مفهوم السنة والحديث في القرءان
مفهوم السنة والحديث من المفاهيم المهمة في الثقافة الإسلامية، فقد استخدمهما المسلمون بشكل مندمج بينهما دون تفريق، مما صار مع الزمن الحديث يعني السنة، والعكس أيضاً، فعلى ماذا يدل كل منهما لساناً؟
السنة: هي الطريقة الثابتة. ومن هذا الوجه فهي تدل على الأعمال أو المنهج فقط، ولا علاقة لها بالحديث أو بالقول. انظروا قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ }آل عمران137، وقوله:{سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الفتح23.
الحديث: هو قول جديد.
هذا هو مفهوم كل من كلمة السنة والحديث لساناً، أما الاصطلاح فهو شيء خاص بمن اصطلحه ليدل على استخدامه له، نحو مصطلح علماء الأصول، والفقهاء ، والمحدِّثون، وعلماء السيرة، والإمامية…الخ، وهي مصطلحات معروفة لأي طالب علم في الشريعة، وهي غير ملزمة لأحد، وليس لها أي صفة علمية قط.
والذي يُعَوَّل عليه في دراسة مفهوم السنة والحديث هو اللسان العربي والقرءان فقط، وقد عرفنا مفهومهما لساناً، ونأتي الآن لاستخدام القرءان لهما، وندرس هل استخدمهما بالمفهوم اللساني فقط ؟ أو حصرهما بصورة من صور المفهوم اللساني وصارا اصطلاحين شرعيين مثل مفهوم الصلاة والحج؟
نلاحظ من خلال ترتيل النصوص القرءانية أن كلمة السنة والحديث لم يُستخدما إلاّ بالمفهوم اللساني لهما فقط، ونلاحظ أن السنة والحديث لم يُضافا في القرءان للنبي قط، وإنما تعلَّقا بالله نحو قوله تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً }الأحزاب62، وقوله: {اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً}النساء87،وقوله: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} الكهف6، إذاً؛ يوجد حديث الله، وهو القرءان الذي أنزله على نبيه، ويوجد سنة الله، وهي طريقة الله في الخلق على صعيد الآفاق والأنفس، وهذا يدل على أن القرءان لم يُعط أي أهمية تشريعية أو مصدرية لسنة النبي أو حديثه!، وهذا يُفسر لنا نهي النبي عن كتابة غير القرءان، ويفسر لنا غياب مفهوم سنة النبي أو حديثه في المجتمع الأول الذي زامن نزول الوحي، فقد كانوا يعتمدون على القرءان فقط، ويُفسر لنا غياب معظم أحاديث العهد المكي، وغياب معظم خطب الجمعة التي ألقاها النبي في المدينة لفترة ثمانية سنوات تقريباً!، وبعد وفاة النبي كان الصحابة يردّون أي حديث يُنسب له إلى القرءان ليعرفوا مدى صوابه لعلمهم أن النبي يستحيل أن يخالف ما نزل عليه من الوحي، ويفسر لنا لماذا لم يأمر النبي بكتابة حديثه، بل؛ لماذا نهى عن كتابته!، ولماذا أهمل الصحابة الكبار الخلفاء الأربعة مادة الحديث رواية وكتابة، بل ومشهور عن عمر أنه كان ينهى الناس عن الاشتغال برواية الأحاديث، وخاصة أبو هريرة، ويأمرهم أن يشتغلوا بالقرءان فقط!.
تعالوا ننظر إلى هذه النصوص القرءانية وعلى ماذا تدل:
1- {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ }الجاثية6
2- {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ }القلم44
3- {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ }الأنبياء45
4- {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }النساء82
5- {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }الأنعام19
6- {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً }الإسراء46
7- {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30
8- {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ }النمل92
9- {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ }فصلت26
10- {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }يونس15
هل تجدون أيها الأفاضل فيما سمعتم أو قرأتم من النصوص القرءانية ذِكراً لسنة النبي أو حديثه؟ أو أن الأمر كله يتعلق بحديث الله ووحيه و قرءانه، والأمر بإتباعه والالتزام بمضمونه؛ حتى النبي نفسه ملزم بإتباع الوحي وليس له أن يبدّله أو يتجاوزه أبداً.
وبناء على ما ذكرنا آنفاً نتساءل هل يمكن أن يُلزمنا الله بشيء لم يذكره في كتابه؟ وهل يمكن أن يلزمنا الله بإتباع شيء لم يحفظه لنا، وأصابه التحريف والكذب ؟ هل يمكن أن تكون الطاعة لرجل ميت؟ كيف لميت أن يقود الأحياء ويأمرهم وينهاهم!؟ أسئلة كثيرة ومثيرة لإعادة التفكير بمصدرية سنة النبي وحديثه في التشريع الإلهي.
