نقاش رأي من ينفي الصلوات الخمسة

كثر النقاش واللغط في موضوع الصلاة المتتابعة في الأمة ومشروعيتها وكيفيتها، وذهب بعض من ينتسب للمدرسة القرءانية بإنكار مفهوم الصلاة الطقوسي وعدَّ ذلك رمزاً وليس حركات تؤدى، وذهب آخرون إلى نفي مشروعية الصلوات الخمسة ووصف من يقول بها بالجهل أو التقول على الله أو التشريع في الكتاب مالم يشرع الله أو تقليد الآباء المذموم ، وأن الصلاة في القرءان هي اثنتين أوثلاثة بركعتين فقط لكل صلاة ، وجعلوا من ذلك قضية كبيرة وقاموا بنشر عشرات المنشورات لنفي تلك الصلاة وأثاروا البلابل والفتن بين المسلمين والقراء وخاصة حديثو العهد بالمنهج القرءاني، ولذلك سوف أعرض الموضوع بشكل أسئلة اصولية منهجية ليعلم هؤلاء خطئهم وقصورهم وغلوهم فيما ذهبوا إليه.
بداية؛ أسلوب الرمز في القرءان لايتناول نصوص الأحكام والتكليف أبداً لأن تلك النصوص يترتب عليها تبيين حكم حرام وحلال وواجب ولابد أن تكون محكمة ليصح الحساب عليها ، وإلا انتفى الحساب والمسؤولية إن كانت النصوص رمزية أو متشابهة، وفي حال أتى نص رمزي أو متشابه في الأحكام يعني ذلك نقض الخطاب القرءاني التشريعي وأنه ليس من عند الله لنقضه للعدل والحكمة الإلهية لاحتمالية دلالة النص لعدة احتمالات ولانعرف أي منها المطلوب والذي يترتب عليه الحساب وصار النص عرضة للاختلاف في الفهم ، ولذلك سقط مفهوم الرمز لأحكام التكليف ولايصح نقاشه أو حوار أصحابه .
يرجى مراجعة منشوري للتوسع في هذه الفكرة

