تحديد المدة التي يظن الرجل أنه يحقق الإحصان لنفسه فيها .

3-الأجر المتفق عليه .

4-عدتها استبراء الرحم ويكون بحصول طهر واحد سواء مات زوجها أثناء المدة أو انتهت مدة العقد .

5-لا ترث زوجها ولو مات أثناء مدة العقد .

6-إذا أنجبت أولاداً من نكاحها فيحملون اسم والدهم . وما ينبغي إشهار هذا النكاح لأنه استثنائي وظرفي في المجتمع وليس أصلاً في العلاقات الاجتماعية ، ولا ينتشر هذا النكاح إلا في مجتمع فقير احتاجت نساؤه إلى ممارسة ذلك النكاح لسد لقمة العيش.

أما نكاح الفتيات وهو الصورة الثانية لنكاح ملك اليمين فقد قال تعالى :

[ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهنأجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم ] النساء 25

إن دلالة كلمة ( المحصنات ) الأولى ليست هي إحصان الزواج لأن المرأة المتزوجة يحرم نكاحها من رجل آخر ، وكذلك ليس المقصود بكلمة ( المحصنات ) إحصان العفة والأخلاق لأنهن نساء مؤمنات أصلاً يتصفن بالعفة والأخلاق ، كما أن الفتيات أيضاً متصفات بالعفة والأخلاق كونهن مؤمنات, إذاً الإحصان يقصد به الحصانة الاجتماعية وهو مايعبر عنه الفقهاء بالمرأة الحرة التي تملك قرار نفسها ,فيوجه الشارع الرجلَ الذي لا يستطيع أن ينكح امرأة حرة تتمتع بحصانة اجتماعية إلى النكاح من ملك اليمين قسم الفتيات المؤمنات اللاتي فقدن الحصانة الاجتماعية, وهن تابعات في حياتهن إلى غيرهن, وهذا دلالة كلمة ( فتاة ) ويقصد بهن العاملات والمستخدمات أو التي التحقت بدائرة اجتماعية لتحصل على الحماية والعناية لفقدان أسرتها أو ضياعها نتيجة الحروب أو الكوارث الطبيعية وما شابه ذلك .

ووضع الشارع لنكاح الفتيات المؤمنات شروطاً وهي :

1-إذن الأهل أو من يقوم مقامهن .

2-دفع الأجر للفتاة أو لأهلها أو لمن هو مسؤول عنها .

3-أن تحصن الفتاة نفسها بالزواج . [ محصنات غير مسافحات ]

4-أن لا تنتقل من رجل إلى آخر قبل انتهاء مدة العقد واستبراء الرحم .

5-أن لا تواعد الرجال أوتجالسهم [ ولا متخذات أخدان ]

أما أحكام نكاح الفتيات فهو مثل أحكام نكاح المتعة. وهؤلاء الفتيات اللاتي أحصن بالزواج إن أتين الفاحشة فعقوبتهن نصف عقوبةالنساء المحصنات اجتماعياً أي خمسين جلدة. وهذا النكاح للرجل الذي خشي على نفسه العنت, ويوجه الشارع الرجل إلى الصبر وأنه خير له من هذا النكاح. [ وأن تصبروا خيرلكم ] .

أما نكاح ملك اليمين الذي يملك الرجل حق حرية التصرف بهن وحق الانتفاع ضمنا ( الرق) الذي كان سائداً فيما سبق فلا يوجد له أجر يدفعه الرجل ولا مدة زمنية محددة, ويخضع في غير ذلك لذات أحكام نكاح ملك اليمين قال تعالى : [ قد أفلح المؤمنون ، الذين هم في صلاتهم خاشعون ، ….. والذي هم لفروجهم حافظون ، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين ، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ] المؤمنون 1-7

إن كلمة المؤمنين تشمل الرجل والمرأة على حد سواء, وبالتالي فالخطاب موجه لكليهما معاً ، مما يدل على اشتراكهما في الأمر بحفظ الفروج إلاَّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم, وهذا يعني أن المرأة لها ملك يمين مثل الرجل تماماً ، وما ينطبق علىالرجل من أحكام ينطبق عليها في إباحة نكاح ملك اليمين ضمن الأحكام المتعلقة بملك اليمين التي من أهمها أن لا يتم إشراك في نكاح المرأة ، أي ينبغي على المرأة أن تكون غير متزوجة . هذا ما أفاده حرف ( أو ) الذي جاء في النص [ إلا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم ] فهو حرف للتخيير وليس للإباحة، فكما يحرم على الرجل المتزوج نكاح ملك اليمين ، كذلك يحرم على المرأة المتزوجة نكاح ملك اليمين ، أما الرجل العازب أو المرأة العازبة فلهما أن يختارا واحداً من ملك اليمين للنكاح ، ويمتنعون عن نكاح الآخرين ,ويحصر دورهم في حق الانتفاع بهم خدمة وعملاً دون النكاح. أما مسألة التعددية في النكاح للرجل فهو محصور بالنكاح الدائم فقط ويحرم عليه التعددية في نكاح ملك اليمين بخلاف المرأة فيحرم عليها تعدد النكاح مطلقاً .

الخلاصة :

1-النكاح الدائم بين الرجل والمرأة يكون بصَداق( مهر ) .

2-النكاح الدائم متعدد المقاصد فهو لتأسيس أسرة أو للمتعة أو للاستقرار والسكن…الخ

3- يباح التعدد في النكاح الدائم للرجل فقط دون المرأة .

4-نكاح ملك اليمين نكاح مأجور مقابل عوض .

5-نكاح ملك اليمين له صور متعددة نحو : نكاح الرق ، نكاح المتعة ، نكاح الفتيات .

6-يحرم ضم نكاح ملك اليمين إلى النكاح الدائم على الرجل والمرأة سواء بسواء .

7-يحرم تعدد نكاح ملك اليمين على الرجل والمرأة ( السفاح ) .

8-النفقة على الرجل واجبة إذا جاءه ولد.

قال تعالى : [ وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ] البقرة 233

أماإذا لم يكن له ولد فالأمر يرجع إلى التراضي والاتفاق بين الرجل والمرأة في مسألة السكن والكسوة والرزق نحو ما يسمى في زماننا هذا بالزواج المسيار وهو صورة من صور النكاح الدائم وليس من نكاح ملك اليمين .

9- المقصد من نكاح المتعة هو الإحصان للرجل ، والأجر للمرأة الفقيرة .