تعالوا أيضاً لنرى مَن رسّخ أن سنة النبي أو حديثه وحي من الله مع القرءان؟
افتحوا كتاب الرسالة للشافعي واقرؤوا شرحه لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2، قال: الحكمة هي سنة النبي. وتلقفها معظم المسلمَين من بعده وكأنها سر عظيم أو فتح كبير، وانتشرت في التراث والثقافة كانتشار النار في الهشيم، ولم يناقش قوله أحد وكأنه تنزيل من رب العالمين!، ومن المعروف أن الحكمة كانت موجودة لغيره من الأنبياء والحكماء اقرؤوا قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }لقمان12، فهل أوتي الأنبياء والحكماء السابقين سنة النبي أو حديثه!؟
اقرؤوا قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ }النحل125، وقوله: {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ }البقرة269، ألا تلاحظون أن الحكمة هي منهج عقلاني يتعلق بالتعامل مع الأحداث وفق نظام الأحسن والأنفع بأقل الخسائر الممكنة، وبمعنى آخر هي وضع الشيء في مكانه المناسب للحصول على أحسن النتائج. والحكمة يمكن أن تُؤتى لغير الأنبياء، وهي اكتسابية يملكها الإنسان من خلال التعلم والتفكر وإسقاط الأمور على واقعها لمعرفة مدى صلاحيتها، والآن انظروا قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }الأحزاب34، لاحظوا أن فعل (يُتلى) أتى في النص مرة واحدة ليشمل آيات الله والحكمة معاً بالمستوى ذاته، وهذا يدل على أن الحكمة من كتاب الله ويجب على نساء النبي أن يتلونها مع آيات الله المتعلقة بالبينات والقصص والتوحيد، والحكمة هي الآيات المتعلقة بالأحكام، وهي المنهج الضابط لإنزال الأحكام على الواقع الاجتماعي.
فما علاقة الحكمة بسنة النبي أو حديثه!؟ الحكمة كمنهج موجودة في ثنايا النصوص القرءانية ويستطيع الدارس والمتدبر أن يستخرجها ويستخدمها في دراسة النصوص المتعلقة بالأحكام.
أيها الناس! إن جعل السنة والحديث النبوي مصدر تشريعي إلهي؛ كان السبب في الاختلاف، وسفك الدماء، وتكفير الناس بعضهم بعضاً، لأن لكل طائفة أو جماعة حديثها ومرجعها، وما يصح عند فئة لا يصح عند الأخرى، ولا يجمعنا إلا العودة للقرءان، فهو حبل الله المتين، وهو كتابه المبين، ونور من الله للناس أجمعين.
وسوف نستعرض أهم الشبهات التي يشهرها مَن يقول بحاجة القرءان للحديث النبوي، ولولا الحديث لهلك القرءان!.
1- {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }النحل43- 44.
أخذ معظم المسلمين كعادتهم مقطعاً من هذه الآية وهو{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وفصلوه عن سياقه، وبنوا مفهوماً خطيراً منه؛ ألا وهو أن الحديث النبوي مُبيِّن للقرءان، بل وتجرؤوا فقالوا: ما أحوج القرءان للحديث، ولولا الحديث لهلك القرءان!، وربما صاغوها بمقولة أخرى وهي: القرءان أحوج للحديث من حاجة الحديث للقرءان. وكِلا المقولتان ضيزى!.وإذا أرجعنا الجملة إلى سياقها في النص، نجد أن النص ذاته مرتبط بالنص الذي قبله، ولا يتم المعنى إلا بهما معاً.
نجد في النص الأول كلمة (أَهْلَ الذِّكْرِ) وهم أهل العلم في كل اختصاص ومنهم العلم بالكتب الإلهية السابقة، وأتت كلمة (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ) في النص الثاني لتدل على القرءان الذي نزل على محمد ، وبَيَّن سبب نزول القرءان بقوله: (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ)، فالذي نُزِّل للناس هو التوراة والإنجيل وغيرهم إن وُجد، والذي يقوم بالتبيين للكتب السابقة هو القرءان ذاته الذي طُلب من الرسول أن يتلوه على الناس ليستخدموه في تبيين الكتب الإلهية من خلال عملية الدراسة لها، و دل على ذلك قوله: (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). فالتبيين موجه للكتب السابقة وليس للقرءان، لأن القرءان كتاب مُبين بذاته{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ }{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}الشعراء 193- 195، والقرءان برهان ونور من الله{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174، {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }الزخرف4، فكتاب يصفه الله بالمبين والبرهان والنور والهدى والحكيم كيف يحتاج إلى مَن يبينه؟ كيف يحتاج النور إلى مَن يُنيره؟
أيها السادة! يقول الله: إن كتابي مبين، ويأتي أحدهم ويتجرأ على الله، ويقول : لا يا رب؛ إن كتابك غير مبين، ويحتاج لحديث بشر ليبينه، إنه كتاب بهيم!. مَن تُصدقون أيها الناس ؟ الله الصادق، أم هذا المفتري الكاذب!؟.
إن الأمر مثل إذا حمل أحدكم مصباحاً لينير طريقه، فهل الإضاءة موجهة للمصباح، أم موجهة إلى الطريق؟ هل يحتاج المصباح لإضاءة ذاته أو هو يضيء للآخرين!؟ كذلك القرءان هو نور لينير للناس طريقهم ويمشون خلفه لا أمامه. والأغرب من ذلك مقولة أحدهم: صحيح أن القرءان كامل ونور ومبين، ولكنه يحتاج للحديث ليبينه ضرورة، وهذا الاحتياج لا ينقض كماله أو إبانته!، فكيف اجتمع في عقل هذا الإنسان صفة المبين، وصفة البهيم بوقت واحد في القرءان.
