الأخوات الأربع

حان وقت نشرة الأخبار في إحدى الفضائيات العربية، وكان ابني يلعب في الغرفة، فقلت له: اهدأ قليلًا لنسمع الأخبار.

وبينما هو يلعب بهدوء؛ لقطت أذنه عبارة قالها المذيع، وهي: إن اقتصاد البلد وثرواته الباطنية بيدٍ أمينة!

وسرعان ما التفت إلي وسألني: بابا! مَنْ هي أمينة؟

 قلت: إنها المسؤولة عن ثروات البلد وتخزينها في الخارج!

وتابع لعبه، لا يدري ما قلت، ولكنه سرعان ما لقطت أذنه قول المذيع: إن سياسة البلد سياسة حكيمة!

 فقال: بابا! مَنْ هي حكيمة؟

قلت: إنها أخت أمينة!

وتابع لعبه ساردًا. وإن هي إلا هنيهة حتى لقطت أذنه قول المذيع: إن قيادة البلد قيادة رشيدة! فهُرع إليَّ؛ وقال: بابا! من هي رشيدة؟

 قلت: يا بُني إنها الأخت الثانية لأمينة!

وتابع لعبه برهة من الزمن وهو يغني ببراءة: أمينة وحكيمة ورشيدة! وسكت ليسمع المذيع يقول: إنَّ توجيه الشعوب ينبغي أن يصدر من ثقافة فكرية!

 فقال: بابا! مَن فكرية هذه؟

قلت: يا بُني إنها الأخت الصغرى لأمينة!

 فقال: ومن أبوهنَّ؟

 قلت: أبوهم! فهم ذكور يا بني! ولا يوجد لهم أب ولا أم.

قال: عجبًا! ومن أين أتوا!

 قلت: يا بُني لا يعرف أحد من أين أتوا!

قال: وماذا يريدون؟

 قلت: يريدون كل شيء!

 قال: وماذا يُعطون؟

 قلت: هؤلاء يأخذون ولا يُعطون!

 قال: ولكن أسماءهم لطيفة وجميلة!

 قلت: نعم! هذا أسلوب يضمن استمرار لعبتهم!

 قال: وهل يلعبون؟

 قلت: نعم يا بُني!

 قال: أريد ألعب معهم!

 قلت: يا بُني! إنهم يلعبون بالنار، والحديد، والدماء بصورة قاسية، وبشعة، لا يعرفون الرحمة، أو الضحك، ولا يسمحون لغيرهم باللعب معهم.

 قال: ولكن هذا غير معقول، فحقّي أنا والأطفال أن نلعب كما نشاء.

 قلت: يا بُني، إنهم لا يعترفون بوجودكم وحقكم!

 قال: وأنا لا أعترف بوجودهم وحقهم!

 قلت: شتّان يا بُني بين عدم اعترافك بهم، وعدم اعترافهم بك!

 قال: وماذا يسمحون لنا أن نلعب!

 قلت: اللعب غير مسموح إطلاقًا!

 قال: وماذا يفعلون بنا؟

 قلت: إنهم يلعبون بك مثل الكرة!