مفهوم الصلاة وأوقاتها و أطراف النهار

ينبغي أن نتحرر من المفهوم الذي يقفز للذهن حينما ندرس مفهوم قرءاني أو علمي، فيظن بعضهم أن للنهار طرفين قياساً على طرفي الحبل، وينسى أو يتغافل أطراف الطاولة الأربعة مثلاً، أو الأطراف الأربعة للإنسان، لذلك ينبغي عدم التسرع في الحكم على الشيء والانتباه لطبيعة هذا الشيء ووجوده في الواقع، فمثلاً الشكل الرباعي المسطح له أربع أطراف، أما الشكل الكروي فكل جهة منه تصلح أن تكون طرفاً له فهو متعدد الأطراف ومتجاوز الأطراف الأربعة، انظروا مثلاً أيضا للمسنن الدائري كم طرف له ؟.

النهار والليل ظاهرتان فيزيائيتان تحصلان بشكل متعاقب على الكوكب الأرضي نتيجة دوران الأرض حول محورها الذاتي مع حركتها بشكل لولبي مندفع إلى الأمام مع جريان الشمس فيحصل تعاقب الليل والنهار على الكوكب الأرضي، وعملية تعاقب النهار ليست دفعة واحدة بحيث يكون وقت واحد فقط وإنما يكون على مراحل زمنية متعاقبة متصلة مع بعضها، وكون هذا التعاقب للنهار يظهر على كتلة  كروية غير منتظمة كمثل حبة البطاطس الكبيرة وفق مراحل زمنية ظهر للنهار أطراف وهو بمعنى درجات تعاقب النهار وانتقاله من حالة زمنية  إلى حال زمني آخر ، وهذا ملاحظ في حركة النهار واختلاف درجة حرارته.

والخطاب القرءاني هو خطاب متعلق بالواقع كما هو ، وهذا من إحكام القرءان وتطابق الخطاب مع محله من الواقع كونه من لدن عزيز عليم ، لنقرأ في القرءان كيف وصف الخالق النهار وهل له طرفين فقط أم متعدد الأطراف.

{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }الرعد411

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى }طه130

النص صريح في أن الأرض كتلة لها أطراف متعددة وليس طرفين ، وللنهار مجموعة أطراف وليس مجرد طرفين كونه متعلق بطبيعة الأرض وأطرافها .

لذلك من الخطأ الفاحش أن يأخذ أحدهم نصاً واحداً وهو {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود141 ، ويدعي أن للنهار طرفين فقط، وهذا مخالف للواقع المشاهد وللخطاب القرءاني الصريح في أن النهار له أطراف كثيرة متعددة .

اقرؤوا هذه النصوص كمثل على أطراف النهار وليس للحصر؟

1- الصبح

{وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }التكوير18

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }الروم17

2- شروق الشمس

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ }الحجر73

{فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ }الشعراء60

3- البكور

{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً }مريم11

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الفرقان5

{وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الإنسان25

3- الضحى

{وَالضُّحَى }الضحى1

{وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ }الأعراف205

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }النور36

4- الظهيرة

{ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ }النور58

5- قبل الغروب

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ }ق39

6- المساء

{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ }الروم17

7- الأصيل

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ }النور36

يبدأ النهار منذ ظهور الضياء وحصول عملية الإبصار، {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }الإسراء12

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }يونس5

وهذا يعني أن وقت الفجر ليس طرفاً للنهار لغياب الضياء وانتفاء الإبصار، فهو بين بين لا ليل ولانهار وإنما هو حالة انفجار انتقالي من ليل إلى نهار ولذلك أتى نص واستخدم كلمة الفجر ليحدد وقت الصلاة بها، وكذلك وقت العشاء ليس من أطراف النهار فهو يحصل في العتمة مع غياب تام للضياء والإبصار .