أيها الناس
مفهوم الكمال والبيان والمبين والنور ثابت للقرءان الكريم، وهي دلالات حقيقية لا مجاز فيها، وبالتالي لا يُلتفت إلى الأسئلة أو الشبهات التي يعرضها مَن يريد أن يجعل القرءان ناقصاً، ومُظلماً، وبهيماً، فعدم معرفة شيء من القرءان يرجع ذلك إلى قصور في المستوى المعرفي أو العلمي للإنسان، ومثل ذلك كمثل البيان الذي يأتي مع الأجهزة الكهربائية أو الالكترونية، فغالب الناس لا يعرفون أن يتعاملوا معها، والمشكلة ليست في البيان، وإنما في قصورهم المعرفي، لذا؛ يستعينون بعالم له خبرة سابقة ، أو يستطيع أن يتعامل مع البيان مباشرة، ومن الخطأ أن يقوم أحدهم يريد أن يُصَوِّب البيان، أو يتهمه بالغموض والإبهام!، فما بالكم إذا كان البيان من الله العزيز الحكيم.
أيها الناس ! إن القرءان بيان لكم اسمعوا قول الله الصادق العليم:{هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}آل عمران138، فعند عدم قدرتكم على التعامل مع نص معين من القرءان اسألوا أهل الذكر { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ }النساء83. فالمشكلة تكمن في الإنسان وليس في القرءان المبين.
ونصل الآن للشبهة التي يعرضها مَن يتهم القرءان بصفة البهيم، وحاجته إلى غيره ليبينه، وهي عدم وجود هيئة الصلاة الشعائرية في القرءان، أولاً إن طريقة النقاش خطأ منذ البداية، لأن الأصل أن ننطلق من المفاهيم الثابتة وعدم نقضها لأن القرءان يصدق بعضه بعضاً، والمفهوم الثابت لدينا هو أن القرءان نص مُبين بذاته لا يحتاج لغيره؛ بل هو يُبيّن غيره، ومن أسلوبه في الخطاب أنه لا يذكر المعلوم عند المتلقي ويعتمد عليه في فهم الخطاب، مثل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ }المائدة3، أي حُرِّم جعلهم طعاماً لأكلهم غذاء، وهذا معروف عند المتلقي للخطاب، وموضوع هيئة الصلاة هي من هذا النوع، فقد أتى النص القرءاني بالأمر بها وجوباً انظروا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6، وكلمة (إذا) تفيد حتمية حصول ما بعدها مثل قوله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ }النصر1، وانظروا وقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً }النساء103. فقضاء الصلاة الأولى هي أداء الصلاة الشعائرية، وإقامة الصلاة الثانية هي الصلة الاجتماعية من بر وإحسان وعمل صالح، وهي المقصودة بقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}الحج41، وهي ركن الإسلام الثاني.
وقال الرسول النبي: ( صلوا كما رأيتموني أصلي)، فهيئة الصلاة وَصلت إلينا عبر الرؤية المتواترة وليس من خلال الحديث، والمسلمون يُؤدّون الصلاة قبل وجود البخاري ومسلم والكافي، وغيرهم من رواة الحديث، فلا منّية لأحد في وصولها إلينا، وهي من سنة الرسول النبي وليس من حديثه أو قوله، وهي سنة الأنبياء جميعاً من قبله، وهي ليست من تشريع الرسول النبي، ومعظم أحكامها موجودة في القرءان، وخاصة مقومات الركعة الواحدة من قيام وركوع وسجود، وأن الصلاة ركعتان كحد أدنى متعددة الأداء على مدار اليوم والليلة؛ ألا ترون أن أصل عدد ركعات الصلاة كانت اثنتين وتمت الزيادة عليهما فيما بعد؟ وبقيت صلاة السفر على الأصل ركعتين!. انظروا لهذا الحديث لأخذ فكرة عن الموضوع وكيف كان يصلي المسلمون في مجتمع النبوة:
عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: (فُرضت الصلاة ركعتين ركعتين في السفر والحضر، فَأُقرَّت صلاة السفر؛ وَزِيد في صلاة الحضر).البخاري ومسلم. قال الشيخ الألباني : صحيح
عَنْ عَائِشَةَ . قَالَتْ:( فُرِضَتِ الصَّلاةُ رَكْعَتَيْنِ ، فَزَادَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي صَلاةِ الْحَضَرِ وَتَرَكَ صَلاةَ السَّفَرِ عَلَى نَحْوِهَا).أخرجه الإمام احمد
فأداء الصلاة أمر إلهي، وسنة نبوية متواترة لا علاقة لها بالحديث النبوي أو أقواله قط، وينبغي الانتباه إلى الفرق بين مفهوم إقامة الصلاة (العلاقات الاجتماعية الايجابية) في القرءان التي هي ركن من أركان الإسلام المرافقة لإيتاء الزكاة، ومفهوم أداء الصلاة الشعائرية؛ التي هي واجب، والانتباه إلى الفرق بين مفهوم سنة النبي، ومفهوم حديث النبي، ومفهوم سنة الله وحديثه.
2- مفهوم الطاعة
أيها السادة الكرام
ينبغي أن ننتبه لقاعدة عظيمة في اللسان العربي وهي (إذا اختلف المبنى اختلف المعنى ضرورة)، وسواء أكان ذلك في بُنية الكلمة أم في بنية الجملة، والأمر مثل المعادلة الكيميائية، فأي تغيير في بنية عناصر المعادلة يؤثر على النتيجة حتماً، وهذا قانون إلهي في الوجود، واللسان العربي كونه ذو نشأة علمية فطرية فهو خاضع لذات القانون.
وبما أن النص القرءاني نص محكم إلهي ينتفي عنه الحشو والعبث، ما يثبت أن كل كلمة تدل على ذاتها، ولا يمكن أن يحل محلها كلمة أخرى، وإثبات كلمة في نص، وغيابها عن نص آخر يدل ذلك على وجود مفهوم جديد غير الأول ضرورة.
