كيكي نبي الدجاج
جمعتنا مع بعض الإخوة جلسة عامة، ومن عادة الإخوة أن يتم عرض بعض الأفكار، في الدِّين، والسياسة، وغيرهما للنقاش والحوار.
وحدث أن عرض أحد الإخوة مقولة (القرءان لا يحتاج إلى غيره في الفهم والدراسة)، وأن عملية فهمه ذاتية كامنة في داخله.
اعترضت وقلت: هل أفهم من كلامك أني أستطيع أن أحمل نسخة من المصحف فقط، وأذهب إلى رأس جبل وأعتكف هناك، وأقوم بدراسة القرءان، لأفهمه بمعزل عن التاريخ، والمجتمعات الإنسانية، والكون والعلم وتفاعل الناس؟
قال: القرءان هو المصدر الإلهي التشريعي الوحيد، ولم ينزل الله U وحيًا آخر.
قلت: يا أخي! ينبغي أن تُفرق بين مقولة: (القرءان لا يحتاج إلى أيِّ شيء من خارجه لدراسته، وفهمه)، ومقولة: (القرءان هو المصدر الوحيد للتشريع الإلهي)..
فأيهما تقصد؟
قال: كلاهما.
قلت: لقد ابتعدت عن الحقيقة، وخلطت الحابل بالنابل، وأسأت إلى دعوتك، فالأمر ليس كذلك، ويوجد فرق كبير بين القولين. فأنا أوافقك على قولك: (إن القرءان هو المصدر الوحيد للتشريع الإلهي)، ولكن أرفض وأتحفظ على قولك الآخر.
قال: لماذا؟ أليس القرءان كتابًا منزلًا من رب العالمين، ومحفوظًا من التحريف؟
قلت: ومن أنكر ذلك؟ لماذا تعرض أيَّ كلام لمجرد العرض والنقاش؟
قال: ألم يقل الله في كتابه:{ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام: 38]؟
قلت: رجعتَ إلى الاعتباطية في الاستدلال، وأضفتَ إليها صفة القطع، والقص، والوصل في مكان آخر، هذه ليست آية، وإنما جملة وجزء من آية، وإذا أرجعتها إلى مكانها من النَّص، تعرف ماذا يقصد الله U بكلمة (الكتاب) ؟
قال: ائتوني بالمصحف، حتى أعرف إلى ماذا ترمي، وما تقصد من قولك؟
وفعلًا أتوه بالمصحف، وفتح على سورة الأنعام آية (38).
قلت: اتل بصوت عال حتى نسمع معك؟
فقام بتلاوة النَّص {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام 38].
قلت: هل دلالة كلمة (الكتاب) في سياق النَّص تدل على القرءان؟
قال: لا، لا تدل على القرءان.
قلت: أرأيت كيف أن الأسلوب الاعتباطي، وأسلوب القص واللصق يوقعك في أخطاء كثيرة.
قال: ما وجه رفضك لمقولتي الثانية؟
قلت: إنّ القرءان كتاب رب العالمين، وقد تميز بأسلوبه ونظمه، وبالتالي، تميز بأسلوب التعامل معه ودراسته. فمن المعلوم أن موضوعات القرءان، لم يتم ترتيبها تاريخيًا، أو علميًا، وإنما توزعت الموضوعات، وتداخلت فيما بينها، وهذا اقتضى أن يكون للقرءان نظام خاص به للتعامل معه، ويقتضي ذلك أن ينص القرءان على نظامه في محتواه، وإذا درست القرءان بوعي، تصل إلى هذا النظام، وتستطيع أن تُخرجه بصورة قواعد، منها:
1- إسقاط النَّص على محلِّه من الخطاب (ربط النَّص بالواقع).
2– فهم النَّص القرءاني من خلال المنظومة القرءانية كلها (عدم الوقوع في التعضية).
3- تقاطع المنظومات مع بعضها وعدم تناقضها.
4- انسجام منظومة القرءان مع منظومة الكون (آفاق وأنفس).
5- فهم القرءان من خلال أبعاده العلمية (آفاق وأنفس).
6- فهم المادة القصصية من خلال البُعد التاريخي والعلمي.
7- فهم مجموعة من الأحكام السلوكية من خلال البُعد الثقافي.
وسأضرب لك مثلًا على الفهم الاعتباطي، وعملية القص واللصق، وعَضْوَضَةِ النَّص القرءاني، إلى أين يمكن أن تصل في فهمك، انظر إلى النَّص القرءاني الذي ذكرته أنت في بداية حديثك {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}، فلو أخذت هذا النَّص وقمت بعملية تقاطع مع نصٍّ آخر يقول: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24] إلى ماذا تصل بفهمك؟
قال: من خلال الظاهر، أصل إلى أن الحيوانات قد خلا فيهم نذير، بما أنهم أمم أمثالنا.
قلت: هل توافق على هذا الفهم والنتيجة؟
قال: بصراحة! لقد تفاجأت من هذه العملية المنطقية في تقاطع النُّصوص، وبعيدًا عن التأثر في التراث والاستغراب العقلي، أستطيع أن أقول ابتداءً:
إنّ القرءان ذكر ذلك، والأمر فوق مستوى العقل والفهم، فلا أملك إلا أن أتبع القرءان، وأقول ما يقول من باب الطاعة، والالتزام والإيمان.
قلت: إذًا؛ أنت تؤمن بوجود النَّبيِّ كيكي عليه السلام!
قال: ومَن النَّبيُّ كيكي هذا؟
قلت: عجبًا؛ ألم تقل بوجوب وجود نبي أو نذير لكل أمة، والحيوانات أمم أمثالنا! فأمة الدجاج عندهم نبي اسمه كيكي صلى الله عليه وعلى دجاجاته!
قال: مهلًا يا أخي! فالأمر غيبي، ولا أستطيع أن أُثبِت هذا النَّبيَّ كيكي، ولا أن أنفيه، ألم تقرأ خطاب الله U للسماء والأرض: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:11]، وقوله: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]، انظر لصفة الطاعة، أو الكره للسموات والأرض، وصفة عرض الأمانة، وعمليتي الرفض، والشفقة، أليستا من صفات عاقل، يملك إرادة حرة؟.
قلت: إنك بحاجة إلى عملية فرمتة، وتحديث لأنظمتك المعرفية! والوقت لا يسمح بذلك، وأنا منشغل بأمور أهم من ذلك، فإلى اللقاء يا صاحبي، وسلِّم لي على النَّبيِّ كيكي، وقل له: إن النَّبيَّ بطّوط يُسلِّم عليك!
اضف تعليقا