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء }النور58

إلى الآن ظهر معنا أن الصلاة مرتين في النهار بطرفين مختلفين ( الظهر والعصر) ، وظهر معنا صلاة الفجر وصلاة العشاء، وبقي صلاة المغرب وهي في قوله تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78، فوقت غسق الليل هو غياب الشمس تماماً وولوج  الليل في النهار وهي حالة مثل حالة وقت الفجر  عندما يولج النهار في الليل{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }الحج61،

اقرؤوا أيضاً:

{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى }طه130

التسبيح بحمد الرب يشمل مفهوم  الصلاة أيضاً، وانظروا في النص كم وقت أتى؟

–       قبل طلوع الشمس هو وقت الفجر إلى الصبح.

–       قبل الغروب هو وقت صلاة العصر.

–       ومن آناء الليل المغرب والعشاء.

–       وأطراف النهار يشمل صلاة الظهر وأي صلاة تطوع وتقرب لله مثل صلاة الضحى .

–        والنص هو خطاب توجيهي وتعليمي للنبي ولمن يقوم مقامه بعده في الدعوة والتعليم

مفهوم الصلاة

إن كلمة الصلاة من الصلة التي تدل على العلاقة والالتزام . ومن هذا الوجه أتى استخدام كلمة الصلاة في القرآن على أوجه عدة :

1- الصلاة بمعنى الالتزام بالدعاء

[ وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ] التوبة 103

2- الصلاة بمعنى الالتزام بالتأييد والنصر والتوفيق

[ إن الله وملائكته يصلون على النبي ] الأحزاب 56

3- الصلاة بمعنى الالتزام والولاء والدفاع والتكتل

[ يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ] الأحزاب56

4- الصلاة بمعنى الالتزام بأوامر الله والعلاقة به

[ ما سلككم في سقر ، قالوا لم نك من المصلين ، ولم نَك نطعم المسكين ، وكنا نخوض مع الخائضين ، وكنا نكذب بيوم الدين ] المدثر 24- 46

[ أرأيت الذي يكذب بالدين ، فذلك الذي يدع اليتيم ، ولا يحض على طعام المسكين,فويل للمصلين ، الذين هم عن صلاتهم ساهون ، الذين هم يراءون ويمنعون الماعون ] الماعون

5- الصلاة بمعنى الالتزام بالشيء لصقاً واتصالاً .

[ فنزل من حميم ، وتصلية جحيم ] الواقعة 94

[ كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون،ثم إنهم لصالوا الجحيم ] المطففين 16

[خذوه فغلوه ، ثم الجحيم صلوه ] الحاقة 31

6- الصلاة بمعنى القيام بالتزام فعل محدد من قيام وركوع وسجود يتخلله ذكر وخشوع لله ضمن وقت معين مستقبلين بوجوهنا المسجد الحرام .

[ وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ] الحج 26

[ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. ] المائدة 6

والذين يهمنا في بحثنا هو الصلاة التي هي التزام وعلاقة بصورة معينة ضمن وقت محدد وهي الصلاة المعروفة من قيام وركوع وسجود . فالصلاة المعنية بالبحث ليست هي مجرد التزام بعلاقة تفكر وتأمل أو دعاء ، أي ليست هي حالة وجدانية نفسية فقط ، وإنما هي فعل وحركات معينة يتخللها ذكر ودعاء وفكر وتأمل وخشوع . لنر ذلك من خلال الآيات :

1- [ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم .. ]المائدة 6

حرف(إذا) يدل على حتمية ووجوب مايأتي بعده، وهذا يدل على وجوب أداء الصلاة التعبدية التي يشترط لها الطهارة البدنية المذكورة في النص.

فالصلاة ينبغي أن نقوم إليها لنؤديها بعد أن نستعد لها بالطهارة .

2-[ فلنوليك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره] البقرة 144 فالصلاة تكون في التوجه شطر المسجد الحرام .

3- [ وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ] النساء 142

4- [ ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ] التوبة 54

5- [ وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ] المائدة 58

إذاً الصلاة هي التوجه إلى بيت الله الحرام, والقيام بفعل وحركات معينة يتخللها ذكر ودعاء وتأمل وفكر ضمن أوقات موزعة على اليوم والليلة .

لنر الآن الحد الأدنى من الحركات المؤلفة منها الصلاة التي اصطلح عليها باسم الركعة .