انظروا إلى قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }آل عمران32.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59
نلاحظ في النصين وجود اختلاف بينهما ، لنرى ذلك:
الأول: طاعة متصلة بالله{ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ} بفعل واحد.
الثاني: طاعة منفصلة عن طاعة الله {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} بوجود فعلين للطاعة منفصلين، واحد لله، والآخر للرسول وأولي الأمر معه.
وهذا يدل على أن دلالة النصين ليست واحدة ابتداء، وينبغي دراسة مفهوم الطاعة في النصين.
وقبل أن نقوم بذلك ينبغي أخذ العلم بأن الطاعة تتعلق بالأحياء فقط، فالآمر يجب أن يكون حياً عليماً بشؤون الناس، والمطيع يجب أن يكون حياً بداهة، ولا طاعة للأموات قط، وهكذا تستقيم الحياة.
وفي موضوعنا؛ الآمر هو الله؛ وهو حي قيوم، والمطيعون هم الناس الأحياء على مر الزمان، لذا؛ لا نجد في القرءان أي أمر يتعلق بطاعة الأموات إطلاقاً، وإنما نجد الأمر بالإتباع لأئمة الهدى سواء أكانوا أحياء أم أمواتاً مثل: {قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }آل عمران95، والإتباع يتعلق بالمنهج والملة لا بالأقوال والأحاديث، ومثله قوله تعالى لنبيه: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ }آل عمران31، وإتباع النبي محمد هو إتباع لما نزل عليه من منهج وشريعة المحتَوَيين في كتاب الله؛ لا إتباع أقواله أو أحاديثه!، ولو كان الأمر كذلك لجاء النص بالأمر بطاعة النبي شخصياً بذكر اسمه أو مقامه النبوي!، وهذا غير موجود في النص القرءاني قط، وإنما نلاحظ أن الطاعة متعلقة بمقام الرسول فقط، فلا يوجد في النص القرءاني جملة (أطيعوا النبي).
ونعود لمفهوم الطاعة في النصين:
الأول: { أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ} واضح في النص أن الطاعة لله أصل وانفراد، وعطف الرسول عليه دون إفراد الطاعة له دليل على أنه حامل الرسالة من الله كرسول، لأن الرسالة لم تصل إلينا إلاّ عن طريقه، فيصير الذي يطيع الرسول فيما نزل عليه من الله هو في الحقيقة يطيع الله نفسه من خلال الإيمان برسالته، ومن هذا الوجه أتت الآية التالية{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80.
ومفهوم الطاعة للرسول في هذا النص أخذت مفهوم الرسالة، بمعنى أن الطاعة لله تكون من خلال الإيمان بالرسالة المحفوظة بعد وفاة الرسول البشري، ومثل ذلك كمثل ساعي البريد عندما يأتي ويسلمك رسالة من أحد معين، فالقيمة للرسالة لا لساعي البريد، وعلاقتك معها ليس مع الساعي، ومصداقيتها موجود في فحواها، ومن الحمق أن يجري الإنسان وراء الساعي يريد أن يقرأ له الرسالة أو يشرحها، فما بالك إذا مات الساعي!.
الثاني: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} فعل الطاعة الأول المتعلق بالله واضح أنه يخص الدين الذي تمثل بالرسالة الإلهية وهذا المحور الثابت، وفعل الطاعة الثاني الذي تعلق بالرسول وأولي الأمر هو خارج دائرة الدين بدليل انفصاله عن الفعل الأول، و ذَكَر أُولي الأمر مع الرسول بفعل طاعة واحد، وهذا يؤكد أن مجال هذه الطاعة هي دائرة المباح، وهي دائرة كبيرة جداً متنامية، وهي المحور المتغير المنضبط بالمحور الثابت، والمباح في الحياة لا يمكن أن يطبق إلاّ مقيداً ضرورة، مثل نظام المرور للسيارات والمشاة، وذلك لحماية المجتمع، وحفظ حقوق الفرد فيه بوقت واحد، ويشارك الرسول في هذه الطاعة أولي الأمر كونهم المعنيين بقيادة أو إدارة المجتمع وتنظيم ممارسة المباح والإشراف عليه.
وتم صياغة قاعدة أصولية لتضبط ذلك وهي: (الأصل في الأشياء الإباحة إلاّ ما دلَّ عليه النص عيناً أو استنباطاً، والمباح لا يُطبق إلاّ مقيداً).
وقد يسأل أحدهم كيف نطيع الرسول في هذا النوع من الطاعة المنفصلة وهو قد مات، وقد ذكرتَ أن الطاعة لا تكون إلا للأحياء؟
والجواب في قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }الأعراف35، بدأ النص بكلمة ( يا بني آدم) وهي خطاب عام إلى يوم الدين، وذكر كلمة (يَأْتِيَنَّكُمْ) وهي فعل مضارع تدل على استمرار الإتيان للرسل إلى يوم القيامة، وهؤلاء الرسل منكم وليس من عند الله، ويقومون بقص آيات الله عليكم. وبما أن مقام النبوة قد ختمه الله ببعثة النبي محمد لاكتمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الرب عن الإسلام ديناً للناس جميعاً كما قال: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة3، وقوله: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40، نصل إلى أن النبوة خُتمت، ولكن مقام الرسول مستمر إلى يوم الدين لإقامة الحجة على الناس دعوة وتعليماً وتوجيهاً وإرشاداً من قبل رجال حملوا الرسالة طوعاً وإيماناً وصاروا رسلاً للناس. {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }النساء165،
فكل نبي هو رسول ضرورة، والعكس غير صواب، انظروا قوله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }مريم51، لو كان الرسول نبياً لما كان في حاجة إلى ذكر كلمة نبي بعدها لأنها تصير حشواً وعبثاً، وعندما ذُكرت دل ذلك على وجود رسول ليس نبياً مثل رسل الله من الملائكة، ورسل الملوك لبعضهم، بينما النبي هو رسول ضرورة، وختمت النبوة لاكتمال الدين، واستمرت الرسالة بواسطة العلماء والدعاة الراشدين.
