ترميم أسرة اليتامى من خلال نكاح أمهاتهم

قال تعالى: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) 2 (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا)3……….(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (النساء:6)

إن عنوان النصّ هو كفالة اليتامى، وليس إباحة تعدّد النكاح، كما ذهب إليه الفقهاء واقتطعوا جواب الشرط من النصّ (فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) عن فعل الشرط ،) وإن خفتم أن لا تُقسطوا في اليتامى( وعَدُّوه نصّاً متكاملاً؛ فهذا عمل قبيح في واقع الحال؛ لأنهم كرَّسوا مفهوماً لم يُرده الشارع من خطابه السابق!! وهذه العملية (التعضية) من الفقهاء، يستخدمونها في التعامل مع النصّ القرآني بصورة دائمة ؛ فيُخرجون فقهاً عجيباً وغريباً، ويُعطونه صفة الفقه الإسلامي، وينشرونه بين الناس على هذا الأساس، والدارس لهذا الفقه القائم على التعضية للنصّ القرآني يجده فقهاً شيطانياً، وليس فقهاً إسلامياً!!!.

تعدد النكاح للنساء أمر  سكت الشارع عنه، ولم ينزل نص بتحريمه، فيبقى على الأصل وهو الإباحة وهو دليل شرعي معتبر ، وهذا يشمل كل النساء بصرف النظر عن مكانتهن الاجتماعية ( عازبة، أرملة، مطلقة).

والأمر المباح لا ينزل به نصاً شرعياً يفصله ويضع له أحكاما وإنما يترك ذلك للمجتمع للتحرك بممارسته وفق نظام يضعونه تحت اسم الممنوع أو المسموح أو تقييد ممارسته بشكل من الأشكال(كل حرام مرفوض ومنهي عنه، وليس كل مباح مرغوب، ولا يطبق المباح إلا مقيداً بنظام المجتمع).

ومفتاح فَهْم النصّ هو دراسة دلالة مفرداته الأساسية، التي هي:

الخوف، القسط، اليتامى، النساء، العدل العول.

.

  1- خوف: كلمة تدلّ على حالة شعور الإنسان بجسامة الأمر، وعظمته.

فكلمة الخوف لا تعني الذّعر والفزع، ولو أنهما قد ينتجان عن خوف الإنسان.

قال تعالى( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى )النازعات 40 -41 والخوف من الله، ليس الذعر والفزع منه، وإنما هو استحضار الشعور بعظمة مقام الرّبّ

2- كلمة (تُقسطوا) من الفعل الرباعي (أقسط) ، و دلالته غير دلالة الفعل الثلاثي ( قسط ) التي  اسم فاعلها قاسط  (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) (الجـن:15) ، بينما اسم فاعل (أقسط) هو مقسط (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)

فالمقسط هو الذي يقوم  بفعل الإقساط  وهو  ليس العدل (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الحجرات:9) .

فما هو الإقساط ؟

الإقساط هو القيام بالتقسيط  للشيء ، بمعنى قسمة الشيء إلى أجزاء متساوية ودفعها تباعاً .

3- اليتامى: جمع كلمة يتيم، وهي تدلّ على الأولاد الذين فقدوا والدهم، وهم دون سنّ البلوغ والرشد، سواء أَكانوا ذكوراً، أم إناثاً. فإذا وصل الأولاد إلى بدء سنِّ البلوغ والرشد، ارتفعت عنهم صفة اليتم، وبالتالي؛ لا تصحُّ تسميتهم يتامى، فالنصّ – إذاً – لا يتكلّم عن نكاح اليتامى؛ لأن دلالة كلمة ( اليتامى ) تشمل الذُّكُور والإناث، غير أن ( اليتامى ) ليسوا بمحلّ نكاح لقصورهنَّ على صعيد البلوغ الجسمي، والقصور عن سنّ الرُّشد (أطفال)؛ قال تعالى: ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم …..) النساء 6

والخطاب القرءاني خطاب حق ونور وصدق وهدى فلا يستخدم الكلمة إلا بمفهومها الحقيقي فيكون معنى كلمة اليتامى في قوله تعالى: {وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً }النساء2 ، على المعنى الصواب الحقيقي وليس على معنى ما كان سابقا وكلمة (آتوا) ليس بمعنى أعطوا، وإنما بمعنى التحصيل والتصنيف والتمييز لأموال اليتامى وهذا ما يدل عليه سياق النص. ولو كان معنى آتوا بمعنى أعطوا لأتى النص بكلمة ( ادفعوا) مثل قوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (النساء:6)