قال تعالى : [ وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود ] الحج 26

وقال [ يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم ] الحج 77

فمقومات الركعة هي : القيام والركوع والسجود.

لنر الآن أن الصلاة المطلوبة هي ركعتان كحد أدنى قال تعالى :

[ وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ].. النساء 101

[ ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك .. ] النساء 102- 103

فواضح من كلمة ( القصر ) أن الصلاة  كحد أدنى ركعتين ، لأن الركعة الواحدة لا تقصر ، كما أن النص الآخر يدل على أن الفئة الأولى صلت ركعة واحدة ، وأتت الفئة الثانية لتصلي في الركعة الثانية .

ولا ننفي عن النصين الأفهام الأخرى المتعددة التي يحتملها خطاب النصين معنوياً على كافة الأبعاد .

إذاً وصلنا الآن إلى أن الصلاة هي توجه إلى المسجد الحرام بوجوهنا والقيام بفعل من ركوع وسجود يتخلله الذكر والخشوع لله, مؤلف كحد أدنى من ركعتين.

وينبغي العلم أن مفهوم السنة غير مفهوم الحديث، ومجموع الأدعية و الأذكار في داخل الصلاة أتى عن طريق الأحاديث وهي كلها مندوبة وليس ركناً في الصلاة ،فمثلاً عندما نزل النص {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى }الأعلى1،قال النبي اجعلوها في سجودكم ، وعندما نزل نص {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ }الحاقة52، قال اجعلوها في ركوعكم، وعلمنا أن نقرأ الفاتحة في حالة القيام والتشهد في حالة القعود ، وهذه الأمور الأولى الالتزام بها مع صحة الصلاة باختيار غيرها من الأذكار والأدعية على نمطها من القرءان .

إذاً؛ الصلاة أتت في القرآن بأركان الركعة الواحدة من حيث القيام والركوع والسجود, وشرطية الطهارة لأدائها، وأتت الصلاة أنها ركعتان كحد أدنى, وأتت أن الصلاة هي مجموعة من الصلوات الموزعة على مدار اليوم والليلة, وتم تحديد الأوقات الخمسة لأدائها كحد أعلى وجوباً،  والحد الأدنى  وقتين فقط ركعتين فجرًا وركعتين مساءً، أما تحديد عدد الركعات في الصلوات التي هي أكثر من ركعتين فقد أتت عن طريق السنة الرسالية المتتابعة في الأمة [صلوا كما رأيتموني أصلي ] وهي ممارسة عملية مشاهدة بالعين وليس أحاديث منقولة بالرواية، وكما هو مشاهد ليس ذلك تشريع مستقل عن الكتاب ، فحكم الصلاة أتى في القرآن وشرط الطهارة والأوقات من اثنين إلى  الخمسة ومقومات الركعة الواحدة من حيث القيام والركوع والسجود ، كل ذلك أتى في القرآن ، فالسنة الرسالية لم تأت بحكم, وإنما أتت بكيفية متعلقة في عدد ركعات الصلاة لكل وقت فقط لا غير, وبالتالي من الغلط الإتيان بمثل الصلاة على أن السنة تشرع مع القرآن وهي مصدر تشريعي ، فكما لاحظنا أن السنة هي تابع وملحق عملي متعلق بعدد ركعات الصلاة فقط ، ولا تَبْتَدِئُ تشريعاً بذاتها ، فضلاً عن نفي استقلالها في التشريع عن القرآن ، وإنما هي بين يدي القرآن تسير بهديه وتستضيء بنوره ، لا تزيد عليه ، ولا تخصص عمومه ، ولا تقيد مطلقه ، فالقرآن أصل وأساس وقاض ومهيمن على كل الأفهام ، والواجب ما أوجبه القرآن ، والحرام ما حرمه ، والحلال ما أحله .