لذا؛ أتى الأمر بالطاعة المنفصلة متعلقا بالرسول ليشمل النبي في حياته، ويستمر بعد وفاته إلى كل مَن حمل الرسالة طوعاً وإيماناً، راشداً و عالماً، وداعياً إلى الله آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر.
3-{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم3- 4
لابد لفهم الآيتين من إرجاعهما للسياق الذي أتيا فيه وهو: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى }{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }{إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم1- 4، إلى قوله تعالى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} النجم10. فسياق النصوص تدل بشكل واضح أن المادة التي هي محل النقاش والاختلاف بين النبي والمشركين حينئذ هي مادة الوحي القرءاني ، ولم يكن النقاش على حديث النبي أبداً!.
والنص استخدم كلمة (ينطق) التي أتت بصيغة الفعل المضارع لتدل على مجيء شيء جديد مستمر لم يكن موجوداً سابقاً عند النبي!، وهو ليس قوله ولا حديثه، إنما هو المنطق القرءاني الذي يحتوي كلام الله وحديثه ورسالته.
ولو جاء النص بكلمة (يلفظ) لأفادت المعنى الذي قال به معظم المسلمين من حيث أن كل ما يلفظ النبي من فمه سواء أكان قولاً أم صوتاً أم زفيراً أم بصاقاً إنما هو وحي يوحى!، لأن دلالة كلمة (لفظ) هي خروج الشيء المستور من داخل شيء آخر، مثل: لَفَظَ الطفل الطعام. إذا أخرجه من فمه. وهم لا يقولون بعموم دلالة كلمة لفظ. وإنما يحددونها بالقرءان والحديث النبوي!.انظروا إلى قوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }ق18، فكلمة لفظ وحدها لا تفيد القول أو الحديث لأنها عامة في دلالة خروج شيء من شيء آخر، لذا؛ جاء النص بعدها بكلمة (القول) ليحدد الشيء الخارج من الفم، وينفي الرقابة عن الزفير أو الأصوات التي لا معنى لها مثل التأوه، والأنأنة، والعنعنة…الخ، إذاً؛ ليس كل ما يلفظ النبي من فمه له صفة الوحي، غير أن كلمة اللفظ تدل على خاصية الأشياء للإنسان نفسه، فالقول هو للإنسان، والأصوات التي لا معنى لها كذلك منه، بينما دلالة كلمة (ينطق) لا تخص الإنسان نفسه، وإنما شيء آخر ليس من عنده يقوم بعملية نطقه فقط.ومن هذا الوجه نقول لمن يمثل جهة ما: الناطق باسمها.وبالتالي فالرسول النبي هو الناطق باسم الرب الأعلى يوصل لنا كلامه وقوله وحديثه ليس إلاّ، { وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ }النور54، ومادة البلاغ المبين هو النص القرءاني.
إذاً؛ كلمة لفظ: تدل على مجرد خروج شيء بقوة من شيء، واستخدمت لخروج الأشياء من الفم غالباً، فهي الصوت الذي لا معنى له، فإن كان للفظ معنى صار قولاً، وإن كان القول جديداً صار اسمه حديثاً، وإن كان القول مؤثراً بالسامع صار كلاماً.
أما كلمة (نطق) فهي تدل على شيء مستور اندفع وتوقف بشدة.وهذا ما حصل مع النبي، فهو لم يكن يتكلم بهذا الكلام سابقاً طوال فترة حياته الأولى مع قومه مع امتلاكه صفة الكلام، وتم إلقاء هذا الكلام الجديد في قلبه من خارج دائرته المعرفية أو العلمية وانستر في داخله ليندفع بقوة خارج نفسه متوقفاً بذاته يدل على وجوده المنطقي المتماسك المبين المنفصل عن المتكلم به. ومن هذا الوجه كان المنطق هو نظام يحكم الكلام ويربطه ببعضه بإحكام يصدق بعضه بعضاً.
فالنص يتكلم عن كلام الله، وعملية النطق له من قبل الرسول النبي المأمور بتبليغه للناس، فأين الدلالة في النص وغيره على أن حديث النبي أو قوله هو وحي من الله!؟.
انظروا إلى نهي النبي عن كتابة حديثه أو روايته:
1- عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَال : خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
مَعْصُوبًا رَأْسُهُ ، فَرَقِيَ دَرَجَاتِ الْمِنْبَرِ ، فَقَالَ : (مَا هَذِهِ الْكُتُبُ الَّتِي بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تَكْتُبُونَها ؟ أَكِتَابٌ مَعَ كِتَابِ اللَّهِ ؟ ! يُوشِكُ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِكِتَابِهِ فَيُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلاً ، فَلا يَتْرُكَ فِي وَرَقَةٍ وَلا قَلْبٍ مِنْهُ حَرْفًا إِلا ذَهَبَ بِهِ ). فَقَالَ مَنْ حَضَرَ الْمَجْلِسَ : فَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ؟ قَالَ : (مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا أَبْقَى فِي قَلْبِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .الطبراني في الأوسط، والسيوطي
2- عن أبي سعيد الخدري ، أن النبي ، قال : « لا تكتبوا عني شيئا سوى القرآن ومن كتب عني شيئاً سوى القرآن فليمحه » . « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.