4- كلمة (يتامى النساء) وبصرف النظر عن رأي زيد أو عبيد ، فهي غير (النساء اليتامى) قطعاً ، بل لا يصح المقولة الثانية لسانيا ومنطقياً، لأن صفة اليتم ترتفع عن البنت أو الولد  إن بلغا سن النكاح (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ…) (النساء:6)

وسن البلوغ لا علاقة له بالرشد فهو أمر آخر له مؤهلات خاصة ،   لذا؛ لا يصح القول : إن كلمة يتامى هي من باب ما كان وليس ما هو كائن الآن ، ولا يصح الاستدلال على القرءان و اللسان العربي باستخدام كلمة (يتامى) من قبل زيد أو عبيد في المحاماة أو القضاء ، فهو استخدام متساهل لحصول الفهم عند الطرفين وليس هو حجة أو برهان. وكلمة (نساء) عندما  تأتي في سياق النكاح فقطعاً هي جمع امرأة.

5- كلمة( ما طاب لكم) لا تعني الحرية في النكاح أو السلوك، وإنما تعني ما صلح لكم من النساء وتصلحون لهن.

6- النساء: هي جمع نسيء، وفي سياق النكاح تأتي جمع امرأة ولا تشمل الإناث كلهن، وأتت في النص المعني بالدراسة لتدل على عموم النساء كلهن بصرف النظر عن المقامات الاجتماعية لهن( عازية، أو مطلقة، أو أرملة) ، وسياق النص خص الأرملة أم اليتامى لأن محور النصوص يدور على العناية باليتامى وليس على حكم تعدد النكاح الذي أتى عرضا كاحتمال للعناية باليتامى.

7- تعولوا: من عول وهي جذر كلمة: عال يعول  عولاً أو عيلة ، و كلاهما صواباً ، وهي تدل على  الابتعاد  المكاني بحركة لازمة ، بمعنى أن يقوم الإنسان بالميل أو ترك ما هو مسؤول عنه.   و من هذا الوجه أتى استخدام    كلمة (عيلة) على الأفراد في الأسرة الواحدة التابعين لشخص واحد ومن مسؤوليته.

فيكون معنى كلمة(ذلك أدنى أن  لا تعولوا) أي أن تكبر مسؤوليتكم فتفرطوا بها عجزاً عن القيام بها.

8- وتم فهم الحد الأعلى لتعدد نكاح النساء من جملة ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع)، وهي حالات وليس تعداداً، نحو قولنا: فاز بالبطولة زيد في المرتبة الأولى، وعبيد في الثانية، ومحمد في الثالثة، ومروان في الرابعة، فمحمد هو الثالث، ولا يفهم احد أن محمداً هو ثلاثة، وكذلك مروان هو الرابع ، ولا يفهم أحد أن مروان هو أربعة أشخاص !!!. فكلمة مثنى في النص هي دلالة على المرأة الثانية التي ثنّت الأولى، وكلمة ثلاث دليل على المرأة الثالثة ، وهكذا الرابعة، فهي حالات ترتيب وليست تعداداً.

وما ينبغي أن تجتزئ هذه الجملة من السياق الذي أتت به لتستدل بها على إباحة التعدد على إطلاقه فهي مقيدة بسياقها ، وحكم إباحة التعدد أتى من الأصل وليس منها، وهذه الجملة فيها أمر وحكم شرعي آخر  وهو وجوب نكاح النساء اللاتي عندهن يتامى بقصد العناية باليتامى لترميم خلية اجتماعية والحفاظ عليها، وسد لبؤرة فساد احتمالية، وتعويض اليتامى عن أبيهم .

9-   العدل بين النساء (الزوجات) مستحيل ولا يتعلق به الحكم الشرعي (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:129)

وهذا يؤكد أن كلمة (العدل) في نص اليتامى متعلقة باليتامى وليس بالنساء .

إن النصّ فيه فعل الشرط ( وإن خفتم ) وجواب الشرط (فانكحوا ) فما ينبغي الفصل بينهما في الدراسة أبداً.

