حمار عنصري

اجتمع ذات يوم ثلاثة حمير، جاؤوا من أماكن مختلفة جغرافيًا، وحَنوا رؤوسهم تحية لبعضهم مع إخفاء نظرة الازدراء!

سأل الأول زميليه: من أين أنتما أيها الحماران؟ وأخفى ضحكة ساخرة.

فأجاب الحمار الثاني مزهوًّا بحمرنته: أنا من بلاد عظيمة تعود في تاريخها إلى آلاف السنوات، وأنتمي إلى قبيلة الحمير ذات القوائم الطويلة، واللون الرمادي، وها هي سلالتي مستمرة في التكاثر، وإنجاب أكبر الحمير في التاريخ!

قال الثالث: أما أنا فأنتمي إلى معشر الحمير ذوي اللون الأبيض، وهو كما تعلمون لون مميز عن سائر الألوان، وملوك الناس وكبارهم فيما مضى؛ كانوا لا يركبون إلا على ظهورنا، نحن معشر الحَمير البيضاء!

قال الحمار الأول: لقد سمعت مقالتكما التافهة أيها الحماران الغبيان! ألا تعلمان أن الحمير السوداء (وكان حمارنا العتيد أسود اللون) هو سيد الألوان وأهيبها؟ واللون الأسود هو الذي يملأ الفضاء! ما يدلُّ أن الحمير السود يحكمون الكون، ونصف الأرض يَلفها السواد، وتم ترك النِّصف الآخر لتتقاسمه بقية الحمير.

ونظر الحمير الثلاثة إلى بعضهم متأمِّلين أشكالهم! يُحاول كل واحد منهم أن يدعم وجهة نظره الحَمَّارِيَّة في تميُّزه عن سائر الحمير! وطال الانتظار وطفقوا يدورون! وينظرون إلى أذيال بعضهم، ويرفعون نظرهم إلى آذانهم الطويلة.

فجأة سأل أحدهم وهو الأذكى: ما هي لغة التخاطب والتواصل عند بني الحمير جميعًا؟

ردَّ عليه الآخران: إنها لغة النهيق والرفس.

فقال الأول: إذًا؛ هي نبدأ بالحوار.

وارتفع نهيقُ الحمير الثلاثة عاليًا، وانهالوا على بعضهم بالرفس الرهيب من خلال توجيه مؤخراتهم باتجاه بعضهم، ممّا شكّل لوحة حوارية حَمّاريّة مثالية، صَوتًا وصورة، فالنهيق من أنكر الأصوات، والرفس من أقبح وسائل العنف، خاصَّة إن كان يصدر من الخلف، فتلتقي مُؤخرات الحمير مُترافسة وتبتعد رؤوسهم عن بعضهم البعض ناهقين! لتتحقَّق في الواقع أسس الحوار الأربعة المعروفة: النهيق، والتقاء المؤخرات، والرفس، وإبعاد الرؤوس بجهات متعاكسة!

 واستمر حوارهم الحَمّاري وعلا نهيقهم, وضَجّ المكان بالضوضاء والصخب، حتى وصل ذلك إلى مَسمع الفيل؛ وكان بالقرب من المكان، فاتجه إلى مصدر الصوت مستكشفًا سبب ذلك الضجيج، الذي عَكّر صَفْوَ الهدوء.

وعندما وصل الفيل إلى مكان المؤتمر، رأى ثلاثة حمير يرفعون مؤخراتهم، ويترافسون، وينهقون بشكل قبيح! فأصدر الفيل صوتًا عظيمًا آمرا: كُفّوا أيها الحمير عن الإزعاج والضجيج!

فانتبه الحمير إلى صوته، وقالوا: نحن نتحاور!

قال الفيل: وهل يكون الحوار بالنهيق، والرفس من جهة المؤخرة؟

قال الحمير: نحن لا نعرف إلا هذه الطريقة في الحوار!

قال الفيل: وعلى ماذا تتحاورون أيها السادة الحمير؟

قال أحدهم: نتحاور حول مسألة تَمَيّز نوعي وتَفَوّقه على سائر الحمير.

فرد عليه الثاني: بل تَفَوّقي أنا على سائر الحمير!

نهق الثالث غاضبًا: بل أنا أحمر الحمير.

فتدخل الفيل غاضبًا وقال: اصمتوا جميعًا، لا شَكّ أنكم كلكم حمير!