3- قال رسول الله 🙁 اعملوا بالقرآن أحلّوا حلاله وحرّموا حرامه واقتدوا به ولا تكفروا بشيء منه وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي كما يخبروكم، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم وليسعكم القرآن وما فيه من البيان). السنن الكبرى للبيهقي.
4- قال النبي 🙁 أطيعوني ما كنت بين أظهركم و عليكم بكتاب الله ، أحلّوا حلاله و حرّموا حرامه)
صححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” 3 / 458
5- عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العاص يَقُولُ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ يَوْماً كَالْمُوَدِّعِ فَقَالَ: « أَنَا مُحَمَّدٌ النبي الأميّ أَنَا مُحَمَّدٌ النبي الأميّ – ثَلاَثاً – وَلاَ نبي بَعْدِي أُوتِيتُ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَجَوَامِعَهُ وَخَوَاتِمَهُ وَعَلِمْتُ كَمْ خَزَنَةُ النَّارِ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَتُجُوِّزَ بِي وَعُوفِيتُ وَعُوفِيَتْ أُمَّتِي فَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا مَا دُمْتُ فِيكُمْ فَإِذَا ذُهِبَ بِي فَعَلَيْكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ أَحِلُّوا حَلاَلَهُ وَحَرِّمُوا حَرَامَهُ ». أحمد.
أما الحديث المفترى على النبي الذي يقول: يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول :ما وجدنا في كتاب الله من حرام حرمناه، وما وجدنا فيه من حلال حللناه، ألا إني أوتيت القرءان ومثله معه، ألا إن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله…).
فهذا حديث مختلق وتركيبة باطلة، وذلك لأنه يخالف القرءان ذاته في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التحريم1،وقوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ }الأنعام151، فصفة التحريم والتحليل هي لله حصراً، ولم يعط الله هذا الحق لأحد من الأنبياء أو الرسل أبداً، فكيف لنص بشري أن يرتقي ويقضي على كلام الله!؟ وكيف لنص ظني الثبوت يقضي على النصوص القطعية !؟ وكيف لنص غريب أن يخالف النصوص القرءانية والأحاديث النبوية الأصح منه وأكثر شهرة!؟ تساؤلات كثيرة تقضي على صواب هذا الحديث المفترى، ومثله بعض الأحاديث التي روي فيها أن النبي أمر بكتابة حديثه أو ما ينطق!، فكلها باطلة ويكفي أنها تناقض ما ورد عن النبي نفسه!، وهذا يدل على افترائها وكذبها.
4- {َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}
أيها السادة الكرام
إن هذه الجملة ليست آية!، ونصف الكلام ليس له جواب، فما بالك إن قمت باقتطاع جملة من نص كامل له توجهه ومفهومه، نحو {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ }الماعون4، أو{ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ }النساء91، أو { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم }النساء3….الخ، النتيجة كارثية!، والمفهوم الذي ينشأ من هذه الجمل المجتزأة من سياقها مخالفة للقرءان، وهذا الذي حصل مع المسلمين عندما أعطوا للحديث النبوي صفة المصدرية التشريعية بناء على هذه الجمل المجتزأة من سياقها، وترتب على هذا الأمر إباحة دماء المسلمين لبعضهم، ناهيك عن غيرهم من الناس وتكفيرهم، ونحن الآن نحصد نتائج هذا المفهوم الآبائي من الطائفية والإرهاب، إضافة للتخلف والانحطاط!.
لذا؛ أول عمل ينبغي أن نقوم به هو إرجاع هذه الجملة إلى سياقها الذي تنتمي إليه، وهو {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7.
واضح من سياق النص أن الموضوع يتعلق بتوزيع الفيء ، وتحديد المستحقين له، وأتت جملة{َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}في هذا السياق ليعلم المسلمون أن لا يعترضوا على القسمة التي تصدر من حاكم عادل حكيم قام بتوزيع الفيء على مرأى من الناس أو تحت رقابتهم، وحرص على تحقيق العدل حسب حاجة الناس، لذا؛ نجد في كتب التفسير قالوا إن: ( ما آتاكم) بمعنى ما أعطاكم. وذلك من باب تفسير الشيء بمآله في الواقع.
ونجد في النص استخدام كلمة (آتاكم) بدل كلمة (جاءكم) والفرق بينهما كبير، فكلمة (أتى) تدل على حصول الشيء في الواقع ودخوله في الملكية أو العلم، انظروا إلى قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً }الإنسان1،{لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }آل عمران188، {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ }البقرة43، {فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }النمل36
فإتيان الزكاة لا يمكن في الواقع إلا إذا كان الشيء في ملكية الإنسان وقام بعد ذلك بتمليكه للآخر، وهذا معنى الحصول في الواقع.
أما كلمة (جاء) فتدل على وصول الشيء الآن بعد أن لم يكن موجوداً عندك. انظروا إلى قوله تعالى: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً }مريم43،{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً }النساء174، فالعلم الذي جاء والبرهان وصل الآن ، ولنضرب أمثلة نستخدمها في الحياة المعيشية لتقريب الفكرة وتوضيح الفرق بين أتى وجاء.