فعلى ماذا يدلّ فعل الشرط ) وإن خفتم أن لا تُقسطوا في اليتامى ) ؟

بعد أن عرفنا أن كلمة (القسط) لا تعني العدل، ولا تعني الظلم، وإنما تدلّ على التجزئة والقسمة والدفع للشيء إلى جهة أخرى، تكون دلالة فعل الشرط هي:

إنْ شعرتُم بأنفسكم أنكم تستعظمون وتستبعدون عملية القسمة والتجزئة للأيتام عن والدتهم (لا تُقسطوا) ، وأنْ لا تأكلوا ثروتهم، إنْ كان لهم ثروة من والدهم بصورة تقسيطية مع الزمن. فأتى جواب الشرط ؛ (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) أيْ انكحوا أمّهات اليتامى، بقصد تحقيق العناية والحماية لليتامى، وحِفْظ حقوقهنَّ، وبهذا التأويل يتمُّ الربط المنطقي بين فعل الشرط وجوابه.

ويتابع النصّ بالحَضِّ والتشجيع على ترميم الأسرة، التي فقدت أحد ركنَيْها (الوالد)، وصار فيها  يتامى، بأن يتعهَّد الإنسان أسرَتَيْن، أو ثلاث، أو أربع، من خلال الزواج من أمّهات اليتامى، ويقوم بالعناية والإشراف عليها، ويعوّضهم عن والدهم المُتوفّى بأب جديد لهم، يحنو، ويعطف عليهم.

(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) وهذا خطاب لرجل متزوّج بامرأة أُولى، بدليل مجيء النصّ بالتعدُّدية في النكاح المُوجّه إلى أمّهات اليتامى، ويتابع النصّ توجيهه وتعليمه بقوله (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) ، بمعنى إذا شعرتُم في قرارة أنفسكم بصعوبة الأمر، وشدّته عليكم، من حيث عدم القدرة على العدل في تربية اليتامى من الأمهات المختلفة؛ فانكحوا أمَّاً واحدة، وتعهَّدوا بتربية اليتامى، وحيث إن النصَّ ذَكَرَ الواحدةَ، ممَّا يدل على أن الخطاب مُوجَّه إلى رجل أعزب؛ إذْ لو كان متزوّجاً بالأولى، أمّ أولاده، لكانت أمّ اليتامى هي الثانية، ولم يأت النصّ بصيغة ( فواحدة )، ممَّا يؤكّد على أن الشارع يوجّه الرجال الذين لم يستطيعوا الزواج وتأسيس أسرة ابتداء، إلى الانضمام إلى أسرة قائمة مع قصور فيها؛ لفقدان الوالد، فصارت أسرة مُؤلّفة من أمّ وأيتام، وهي بحاجة إلى زوج للمرأة، وأب للأيتام، فيأتي الرجل ويحلّ محلَّ الزوج والأب، ويرمّم الأسرة، ويقوم بالحماية والعناية بها، ويكسب هو زوجة وأطفالاً ومسكناً، فتكون الفائدة متبادلة بينهما، ويتمّ حلّ المشكلة بالنسبة للطرفَيْن معاً بصورة إيجابية،، وهذا الأمر هو خطاب للمجتمع ليحتضن هذه الأسرة التي فقدت مُعيلها و فقدت الأب للأطفال ، وينبغي أن تعمل مؤسسات المجتمع على ذلك ويساعدوا من يرغب في الزواج من أم اليتامى.

وطلب النكاح من أم اليتامى هو واجب شرعاً وليس مندوباً وعلى الأسرة أو المجتمع أن يختاروا لها الرجل المناسب ويدعموه مادياً ومعنوياً.

ويتابع النصّ (أو ما ملكت أيمانكم) فإن عجز الرجل عن تعهّد أسرة واحدة ؛ فليتوجّه إلى نكاح ملك اليمين، فَمَنْ هي ملك اليمين؟

ملك اليمين هي طبقة من الناس، فقدت الحماية، والحصانة الاجتماعية؛ من خلال الضعف الاقتصادي بالدرجة الأولى، ويتبعها العلم والثقافة، ولها في الواقع صور كثيرة تحقّق منها في التاريخ صورة الرقّ، التي كان الإنسان يفقد فيها قدرته على اتخاذ القرار، ويتبع في ذلك سيده من حيثُ الملكية تصرّفاً وانتفاعاً، ومع الزمن جفَّت هذه الصورة، وفقد المجتمع صفة حقّ التصرف بيعاً وشراء لملك اليمين، وبقي محتفظاً بحقّ الانتفاع بهم خدمة وعملاً. وهذه الصفة لملك اليمين لا يمكن أن ترتفع في المجتمعات أبداً؛ لأن من طبيعة الحياة الاجتماعية التفاضل، والفروقات بين الناس؛ لتتمَّ عمارة المجتمع.

