الرجال يرضعون في الأزهر
كنَّا مجموعة من الموظفين في مؤسسة من مؤسسات الدولة، ومن الطبيعي أن يكون معنا، وبيننا زميلات متزوجات، أو عازبات، وبعضهن يتبنين اتجاهًا دينيًا تراثيًا لا يَقُمن بشيء إلا بعد الرجوع إلى المؤسسات الدِّينية المعنية مثل مؤسسة الأزهر.
وكانت إحداهن تعمل في مكتب مع زميل لها بصورة منفردة دون وجود ثالث معهما، مما أثار الحرج في نفسها.
ورجعت إلى المؤسسات الدِّينية مستفتيةً أربابها بقضيتها، وأوجد لها هؤلاء حلًا رائعًا، وشغلها أمر تنفيذه إلى الدرجة التي تجلى تجهُّمًا على وجهها المربدِّ.
سألتها زميلتها زينب: يا حليمة! ما الذي جرى لك؟ لماذا أنت شاردة الذهن، كأنك تفكرين بأمر مهمٍّ؟.
حليمة: نعم يا زينب! يوجد أمر مهم، وأنا أفكر فيه، وأريد شخصًا أتبادل الحوار معه حتى أصل إلى قرار.
زينب: وما هو الأمر يا حليمة؟.
حليمة: أنتِ تعلمين أنني أجلس مع زميل لنا في مكتب واحد.
زينب: وما المشكلة في ذلك؟
حليمة: لقد نهى النَّبيُّ عن الخلوة بين الرجل والمرأة!
زينب: نعم! تابعي الحديث.
حليمة: لقد سألت مرجعًا في الأزهر؛ فأفتاني بإرضاع زميلي من ثَديي حتى يصير ابنًا من الرَّضاعة، وبالتالي؛ تباح الخلوة معه!
زينب: عجيب هذا الأمر! وكيف يرضع منك وهو رجل.
حليمة: لقد ذكرت ذلك للشيخ فقال لي: وَرَدَ عن النَّبيِّ أنه عالج مشكلة من هذا النوع، وسمح برضاعة رجل، وكان له لحية، والحديث صحيح السند عن النَّبيِّ، وموجود في كتب السُّنَّة، وعلى رأسها البخاري ومسلم!
زينب: ولكن كيف يمكن أن تُرضعيه من ثَديك ابتداءً، وهو يحَرم عليه رؤيةُ ثديك أو مسُّه؟ لأن أخوَّة الرَّضاعة أو بُنوَّتها تترتَّب بعد الرَّضاعة، وليس قبلها!
حليمة: ذكرت ذلك للشيخ أيضًا، وعرضت حلًا، وهو أن أقوم بوضع حليبي في كأس، ثم أُعطيه لزميلي ليشربه، فرفض ذلك، وقال: هذه العملية ليست رَضاعة، ولا بُدَّ من حصول عملية الرَّضاعة ذاتها من خلال وضع حلمة الثدي في الفم! والقيام بمصها لخروج الحليب، أما مسألة إباحة عملية الرَّضاعة ابتداءً، ومصِّ الثدي ورؤيته أو مَسّه، فهذا أمر أباحه النبيُّ، وليس لإنسان أن يرفضه، أو يستغربه أبدًا.
زينب: إذًا؛ يجب أن يمص زميلك ثديك، ويرضع الحليب حتى يصير ابنًا لك من الرَّضاعة، وبالتالي يباح الجلوس معه في مكتب واحد!
حليمة: هذا ما يُؤرِّقني، ولا أدري ماذا أفعل؟ وهل أخبر زوجي بذلك!
زينب: أنا أرى أن الامتثال لأمر الشيخ الذي يُمثل الدِّين؛ هو أهم من زوجك؛ لأن زوجك قد لا يرضى بتلك العملية.
حليمة: ماذا تشيرين عليَّ أن أفعل؟
زينب: اكتمي الموضوع عن زوجك في الوقت الراهن، وأخبريه بعد أن يصير زميلك ابنًا لك من الرَّضاعة، فيخضع للأمر الواقع!
حليمة: حلٌّ معقول ومناسب، ولكن هناك مشكلة، كيف أخبر زميلي أني أريد أن أرضعه؟
زينب: الأمر بسيط، غدًا أحضر إلى مكتبك، ونشرب الشاي معًا، ونفتح الموضوع بصورة حوار معه!
وفي اليوم الثاني حضرت زينب إلى مكتب زيد وحليمة، وألقت السلام عليهما، وجلست بعد أن طلبت الشاي للجميع من أبي وليد المسؤول عن طلبات الموظفين.
زينب: كيف حالك يا أستاذ زيد؟
زيد: الحمد لله رب العالمين؛ بخير، وأنت كيف حالك؟
زينب: بخير من الله U.