نقول: جاء زيد إلى الوليمة. إذا وصل الآن، ونقول: أتى زيد إلى الوليمة. إذا انتهت الوليمة، وسألنا أحد عن مجيء زيد. ونقول: أتى زيد على الطعام. إذا أنهى الطعام كله، ونقول :جاء زيد على الطعام. إذا كان توقيت مجيئه مع وضع الطعام.
– فالمجيء وصول حالي،{وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ }البقرة89.
– والإتيان هو حصول الشيء ودخوله في دائرة الملكية أو المعرفية أو العلمية. {فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }النمل36.
وبعد هذا الشرح والتفريق نرجع إلى جملة{َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}مع استحضار سياقها الذي يتعلق بتوزيع الفيء لنصل إلى أن فعل الإتيان في النص يقصد به الشيء الذي حصل وصار الآن ضمن تصرف الرسول، وهو الآن ينقله إلى ملكيتكم، فهو شيء مادي لا معنوي، وهو من الرسول نفسه لا مما جاءه، فالأمر لا علاقة له بالحديث النبوي لا من قريب ولا من بعيد قط!.
تعالوا ننظر للشروط التي وضعها علماء المسلمين للتعامل مع الحديث النبوي.
– الشروط التي وضعها الفقهاء والعلماء لقبول الحديث المنسوب للنبي 1)
-1أن لا يخالف صريح محكم القرآن، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة.
-2أن لا يكون مخالفاً للحسّ والمشاهدة.
-3أن لا يكون مخالفاً لما هو علميٌّ ثابت من قوانين الطبيعة وسننها في الكون والخلائق.
-4أن لا يكون منافياً لبديهيّات العقول، أو معارضاً لأيّ دليل مقطوع به. أو منافياً للتجربة الثابتة.
-5أن لا يكون مخالفاً لما هو ثابت من علم الطب والفلك وغيرها من العلوم البحثية.
-6أن لا يكون ركيك اللفظ بحيث لا يرتقي إلى مستوى فصاحة وبلاغة “أفصح من نطق بالضاد” ، أو يشتمل على ألفاظ لم تكن متداولة في عصره.
-7أن لا يشتمل على دعوة أو إقرار لرذيلة تتنافى مع الشرع.
-8أن لا يشتمل على سخافات وسفاسف يترفع عنها العقلاء.
-9أن لا يكون فيه دعوة أو ترويج لمذهب أو فرقة أو قبيلة. ولذلك تُرَد رواية الراوي المنتمي والمتعصّب إلى مذهب أو نحلة يتمذهب بها أو يتعصب لها.
-10أن لا يخالف الوقائع التاريخيّة الثابتة بالتواتر المعتبر، أو تلك التي تثبتها آثار ظاهرة يقر أهل الاختصاص علاقتها وارتباطها بتلك الوقائع ووقت حدوثها.
-11أن لا يخبر عن أمور عظيمة يشهدها الكافّة بخبر يتفرد به راو أو اثنان.
-12أن لا يكون مخالفاً للمعقول المقبول في أصول العقيدة من صفات الله -تبارك وتعالى- وما يجب في حقه وما يستحيل وما يجوز. وكذلك بالنسبة للأنبياء الكرام وما يجب في حقهم وما يستحيل وما يجوز.
13-أن لا يرد بوعد بالثواب العظيم على العمل الصغير. وأن لا يشتمل على الوعيد الشديد على الصغائر.
14-أن لا يكون للراوي مصالح أو بواعث أو مؤثرات تحمله على رواية ما روى.
-15أن لا يشتمل على الدعوة إلى موروثات عقائديّة أو فلسفيّة مأخوذة عن أديان أو حضارات غابرة.
16-أن لا يكون في المتن شذوذ أو علّة قادحة مما مر ذكره، ولا في السند.
-17أن لا يُعرض عنه الأئمة من الصحابة.
-18أن لا ينكر الراوي الحديث الذي رواه بأن يقول: “ما رويت هذا ” بعد حين.
19-أن يكون قد أدّاه كما سمعه دون زيادة أو نقصان.
أيها السادة الكرام
إذا طبقنا هذه الشروط التسعة عشر هل تتصورون كم يبقى صواب من مادة الحديث النبوي عند أهل السنة، والشيعة، والإباضية، وغيرهم؟
يبقى أقل من القليل!، وما بقي يرجع في جذوره وأصوله إلى القرءان كالأمر ببر الوالدين، أو النهي عن أكل مال اليتيم، وما شابه ذلك، وسواء وصلت إلينا أم لم تصل فالقرءان مستغن عنها لأنه كامل في تشريعه، مبين في ذاته، ونور وبرهان من الله للناس كما أخبر صاحب النص، وهو صادق فيما يقول.
{وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً }النساء87
فلماذا هذه الزوبعة في الفنجان التي يثيرها رجال الفضائيات والأضواء، وآخرون في الصحف أو الكتب، أو على المنابر، وغير ذلك من وسائل الإعلام ؟
لماذا يضحكون على الأمة!، ويريدون أن يخدعوها، ويُهوِّلون الأمر، ويُضخمون الحدث، ويتهمون مَن يتمسك بالقرءان، ويدعو إليه أنه رجل قرءاني يُنكر حديث النبي الآن تمهيداً لإنكار القرءان فيما بعد!.
أيها الناس
الأمر واضح وجلي أمامكم من خلال تساؤلات تعرضونها وتبحثون عن جوابها بأنفسكم، وهذا نموذج لها!.