فَحَضَّ الشارعُ الإنسانَ الذي لا يستطيع تأسيس أسرة على أن يقوم بالزواج من ملك اليمين، وهنَّ النساء اللاتي ينتمينَ إلى الطبقة المُتدنِّية (العاملات، المستخدمات، الفقيرات)، وذلك لعلاج ثغرة اجتماعية، وتفعيل هؤلاء النساء، وخلطهنَّ بالمجتمع، والطبقة الأعلى، حتى تتقلّص ظاهرة ملك اليمين في المجتمع إلى الحدّ الأدنى، وقد جعل الشارعُ لملك اليمين أحكاماً خاصة ؛ مثل التهاون بالمهور، والتنازل عن بعض الحقوق، وهكذا.

ويتابع النصُّ الإشارةَ إلى أن ذلك الفعل الخيري الطوعي من الرجل، أمر مرتهن بمقدرته المادية (ذلك أدنى أن لا تعولوا) ؛ أيْ يصير عندكم  مسؤولية كبيرة من خلال إنشاء عيلة كبيرة تعجزون عن  إعاشتها والقيام بأمورها فتظلموها، وتصابون بالفقر، والعوز.

الخلاصة:

1- اهتمام الشارع بكفالة اليتامى، وتأمين الجوّ الأسري المتوازن لحياتهم المتوفّر فيه الحبّ، والعطف، والعناية؛ لذلك لا يجوز فصلهم عن أمّهم أبداً، وينبغي على زوج أمّهم أن يصير أباً لهم.

2-اهتمام الشارع بتأمين زوج للمرأة الأرملة أم اليتامى؛ كي تستعيد توازنها النَّفْسي، وتوازنها الاجتماعي.

3-اهتمام الشارع بمتطلّبات الرجل، فعالج له ذلك من خلال توجيه وتعليق حلّ مشكلته بحلّ مشكلة اجتماعية؛ حيث يتمُّ الحلُّ لكلَيْهما معاً.

4- تعليم للمجتمع بأن يقوم بترميم خلاياه من خلال التكافل، والتعاضد، وتنازل الأطراف لبعضها؛ ليتمَّ بها التكامل، فوجَّه الرجل الذي لا يستطيع تأسيس أسرة ابتداءً إلى أن يتزوَّج أمَّ يتامى، وهي أسرة قائمة ابتداء، أصابها ضعف، وفقر، بفقدان الأب؛ فيأتي الرجل لينضمَّ إليها، ويصير زوجاً للأرملة، وأباً لليتامى.

5- وجَّه الشارعُ الرجلَ الذي لا يستطيع أن يؤسّس أسرة، أو يقوم بالاعتناء بأسرة يتامى، إلى النكاح من ملك اليمين، وهنَّ النساء الضعيفات اجتماعياً، فيتمّ حلّ مشكلة الرجل والمرأة (ملك اليمين) على حدّ سواء، وهذا الزواج مَعْفي من كثير من تبعات المسؤولية، كالمَهْر والسَّكَن مثلاً، أمَّا تنظيم تلك العلاقة؛ فأمر متروك للمجتمع، والعرف، ولاتفاق الزوجَيْن.

6- وجَّه الشارعُ نظرَ الرجل إلى مآل الأمور ( ذلك أدنى أن لا تعولوا) قبل الإقدام على فعلها؛ لأن الأمور تأخذ حُكْم الخاتمة من حيث النجاح، أو الفشل (إنما الأعمال بالخواتيم).

7- وجَّه الشارعُ نظرَ الرجل إلى ديمومة الأمر، واستمراره، وليس إلى مجرد البداية فقط؛ فالنكاح وتأسيس أسرة لابد لها من دوام، واستمرار، ونجاح، ومُؤهّلات ثقافية، ومادية، وإلا قام الرجل بإضافة مشكلة اجتماعية للمجتمع، سوف يتبعها ويتولّد منها مشاكل أخرى؛ لأن هذه المشكلة هي نُواة تنمو، وتتوالد، وتتكاثر؛ فتصيب الخلية الاجتماعية بالسرطان، الذي – بدوره – سوف يُؤثّر على خلايا المجتمع.

8-  سكت الشارعُ عن التعدُّد في النكاح، من غير أمّهات اليتامى، ومن ثمَّة؛ فليس هو مطلباً شرعياً، والإنسان غير مأجور عليه، وإنما هو من الأمور المباحة، وتنظيم ممارستها متروك إلى ما يراه المجتمع، منعاً، أو سماحاً، أو وضع شروط له، ويتم أخذ الحد الأقصى للتعدد من النص المذكور .