هل آتي بالأحاديث من جيبي

دخلت ذات مرة إلى مسجد لأصلي، فوجدت شيخًا قد تَحَلّق الناس حوله، وهو يُلقي عليهم وعظه وإرشاده.

وبعد أن أنهيت صلاتي؛ بقيت قاعدًا في مكاني أستمع إلى ما يقول الشيخ الواعظ علّني أصيب منه نفعًا.

وتَطَرّق الشيخ في عِظَته إلى مُعاملة النَّبيِّ لزوجاته، وكيف كان يعاملهن بلطف واحترام، إلى أن وصل في حديثه إلى وَصف ما يجري بين النَّبيِّ وزوجاته في فراش الزوجية.

فرفعت يدي مستأذنًا بالكلام؟

فقال الشيخ: تفضل يا بُني؟

قلت: يا شيخ هذه الأحاديث المتعلِّقة بالحياة الزوجية للنبي، خاصَّة الجماع! هل هي أحاديث صحيحة السند؟

قال الشيخ مبتسمًا: نعم! صحيحة السند.

قلت: أنا أستغرب يا شيخ! كيف عَلِمَ الرُّواة بهذه المسائل الزوجية؟

الشيخ: يا بُني! إنّ هذه الأحاديث نُقلت عن النَّبيِّ أو زوجاته.

قلت: يا شيخ أيُعقَل أن يقوم النَّبيُّ أو زوجاته بالتحدث عمّا يجري على فراش الزوجية؟

فنظر الشيخ إليّ، وَزَمّ شفتيه، وعَقَدَ ما بين حاجبيه، ورفع يده مُشيرًا إليّ، وقال غاضبًا: يا بُني هل آتي بالأحاديث من جيبي، هذا الذي وصل إلينا، ومكتوب في الكتب، وقد رواه المشايخ لنا كابِرًا عن كابر.

قلت: يا شيخ! وهل كل ما هو مكتوب في الكتب، وما وصل إلينا من أخبار وأحاديث يكون صوابًا بالضرورة.

الشيخ: يا بني! وهل مطلوب مني؛ أنا أن أقوم بالتأكد من صواب هذه الأقوال والأحداث؟

قلت: نعم يا شيخ، ألستَ مُتصدرًا تعليم الناس أمور دينهم ووعظهم؟ فواجب عليك أن تقوم بمعرفة الصواب من الخطأ، وهذه مسؤولية أنت مُحاسب عليها.

الشيخ: ولكن هذا الأمر صعب جدًّا عليَّ، وقد أخذه مشايخنا على عاتقهم.

قلت: يا شيخ! الأمر على درجة من السهولة، والمشايخ الذين تتكلم عنهم، هُم مثلك لم يعملوا شيئًا سوى القيام بالوعظ ورواية الأحاديث كما بلغتهم دون نقد لمتنها.

الشيخ: يا بُني! لقد تجاوزت حَدَّك وتَطاولت على السادة الفقهاء، الذين هُم مثل الجبال بالعلم والتقى! فالزم حدودك.

قلت: يا شيخ ألم يصحَّ حديث النَّبيِّ الذي نهى به عن أن يتكلم الزوج أو الزوجة عما يحصل معهما في فراش الزوجية لأصدقائهما؟

الشيخ: نعم! لقد صحَّ هذا الحديث النَّبوي.

قلت: ألا ترى أنه يوجد تناقض في هذه الأحاديث؟

الشيخ: كيف ذلك؟ وكل الأحاديث من النَّبيِّ.

ثم التفت إلى الناس، وقال: صلّوا على الحبيب المصطفى.

قلت: يا شيخ ألم تتكلم قبل قليل عما كان يجري بين النَّبيِّ وزوجته في الفراش؟

الشيخ: لقد أَوْجَعت قلبي! ماذا تريد؟

قلت: يا شيخ كيف ينهى النبيُّ عن فعل مُشين، ثمَّ يمارسه هو، أو إحدى زوجاته؟

الشيخ: أعوذ بالله منك، ومن ملافظك! النَّبيُّ أطْهر خلق الله U، ولا يُمكن أن ينهى عن فعل مُشين، ثم يفعله.

قلت: وأنا أقول ذلك، وبِناء على ما تفضلت به يا شيخ أقول لك: إنّ الأحاديث المتعلِّقة بالحياة الزوجية الخاصَّة بالنَّبيِّ كلها كذب وافتراء، وحاشا للنبي، أو أمهات المؤمنين أن يتكلمن بما يجري معهن على فراش الزوجية.

 لذا؛ أطلب منك يا شيخنا الفاضل، أن تُدافع عن بيت النَّبيِّ وأهله، وتَذود عن عِرضه وخُصوصيته.

وضَجّ الناس، وعلت أصواتهم، وقال أحدهم بصوت عالٍ: إن هذه الأحاديث في كُتب الصِّحاح، وهي صحيحة رغم أنف الحاقدين، وهذا الرجل وهّابي لا يحب النَّبيُّ، فأردت أن أَرُدَّ عليه، فأمسكني رجل من يدي، وسحبني جانبًا، وقال لي: يا أخ انصرف بارك الله فيك، إنّ هؤلاء لا يكادون يفقهون قولًا، وإن بقيت فمن المحتمل أن يضربوك.

فانسحبت وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، اللهم زيّنا بالعقل والعلم.