– مَن يأمر بالتمسك بكتاب الله، ويطالب بالتعامل معه؟
– مَن الذي يدافع عن كتاب الله وينفي عنه النسخ والتحريف؟
– مَن ينفي عن كتاب الله وجود كلمات أعجمية في خطابه؟
– مَن ينفي المجاز عن كتاب الله ويقول: إن قول الله حق وصدق؟
– مَن الذي يقول إن كتاب الله نور ومبين بذاته؟
– مَن الذي يقول عن شرع الله أنه كامل في كتابه الذي أنزله على نبيه محمد ؟
– مَن الذي يقول إن اللسان العربي الذي احتوى الخطاب القرءاني ذو نشأة علمية وفطرية، لا اعتباطي؟
– مَن الذي يقول بنفي تطابق المعاني مع اختلاف الألفاظ التي اشتهرت خطأً باسم الترادف في اللسان العربي؟
– مَن الذي يعتمد في أبحاثه على القرءان والعلم فقط؟
– مَن الذي يُظهر مصداقية القرءان في الواقع؟
– مَن الذي يدعو إلى المحبة والتعايش والإنسانية، ولا كراهية لأحد؟
– مَن الذي يعتمد على القرءان كمصدر تاريخي أو لساني أولي؟
– مَن الذي يرفض أن يكون الآباء والسلف والأكثرية برهان وحجة على القرءان؟
إن الذين يؤمنون بهذه الأفكار هم الذين يدعون إلى القرءان مصدراً تشريعياً إلهياً وحيداً فقط، ويؤمنون أنه مبين بذاته، وهو نور وبرهان وهدى وشفاء للناس، وقد احتوى رسالة الرب كاملة كما أنزلها دون تحريف أو نقص أو زيادة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9
انتبهوا أيها الأفاضل إلى حجم المؤامرة التي حاكها اليهود سابقاً، ودفعوكم خلال التاريخ بواسطة المخزون الثقافي إلى الاعتقاد بوجود مصادر إلهية أخرى غير كتاب الله العزيز، وذلك لعجزهم عن تحريف التنزيل الحكيم، فقاموا بتحريف تأويله، وبدؤوا باللسان العربي لأن التنزيل نزل به، فقالوا باعتباطية نشأته، وترتب على ذلك وجود ما أسموه الترادف خطأ وهو وجود كلمتين مختلفتين في المبنى ومتفقتين في المفهوم والمعنى، وأسلوب المجاز، وقاموا بتحريف الكلم عن مواضعه وأنطقوا التنزيل بما لم يقل، وعضوَضوا نصوص التنزيل عن بعضها، ودسّوا مفهوم سنة النبي وحديثه كمصدر يزاحم التنزيل الحكيم، بل؛ ويقضي عليه، وهو هدفهم من ذلك، واستطاعوا بجدارة أن يكذبوا على لسان النبي ما أرادوا دسه من مفاهيم تاريخية، وسياسية وتشريعية…، وصاروا بذلك من أهل الكتاب، لأنهم أشركوا مع كتاب الله كُتُباً أخرى جعلوها إلهية، وهي ليست كذلك! ودشّنوا ولادة مفاهيم خطيرة اجتماعية، والأمثلة أكثر من أن نعرضها كلها، ويكفي مجموعة منها مثل:
1- نسج مفهوم المهدي الحاضر والغائب في سرداب، أو في الذهن السني! في التصور العقيدي للمسلمين.
2- نزول النبي عيسى في آخر الزمن.
3- إشراك سنة النبي أو حديثه بالمصدر التشريعي الإلهي (التنزيل الحكيم).
4- احتكار مفهوم النجاة والفلاح بطائفة دون أخرى.
5- جعل الفقهاء والآباء أرباباً من دون الله، يحرمون ويحللون لهم.
6- دمج الدين بالسلطة السياسية.
7- فصل الدين عن الدولة.
8-ترسيخ مفهوم الإرهاب والتكفير للآخرين.
6- إحياء الصراعات التاريخية، والاختلافات الثقافية الاجتماعية في تصور المسلمين المعاصرين.
10- إبعاد كتاب الله العزيز من الدراسات اللسانية والتاريخية، والقول بشذوذه وعدم صلاحيته كمصدر لهما.
11- الاعتقاد بمفهوم العصمة الربانية عن الخطأ في الفهم أو الحكم لرجال من أهل البيت، أو لمجتمع الصحابة،أو لمجموع الأمة، وطبعاً لا يقصدون كل الأمة!، وإنما يقصدون أنفسهم فقط لأنهم يُكفِّرون أو يُبدّعون الآخرين.
12- افتراء مفهوم وجوب الطاعة للأموات، وإمكانية حصوله!.
13- افتراء مفهوم الجن الشبحي والشياطين الوهمية في ذهن الناس، وصرفوهم عن الجن والشياطين الحقيقية في الواقع الاجتماعي!.
هذه الأفكار- وهي ليست للحصر- للنقاش والحوار، ولتساعدكم على معرفة أهل الحق من الباطل، لأن الحق لا يُعرف بالرجال،أو بالأكثرية، وإنما يُعرف الرجال بالحق، اعرفوا الحق تعرفوا أهله، هكذا قال الإمام علي كرّم الله وجهه، وهذا ما يقتضيه البحث العلمي. { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }البقرة111.
وشكراً لحسن استماعكم وصبركم علي
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دمشق مركز الدراسات الإسلامية
اضف تعليقا