– أسلوب الرمز في القرءان عام أم خاص، والرد على الرمزيين

– أسلوب الرمز في التنزيل الحكيم

أما الفريق الآخر الذي نفى وجود الصلوات الخمسة وقال: إنها اثنتين أو ثلاثة وذم من يقول بأنها خمسة واتهمهم بالجهل واتباع الآباء والتشريع مع القرءان سوف أعرض عليهم نقاط للتفكير ونقاشها وهي أسئلة أصولية:
1- هل الصلاة لله بحد ذاتها مشروعة في الدين أم لا، بصرف النظر عن عدد مرات الصلاة ؟
ج- حسب قولهم بوجود صلاتين أو ثلاثة فهم يقرون بمشروعية الصلاة في الدين، وبالتالي الخلاف ليس بالمشروعية لأصل الشيء كتشريع أو تكليف، وبالتالي بطل قولهم: إن من يقول بوجود خمس صلوات مشرع مع الله.
2- هل هيئة الصلاة كمقومات الركعة المعروفة اصطلاحاً من قيام وركوع وسجود صفات أتت في القرءان أم هي من خارجه؟
ج- لاشك أن هيئة الصلاة ومقومات الركعة قد ذكروا في القرءان، وهذا معروف لكل من يقرأ القرءان، وهذا يدل على أن أداء الصلاة بهذا الشكل من قبل المسلمين لايخالف القرءان فليس هو بدعة ولاتشريع ولاتقول ولاافتراء.
3- هل مفهوم القيام للصلاة والركوع والسجود أتى في الاستخدام القرءاني بدلالة معنوية فقط ولم تأت هذه الألفاظ بدلالة شكلية تعبر عن المفهوم المعنوي ؟
ج- كل من يقرأ القرءان يجد أن هذه الألفاظ أتت بدلالة معنوية وأتت بدلالة هيئة وشكل حركي ولامسوغ لإنكار ذلك وخاصة بنفي أسلوب الرمز في نصوص الأحكام والتكليف
4- هل تكرار أداء الركعة المعروفة في الصلاة الواحدة أمر خلاف القرءان؟
ج- يقول أصحاب النفي بتعدد الركعات في الصلاة الواحدة حيث يجعلون الصلاة ركعتين، وكون التكرار للركعات مشروع في الصلاة انتفى إنكارهم لعدد ركعات الصلاة أكثر من ركعتين لأنه زيادة في أمر مشروع.
5- هل أداء الصلاة التعبدية الطقوسية هي حكم يتعلق بحقوق الناس أم أمر شخصي؟
ج- لاشك أن الصلاة التعبدية هي أمر شخصي وخاص بعلاقة الإنسان وجدانياً ونفسياً مع الله، وهذا يعني نفي الضرر أو النفع للناس من أدائها أوتركها من قبل فاعلها ، وكونها مشروعة بالأصل كما ثبت لدينا آنفاً يوصلنا هذا إلى أن الزيادة في سلوك تعبدي مشروع جائز ولامانع منه، وبهذا ينتفي قولهم: إن الذي يقول بوجود خمس صلوات هو مبتدع لوجود أصل الصلاة ومشروعيتها في القرءان ولانتفاء تعلقها بحقوق الناس وبالتالي لايوجد فساد أو ضرر على المجتمع الإنساني في أداء الأفراد للصلاة بالعدد الذي يريدون ويؤمنون به.
6- هل مضمون الصلاة التي يؤديها المسلمون يوجد فيها كفر أو شرك مع الله ؟
ج- لاشك أن الصلاة المعروفة لايوجد فيها كفر ولاشرك ، وهي تلاوة القرءان وأذكار وأدعية وتسابيح، وبالتالي فهذه الصلاة جائزة ولامانع من أدائها بصرف النظر عن عدد مرات أدائها في اليوم والليلة.
7- كون الصلاة مشروعة في القرءان ولها هيئة معينة وعدد معين بصرف النظر عن المرات فلاشك أن النبي قام بأدائها أمام المؤمنين والمتبعين له حينئذ طوال حياته، وهم بدورهم قاموا بأدائها معه بشكل متتابع وكما تعلَّموا منه واستمروا على ذلك دون انقطاع بصرف النظر عن الاختلاف الجزئي فيها الذي لايؤثر على صواب الصلاة كشكل ومضمون، وهذا التتابع الاجتماعي مستمر ليومنا المعاصر بشكل متنامي، فهل هذا الاتباع هو المذموم بالقرءان؟
ج- دراسة الاتباع المذموم بالقرءان نجد أنه يتعلق بأنواع وهي:
– اتباع الآباء في الإيمان أو الكفر عن تقليد دون برهان ولاعلم ولابصيرة
– اتباع الآباء بممارسة الفحشاء والمنكر
– اتباع الآباء بالتقول على الله والكذب .
– اتباع الآباء في الحكم على الأمور دون علم ولابصيرة
هل الصلاة لله خمس مرات باليوم كفر به ؟
هل الصلاة لله هي من الفحشاء والمنكر؟
هل الصلاة لله هي من التقول على الله والكذب ؟
هل الصلاة لله هو تقليد للآباء بالحكم على شيء حرام أوحلال أو حق أو باطل، أم أنها اتباع لأمر مشروع في الدين ومارسه النبي والمجتمع معه حينئذ وهو اتباع بإحسان لهم وعن علم وبصيرة ؟
يرجى مراجعة منشوري
-مفهوم التتابع بدل مصطلح التواتر
وأخيراً ، سوف أعرض مثل على قصور تدبرهم لنصوص القرءان
لنقرأ هذا :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }النور58
{أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }الإسراء78
[فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى] [طه:130
{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ }هود114
{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }البقرة 238
قالوا: إن النصوص ذكرت ثلاثة أوقات فقط وهي: الفجر، والعشاء، والصلاة الوسطى
والصلاة الوسطى هي بين الفجر والعشاء وليست هي إلا صلاة المغرب حسب ما قالوا.
– إذاً يوجد ثلاث أوقات للصلاة محل اتفاق بيننا فلاداعي لنقاشها، ولنعود لقراءة النصوص بتمعن.
هل فعلاً لايوجد فيها إلا ثلاث أوقات؟ وهل عدم ذكر أسماءالصلوات مقترنة بوقتها يدل على نفيها ؟
لنقرأ: (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ) من المعروف أن وقت الفجر ليس هو طرف للنهار ولا تابع لليل وإنما هو حالة بين بين ، وله صلاة خاصة باسمه، مما يؤكد أن دلالة إقامة الصلاة بطرفي النهار يتعلقان بصلاتين يؤديان أثناء النهار غير صلاة الفجر وغير صلاة العشاء ولذلك جاء النص التالي بكلمة (وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) ، وصلاة المغرب هي التي تكون بعد غروب الشمس ودل عليها جملة (إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ) وهي جزء من صلاة الليل غير صلاة العشاء المذكورة صراحة.
وللتوسع يرجى مراجعة منشوري

أوقات الصلوات الخمسة في القرآن

أما الصلاة الوسطى فلا علاقة لها بالصلاة الطقوسية وإنما هي تتعلق بالعلاقات الاجتماعية الأسرية بين الزوجين ولذلك أتى النص ضمن نصوص الطلاق بين الزوجين.

للتوسع في ذلك يرجى مراجعة منشوري

– مفهوم الصلاة الوسطى

وللعلم نحن نفرق بين مفهوم مصدر التشريع الديني وهو محصور بالقرءان وبين المصدر المعرفي التاريخي ، ونفرق بين مفهوم السنة ومفهوم الحديث، ونعد سنة النبي المتعلقة بأداء العبادات ( الصلاة و الحج) هي طريقة عملية متتابعة متعلقة بنص قرءاني وترجمة له وتتابعت في الأمة مع حفظ النص القرءاني لاعلاقة لها بالسند والعنعنة ولاتسمى مصدر تشريعي وإنما هي مصدر معرفي تابع لمصدر تشريعي الذي هو القرءان، أما الروايات فهي مصدر معرفي تاريخي غير ملزم للأمة وليست حجة دينية ولابرهان، ويدرسها الباحثون وعلماء الاجتماع والتاريخ وفق منهج علمي تاريخي وقرءاني للعبرة والعظة والفائدة الاجتماعية.

ولذلك لاداعي لكل هذه الضجة الفارغة ونقاش موضوع عدد الصلوات وجعله أمر كبير وعلى خطورة ، وليتركوا المسلمين يصلوا كما تعلموا وتتابع ذلك في ثقافتهم، وليصلوا هم كما يشاؤون والعدد الذي يريدون دون نكير ولاإتهام ولاتسفيه ولاتكفير لأحد، مع العلم أن كبار باحثي مدرسة التيار القرءاني يقولون بالسنة العملية المتتابعة في الأمة وأن الصلاة خمس أوقات كما هي معروفة في ثقافة الأمة.