ونظرت زينب بصورة خفية إلى حليمة؛ وغمزتها بعينها تُريد منها أن تبدأ بالحديث! فرفعت حليمة حاجبيها! وهَزَّت رأسها يمينًا ويسارًا.
زينب: أخ زيد! يوجد سؤال أريد أن أسمع جوابه منك؟
زيد: مني أنا!
زينب: نعم! ألست رجلًا مثقفًا؟
زيد: نعم! لا بأس بثقافتي!
زينب: ما رأيك بمسألة الرَّضاعة للكبير؟
زيد: تقصدين الطفل الذي تجاوز مرحلة الرَّضاعة؟
زينب: لا! وإنما أقصد الرجل!
زيد: وكيف يرضع الرجل؟ ولماذا يرضع أصلًا! ألا يوجد له أسنان يستخدمها في عملية الضرس والهرس والمضغ! وضحك بصوت عالٍ!
زينب: أنا أسألك بصورة جدية، ولا يوجد ما يستوجب السخرية والضحك!
زيد: لم أفهم؟
زينب: اسمع يا زيد؟ الموضوع باختصار هو:……
وأطلعته على القصة كاملة!
فنظر زيد بذهول إلى حليمة! وأدار وجهه إلى زينب وقال:
هل أفهم من كلامك أن حليمة تريد مني أن أرضع حليبها ومن ثديها؟
زينب: نعم! هذا ما نُريد حتى تصير ابنًا لها من الرَّضاعة، ويرتفع حكم حرمة الخلوة في المكتب الوظيفي.
زيد: فقط في المكتب الوظيفي؟
زينب: بل الحكم ثابت في أيِّ مكان وزمان!
زيد: أفهم من كلامك أني أستطيع أن أزورها في بيتها وأدخل إليها ولو كانت وحدها!
زينب: نعم؛ ولكن هذا الأمر متوقِّف على طبيعة العلاقة والصداقة!
زيد: هل أنت يا حليمة موافقة على ما سمعت من زينب؟
حليمة: نعم لقد اتفقنا على الموضوع قبل أن نتكلَّم به!
زيد: بصراحة؛ لا أصدق ما أسمع! ولا أستطيع أن أتصوره.
حليمة: ليس من الضروري أن تصدق أو تتصور الأمر، وإنما المهم أن تُطيع أمر الشيخ.
زيد: بالله عليكن كيف أقوم بعملية الرَّضاعة؟ وأين؟
حليمة: نقوم بذلك في مكتبنا هذا لمدة ساعة كل يوم، حتى يصير المجموع خمس رضعات مُشبعات!
زيد: وإذا لم أشبع من خمس رضعات! قالها ساخرًا.
حليمة: أشعر أنك لم تأخذ الموضوع بصورة جدية! وما زلت تسخر منَّا؟
زيد: سوف أختصر الوقت وأخبركما بقراري!
زينب وحليمة: نتمنى ذلك، وكفاك سخرية!
زيد: اسمعا إذًا! ما أنتما إلا امرأتان سيئتان تريدان مراودتي عن نفسي، وأستغفر اللهَ U واستَعصِمُ بإيماني، وحبي لزوجي من أن أقبل بعرضكما المُشين، والمنافي للدِّين والأخلاق، وبئس النساء أنتما.
حليمة وزينب: لقد فهمت الأمر خطأ، فنحن شريفتان وملتزمتان بالحكم الشرعي! ولم نفعل ذلك حُبًا بالفعل، وإنما عرضنا ذلك قسرًا وبناء على فتوى شيخ أزهري!
زيد: تبًا لكما، ولهذا الشيخ، وما يخرج منه من سوء. حاشا للدِّين أن يحضَّ على الرذيلة، ويسمح للرجال بمص أثداء النساء! تبًا لكما، وله ألف مرة.
وتابع زيد حديثه قائلًا: سوف أُقدِّم للمدير طلب نقلي من هذا المكتب، الذي تُريدان أن تفتحاه مكتب رضاعة للرجال، وخرج غاضبًا وتوجَّه إلى المدير العام، وعرض عليه القصة؛ فانفجر المدير ضاحكًا؛ واستلقى على كرسيِّه، وقال ساخرًا: يا زيد! ماذا تريد أحسن من ذلك، تفطر في البيت، وتشرب الحليب الساخن في المكتب من الثدي مباشرة!
زيد: أنا أصر على طلب نقلي من مكتب الرَّضاعة هذا إلى غيره، وأتمنى ألا يكون فيه مرضعات!
المدير: كما تريد يا زيد، وافقت على نقلك.
وشاع الخبر في المؤسسة، وتناقلته الألسن بين مستغرب، ومذهول، أو معارض، أو موافق، أو ساخر.
