كلمة سواء للناس

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64
أمر إلهي للمسلمين أن ينادوا أهل الكتاب ومن يتبعهم حُكماً مثل الشيعة واهل السنة وغيرهم من كل الملل، إلى اتباع مفهوم هو محل قَبول لدى الجميع، وليس دعوة لاتباع الملة الفلانية أوالمجتمع الفلاني والدخول بنظامه ، وإنما دعوة للتعايش السلمي وفق مفاهيم معينة ويبقى كل مجتمع قائم بكيانه وفق ثقافته وتطلعاته وظروفه، والمفاهيم العامة هي :
1- (أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ)
ومفهوم العبادة تمثل بالطاعة المطلقة فيما لايطاع فيه إلا جهة مغايرة في وجودها للناس وتتمثل بالعلم والحكمة والقوة والقيومية، وهذه الطاعة تمثلت بمجموعة من الأوامر التي تعلقت بالإنسانية وليس بالقومية وهي الوصايا العشر والقيم والأخلاق في الجانب التكليفي السلوكي الاجتماعي، وتمثلت بالجانب السنني الكوني على صعيد الآفاق والأنفس فهي أيضاً من أوامر الرب وينبغي طاعتها وعدم الخروج عنها، ولانتدخل بالنوايا وتصورات الناس ومفاهيمهم القلبية.
2-( وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً)
الشرك بالله يكون من خلال نفي عن الوجود النظام السنني الذي يحكمه والاعتقاد بعبثيته أو سرمديته، أو تنصيب النفس أو جهة معينة ناطقة باسم الله تحرم وتحلل وتشرع للناس خلاف ما شرع الله من شرع إنساني وتعطيه صفة الدوام والثبات وإلزام للناس به كدين إلهي.
3- (وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)
إتخاذ الأرباب بمعنى جعل بعضنا بعضاً في مقام الرب كتدبير وعناية وإدارة لازمة لأمورنا وطاعتهم طاعة عمياء دون علم ولابرهان، والتعلق بهم وعدم القدرة عن الاستغناءعنهم وجعل الحياة متوقفة على بقائهم وتدبيرهم لشؤوننا، مثل تعلق الشعوب العربية بحكامهم فقد اتخذوهم أرباباً من دون الله ، ومثل الكهنوت الذي يُنَصِّب نفسه جهة مُشَرِّعة مع الله أو من دونه مالم يُشَرِّعه الله.
هذه هي دعوة الحنفاء المسلمين لكل الشعوب على مختلف الملل دينية أولادينية ، دعوة إلى الحرية والكرامة والتفكير والإنسانية والسلم والسلام ..، وليست دعوة للدخول أو الإنتماء إلى ملة أو جماعة أو دولة معينة والخضوع لها، إنها دعوة للتعايش السلمي والتعارف والتعاون وفق منظومة أخلاقية قِيَمِيّة اجتماعية لايرفضها العقلاء أو أي مجتمع إنساني في أي بقعة كان.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13
{إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً }الإسراء9
والإسلام كدين هو مفهوم ومضمون وليس ألفاظاً أو أسماءاً، ولذلك ينبغي أن نتعامل مع المضمون ونتجاوز الأسماء التي قد يختارها الناس لانتمائهم، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62 ومن هذا الوجه كان الدين الإسلامي دين الإنسانية الذي اختاره الله للناس جميعاً، ولايملك الباحثون عن الحقيقة والخير للناس والرشاد إلا بتبني مفاهيم الإسلام سواء أخذوها من الدين أو وصلوا إليها بأنفسهم فالأمر سيان، وذلك لأن الإسلام يقوم على الفطرة والتفكير والعلم والحرية والتعايش والتعارف والتعاون، وحضَّ الناس على أن يكونوا إخواناً متحابين، والخروج على هذه المنظومة هو خروج على الإنسانية ورفض لها، وبالتالي لن يقبل الناس فكر هذا الخارجي سواء تمثل بفرد أو جماعة أو حزب أو دولة أو أمة.
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ }آل عمران19، ومفهوم عند الله يعني عند الناس جميعاً الذي يوافق سنن الله في الخلق ومنها الفطرة ومنها الحرية فهي سُنَّة نفسية في الإنسان.
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً }الكهف29