نماذج عن أدلة من ينفي وجود مكة في شبه الجزيرة العربية ويدعي أنها البتراء

استجابة لطلب بعض الأخوة الأعزاء ونزولاً عند رغبتهم قمت بكتابة سريعة ونقاش فكرة أن مكة هي البتراء! وكتبت بداية الدليل الذي اعتمدوه وتحته تعليقي أو نقاشي يبدأ بكلمة الجواب، والله ولي التوفيق
1- عدم وجود محراب في المساجد القديمة، وقد ظهر المحراب في القرن الثاني لظهور الإسلام، وهذا يدل على نفي تحديد جهة القبلة وكان المصلون يدخلون إلى المسجد ويصلون للجدار الذي يقابل باب الدخول ، وكل مسجد له قبلته حسب جهته، وهذا يدل على عشوائية اتجاه القبلة واعتباطية ذلك !
– الجواب
هذا كلام مرسل وجزافاً لاقيمة له علمياً، وهو تصور وظن وتخمين وخيال ، نفي وجود محراب في المساجد ليس برهانا لنفي تحديد القبلة عند المسلمين في صلاتهم ، لأن استقبال القبلة أمر ديني ثقافي وليس أمراً متعلقاً بجهة بناء !
2- كانت المساجد الأولى التي بنيت متجهة نحو الشمال (البتراء) وتم تغيير جهة القبلة في عصر الأمويين
– الجواب
هذا الكلام تدليس وجهل لم يكن للمساجد أصلاً جهة قبلة كبناء ( محراب) كما قال في البند الأول ، وإنما كان المصلون يتجهون لجهة معينة ثابتة في صلاتهم، وحصل أنه نزل أمر إلهي خارج القرءان باستقبال جهة الشمال( وهي قبلة فلكية وليست مكانية بمعنى لاعلاقة للقدس ولا للبتراء بها ) في الصلاة لفترة معينة ، ومن ثم نزل نص قرءاني بإرجاع اتجاه القبلة في الصلاة إلى القبلة الأولى وهي الكعبة ، ولم يكن يوجد إلابضع مساجد حينئذ مسجد قباء ومسجد النبي والمسجد الذي اشتهر فيما بعد باسم مسجد القبلتين ، وكان النبي والمصلون يصلون في هذا المسجد متجهين إلى جهة الشمال فنزل نص قرءاني على النبي يأمره أن يستقبل جهة الكعبة وهو يصلي، وتلا عليهم النص وهم يصلون فاستجابوا للأمر واستدار هو ومن معه نحو جهة الكعبة، ومن هذا الفعل سمي المسجد بمسجد القبلتين! وبعده بفترة تم بناء مسجد صنعاء الكبير ومسجد الجند في اليمن ليصير بناء خمسة مساجد في زمن النبي وبمعرفته وكلها يتجه المصلون في صلاتهم إلى جهة الكعبة في مكة المعروفة، وتتابع ذلك واستمر في الأمة ، وعندما تم توسع في هذه المساجد كبناء لاعلاقة لذلك بتغيير القبلة لأن القبلة أمر ثقافي ديني محفوظ بثقافة الأمة وهو سنة متتابعة فهم يصلون باتجاه الكعبة ، وتم وضع علامة في كل مسجد لتدل على اتجاه القبلة وظهر التجويف في الجدار (المحراب) في القرن الثاني، وفي زمن عمر بن الخطاب تم بناء مسجد الكوفة وبناء مسجد عمرو بن العاص في مصر وكان المصلون يتجهون في صلاتهم نحو الكعبة في مكة ، وهذه المساجد السبعة مشيدة من حيث البناء وقبلتها ثابتة نحو مكة ولم يكن للأمويين وجود بعد !!!!
هذا الحدث ثابت تاريخياً وثابت ثقافة ، واليقين لايزول إلا بيقين مثله ، ولذلك لاقيمة لأي شبهة أو رواية -على افتراض وجودها- تنقض هذا الحدث الثابت .
3- قالوا: لماذا حفر النبي الخندق بغزوة الأحزاب من جهة شمال المدينة وليس من جنوبها ؟ هذا برهان على أن مكة هي في شمال المدينة وليس جنوبها وليس هي إلا البتراء في الاردن .
– الجواب
هذا سؤال وشبهة وليس برهاناً ولادليلاً على شيء، وواضح أن القائل يريد أن يثبت شيء في ذهنه مسبقاً.