وبعد يومين دخل صاحب البريد إلى المدير، ومعه كمية من الأوراق، ووضعها على مكتب المدير.
نظر المدير إلى أول ورقة، فقرأ فيها طلب انتقال من شاهر إلى مكتب حليمة، فعَضَّ على شفتيه ممتعضًا، وتابع قراءة الأوراق، التي كانت كلها طلبات انتقال من الموظفين إلى مكتب حليمة، عوضًا عن زيد!
اتَّجه المدير إلى مكتب حليمة، فلما وصل طالعه حشد من موظفيه الرجال واقفين في طابور كأنهم في مدرسة فسألهم: ماذا تفعلون هنا؟
أجابوا بصوت واحد: نعرض خدماتنا على السيدة حليمة حتى تختار من تريد أن يمص ثدييها! عفوًا! يرضع حليبها حتى يصير ابنًا لها، وبالتالي يستلم الوظيفة في مكتبها بدل زيد.
المدير: انصرفوا! وليرجع كل واحد منكم إلى مكتبه، وسوف أرفع الموضوع إلى الجهات المسؤولة لينظروا في حل هذه المشكلة العويصة.
وتم رفع كتاب يعرض المشكلة على الجهات العُليا، التي شكلت لجنة لدراسة القضية، واستعانت اللجنة بخبرة بعض مشايخ الأزهر، فوصلوا إلى حلٍّ مَفاده إنشاء وزارة الرَّضاعة وإنشاء أقسام تابعة لها، حيث يطلب من كل موظف أن يأتي إلى قسم الرَّضاعة المعني بوظيفته، ويقوم بمص ثدي أم حمدان، التي عُيّنت في مقام مُرضعة لهذا القسم ويصير كل الموظفين رجالًا ونساءً في القسم إخوة بالرَّضاعة، وتُحل المشكلة. وذلك درءًا للفتنة والفوضى، إذ لو قامت كل موظفة وأرضعت زميلها خمس رضعات مشبعات، ورفض زميلها عملية الفطام! وأصر على مص ثدييها، كونها صارت أمه بالرَّضاعة! لوقعت المرضعة في مشكلة كبيرة مع زوجها وأولادها من جانب، وزملائها سابقًا، وأبنائها من الرَّضاعة لاحقًا.
وانتشر القرار بين المؤسسات ووصل إلى الناس، فاستهجن معظم الناس هذا القرار! وقام العقلاء، والمفكرون، والمثقفون برفض هذا الأمر المُشين المنافي للدِّين والأخلاق، وبَيَّنوا في محاضراتهم ومقالاتهم أن الإسلام بريء من هذا العلاج، وأن عملية الرَّضاعة محصورة زمنيًا في القرءان منذ الولادة إلى بلوغ الرضيع عمر العامين فقط؛ بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233 ].
وأيُّ رضاعة بعد هذا السن؛ لا يترتب عليها شيء، أما رضاعة الرجل، فلا علاقة لها بالدِّين، وهي مسألة مُنافية للآداب والأخلاق، وقال بها من قال لحاجة في نفسه! وينبغي أن يُطبَّق عليها قانون العقوبات، لحماية النساء من مصِّ الأثداء!
وخرجت مظاهرات تُندِّد بالمشايخ الذين يدعون إلى الفجور، وتُطالب السلطة القضائية أن تُوقع بهم العقوبة الشديدة، وتمنعهم من التصدر للفتوى؛ لأن عملية الفتوى الشرعية، لا تكون إلا لله U، كما أخبر في كتابه إذ قال: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [النساء: 127]، وطالبوا بإصدار قرار صريح يُلزم الأزهر، وغيره من المؤسسات، التي احتكرت الدِّين كتابةً وثقافةً، أن تعتمد في كل أقوالها ودراساتها على القرءان ابتداءً، ولا تأتي بما يخالف القرءان أبدًا، وأيُّ حديث يُنسب للنبي العظيم، ينبغي أن يُعرض على القرءان أولًا، فإن انسجم معه ضمن كُلِّيَّاته ومُنطلقاته، وكان بين يديه؛ لا يتجاوزه أبدًا، يتم النظر في سنده، فإن صحَّ سندُه على غلبة الظن، لا مانع من نسبته إلى النَّبيِّ والاستشهاد به بعد الاستدلال والبرهنة في النَّص القرءاني على المسألة المعنية بالدراسة.
وكل من يخالف ذلك، يُعَرّض نفسه للعقوبة والجزاء.
وتابعت المظاهرة سيرها تُندد بالأزهر الذي يسمح لبعض من شيوخه بالقول بمص أثداء النساء بحجة رضاعة الكبير!
اضف تعليقا