ووصول عدد ركعات الصلوات إلينا لا ندين به إلى السند ، ولا يوجد منيّة لأحد علينا أبداً ، لأن ذلك وصل من خلال التتابع العملي في كل مجتمع ، مع توسع دائرة التتابع كلما تقادم الزمن ، ومثل ذلك مثل تتابع النص القرآني إلينا  فالتتابع لا يحتاج إلى سند ، لأنه ممارسة مجتمع شاهد يتبعه أبناؤه مع توسع دائرة التتابع مع الزمن , لذلك يفيد الحدث المتتابع  الحصول القطعي ضرورة ، ويحيل العقل كذب الحدث المتتابع ، فما بالك إذا كان التتابع مرتبط بسنة تعبدية تعتمد على حكم قرءاني ، والعمل أقوى من الخبر في إثبات شيء , مع العلم أن الصلاة بصورتها الحالية من قيام وركوع وسجود  كانت معروفة فيما سبق من أيام النبي إبراهيم عليه السلام ، انظر قوله تعالى :

[وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والركع السجود …] البقرة 125

وقد أمر الله أهل الكتاب بالصلاة والزكاة والركوع مع الراكعين بقوله تعالى :

[ يا بني إسرائيل .., وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين] البقرة 40-43

[ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين …] آل عمران 43

فالصلاة لم يبتدئ تشريعها في القرآن، وإنما هي موجودة منذ بدء أول رسالة إلهية للناس، وتناقلتها الأجيال بصورة عملية، فهي سُنَّة الرُّسُل جميعاً، والقرآن ثبَّتها. من حيث الالتزام بخمسة أوقات كحد أعلى وزيادة في عدد الركعات لصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهي زيادة مندوبة ثابتة التزمها النبي والصحابة حسب طبيعة المكان جغرافيَا وظروف الناس، وتتابع هذه الصورة في الأمة لا ينفي صحة صور الصلاة  الثابتة في القرءان من حيث الوقتين وثلاثة أوقات وخمسة أوقات ومقومات الصلاة الركعتين، ويترك حرية الاختيار للناس وظروفهم.

أمَّا زيادة عدد ركعات الصلاة أكثر من اثنتَيْن؛ فهذا الأمر أتى للرسول محمد، وحياً عملياً، وأوصله للناس كذلك (صلُّوا كما رأيتُمُوني أصلِّي) لاحظ الأمر متعلق بفعل الرؤية وليس كما سمعتموني!، فأُضيفت سُنَّة الرسول محمد إلى سُنَّة الرُّسُل السابقين (صلَّى الله عليهم، وآلهم جميعاً) لتصير الصلاة بشكلها المعروف ضرورة، وتتابعت ممارستها في  الأجيال كذلك.

والسؤال؛ مَن الجهة التي زادت في عدد الصلاة أكثر من ركعتين، وهل هذه الزيادة تأخذ حكم الأصل أم هي بحكم  المندوب وليس واجبًا!.

زيادة عدد ركعات الصلاة أكثر من اثنتَيْن؛ فهذا الأمر كان من اختيار النبي اقرؤوا هذه الروايات:

1- حَدَّثَنَا الحَكَمُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ، يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ بِالهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَأْخُذُونَ مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ فَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، فَصَلَّى النَّبِيُّ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ. أخرجه البخاري

2- عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاَةَ حِينَ فَرَضَهَا، رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الحَضَرِ» أخرجه البخاري

أما الأذكار والأدعية في داخل الصلاة فهي من اختيار النبي تأول ذلك من خلال القرءان، وهو اختيار موفق الأولى الالتزام به مع صحة اختيار غير ذلك من القرءان على نمطه.

وينبغي أن تعلموا أن هذه الصلاة التعبدية ليست من أركان الدين الإسلامي كما هو شائع بين معظم المسلمين وإنما هي مجرد أمر واجب وجدانيًّا، والصلاة التي هي ركن في الدين الإسلامي هي الصلاة الاجتماعية التي تتعلق بصلة الناس بالعمل الصالح، فأركان البناء تكون في بدايته وليس في نهايته، وهذا يعني أن أركان الدين الإسلامي موجودة منذ بدء الوعي الإنساني وهي ثابتة  ولا تتغير مع الزمن ويقوم البناء عليها، وأركان الدين الإسلامي هي ثلاثة فقط:

الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح وفق منظومة القيم والأخلاق، اقرؤوا:

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة: 62].

{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [الشورى:13].

{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [البقرة:132].