ومع ذلك تعالوا لنقرأ لماذا تم حفر الخندق من جهة شمال المدينة وليس جنوبها رغم أن مكة هي في جنوب المدينة :
حفر الخندق
كانت استخبارات الدولة الإسلامية على حذر تام من أعدائهم؛ لذا فقد كانوا يتتبعون أخبار الأحزاب، ويرصدون تحركاتهم، ويتابعون حركة الوفد اليهودي منذ خرج من خيبر في اتجاه مكة، وكانوا على علم تام بكل ما يجري بين الوفد اليهودي وبين قريش أولاً، ثم غطفان ثانيًا.[1]
وبمجرد حصول المدينة على هذه المعلومات عن العدو شرع الرسولُ محمدٌ في اتخاذ الإجراءات الدفاعية اللازمة، ودعا إلى اجتماع عاجل حضره كبار قادة جيش المسلمين من المهاجرينوالأنصار، بحث فيه معهم هذا الموقف.[34] فأشار الصحابي سلمان الفارسي على الرسولِ محمدٍ بحفر خندق، قال سلمان: «يا رسول الله، إنا إذا كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل، خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن تخندق؟»، فأَعجب رأيُ سلمان المسلمين.[29][35] وقال المهاجرون يوم الخندق: «سلمان منا»، وقالت الأنصار: «سلمان منا»، فقال الرسولُ محمدٌ: «سلمان منا أهل البيت».[36]
وعندما استقر الرأي بعد المشاورة على حفر الخندق، ذهب الرسولُ هو وبعضُ أصحابه لتحديد مكانه، واختار للمسلمين مكانًا تتوافر فيه الحمايةُ للجيش. فقد ركب الرسولُ محمدٌ فرسًا له ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فارتاد موضعًا ينزله، فكان أعجبَ المنازل إليه أن يجعل “جبل سلع” خلف ظهره، ويخندق من “المذاد” إلى “جبل ذباب” (أكمة صغيرة في المدينة يفصل بينها وبين جبل سلع ثنية الوداع) إلى “راتج” (حصن من حصون المدينة لأناس من اليهود)، وقد استفاد الرسولُ من مناعة جبل سلع (وهو أشهر جبال المدينة)[37] في حماية ظهور الصحابة.[1]
كان اختيار تلك المواقع موفقًا؛ لأن شمال المدينة هو الجانب المكشوف أمام العدو، والذي يستطيع منه دخول المدينة وتهديدها، أما الجوانب الأخرى فهي حصينة منيعة، تقف عقبةً أمام أي هجوم يقوم به الأعداء، فكانت الدور من ناحية الجنوب متلاصقة عالية كالسور المنيع، وكانت “حرة واقم” من جهة الشرق، و”حرة الوبرة” من جهة الغرب، تقومان مقام حصن طبيعي، وكانت آطام بني قريظة في الجنوب الشرقي كفيلة بتأمين ظهر المسلمين، إذ كان بين الرسولِ محمدٍ وبني قريظة عهدٌ ألا يمالئوا عليه أحداً، ولا يناصروا عدوًا ضده.[38]
4- قالوا: جغرافية مكة في القرءان كصفات مختلفة عن صفات مكة الحالية .
وضربوا مثل على ذلك نص: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ }فاطر27، وقالوا : هذا النص خطاب للنبي ويصف طبيعة جبال مكة ، وهذاالوصف غير متحقق بمكة الحالية وإنما متحقق بالبتراء وهذا دليل على أن مكة في القرءان هي البتراء.
-الجواب
هذه الشبهة مردها إلى الجهل بمنهج القرءان وإغفال عالميته، ففعل طلب الرؤية سواء بصيغة الفرد كالنص السابق أو الجمع مثل النص هذا : {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }النحل48، هو خطاب للناس جميعاً للتفكر والدراسة والرؤية والبحث، وماكان خاصاً بقوم يأت خلال السياق مايدل على ذلك مثل : {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ }الأعراف148، رغم أن سؤال الرؤية الاستنكاري مستمر بالمفهوم لكل من شابه تفكيره وفعله قوم النبي موسى .
فالنص المعني بالنقاش هو نص عام إنساني الخطاب يصف حالة كونية قد يتحقق صفات الجبال في مكة أو في غيرها ، وقد تخرج الثمار في مكة أو في غيرها ، فالمهم هذه الظاهرة موجودة على الأرض وهي محل للتدبر والتفكر والدراسة ، لذا؛ لاقيمة لشبهتهم تلك علمياً ولاقرءانياً ولامنطقياً ولم تنهض إلى مستوى شبهة دليل!
5- قالوا: إن مدينة قوم النبي لوط هي بجوار البتراء ، والنص القرءاني يقول: {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ } {وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ }الصافات137- 138، وهذا خطاب لقوم النبي محمد ويدل على أن مدينة قوم النبي لوط بجوارهم ، وهذادليل على ان مكة هي بالبتراء.
6- – الجواب
لم يثبت علمياً أن مدينة قوم النبي لوط في الاردن وهذا خبر أتى نتيجة تأثر المنقبين بكتب اليهود، لذلك لاقيمة للخبر قط، والصواب هو إثبات موضع مكة أولاً وبعد ذلك إثبات محل مدينة قوم النبي لوط.
7- قالوا: يوجد مسجد في الصين يرجع بنائه إلى عصر النبي محمد واتجاه قبلته إلى البتراء.
– الجواب
هذا دليل طريف ومضحك لدرجة السخرية ، فأي طالب علم يعلم أن الإسلام لم يصل إلى الصين في عصر النبوة، وبالتالي فالخبر كذب، ومع افتراض وجود هكذامسجد في الصين أو في غيرها فيكون قبلته خطأ لاشك بذلك ولايصلح هذا برهان على شيء لأن الفكرة لاتدرس هكذا !
هذه طريقة تفكير من ادعى أن مكة في القرءان هي البتراء وهي موضع نشوء الإسلام وولادته، وأظن أن ماعرضته من تهافت دلائلهم كاف للحكم على بقية مايعرضون من أدلة وشبهات وإظهار زيف فكرتهم وبطلانها، ولم أتعرض لبرهان القرءان على مكة وصفاتها وأنها وادي غير زي زرع وما شابه ذلك لثبوت مكة يقيناً كما هي معروفة في التاريخ والثقافة الإسلامية المتتابعة في الأمة