الأنصار والنصارى

إن جذر الكلمتين هو كلمة ( نصر)، ومنها خرج اسم الفاعل (ناصر) الذي يدل على حدوث الفعل منه وهو مفهوم متعدي، وجمعه (ناصرون)، والمبالغة (نصّار) التي تدل على عطاء وقوة ودعم يُبذل من أجل الغير، ومن هذا الوجه سُمِّي المسلمون الأوائل من أهل المدينة (أنصار) جمع كلمة( نصير)، لأنهم نصروا الدعوة بأموالهم وأنفسهم بعد أن آمنوا بها، انظر قوله تعالى :

{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ } (التوبة 100).

وقوله: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } ( آل عمران 52).

أما كلمة (نصارى) فمفردها (نَصران) على وزن فَعلان وهي ليست اسم فاعل، وإنما صفة مشبهة باسم الفاعل وهي مفهوم لازم، مثل : كسلان، شبعان،حيران،مرضان، ضعفان، عطشان، سكران..الخ، وتدل على صفة حال لازمة للإنسان ذاتياً(1).

لذا؛ لا يصح إطلاق كلمة (نصران) على الله ،وإنما نقول : الله ناصر لعباده، وكذلك النسبة لمدينة الناصرة، نقول : ناصري، ولا نقول: نصراني!.

وبذلك تكون دلالة (نصران) تدل على توجيه الدعم والقوة إلى النفس؛ لنصرتها على الآخرين دون برهان أو علم، سواء أكان ذلك على حق أم ضلال، بخلاف دلالة(ناصر) التي تدل على نصرة الآخرين بعد الإيمان بقضيتهم.

وصارت كلمة (نصارى) تدل على ملة انتهجت النصرانية في حياتها تنصر معتقداتها دون علم، أو دراسة، أو برهان،واندست تحت المسيحية.

انظر إلى قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ } (البقرة113)

فكلمة (النصارى) لا تدل على أتباع النبي عيسى، لأن أتباع الأنبياء كلهم اسمهم المسلمون، وينصرون الحقيقة، كما قال الحواريون: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } آل عمران52، وإنما تدل على منهج في الحياة يقوم على نصرة الذات على الآخرين دون علم أو برهان، وكلمة ( يهود) تدل على انغلاق الإنسان على نفسه، ورفض الآخر إلى درجة إزالته من الحياة، والمنهجان مذمومان عند الله، وعند الناس، وقد انتشر منهج التهود، والتنصر بين أتباع الأنبياء والرسل،ودخلوا في الإسلام، وعدّوا أنفسهم أتباع النبي موسى، وعيسى، ومحمد، وبلغ الكذب بهم أن زعموا أن النبي إبراهيم نفسه كان يهودياً أو نصرانياً في طريقة تفكيره،ومنهجه في الحياة، فَكَذَّبهم الله بقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران67). لم يُشرك النبي إبراهيم مع منهج الله وشرعه أي منهج آخر، ولم يتخذ شرعاً سوى ما أنزل الله عليه(1).

فتيار اليهود والنصارى سم فيروسي يَسري في عروق أتباع الأنبياء والرسل، لذا؛ نشاهد بين المسلمين من أتباع النبي موسى، أو عيسى، أو محمد (صلوات الله عليهم ) من ينتهج منهج التهود، أو التنصر في حياته الاجتماعية، وهو يظن نفسه مسلماً، ومتبعاً للأنبياء والرسل، وفي الواقع هو متبع

للشيطان والطاغوت والهوى،ووقع في الشرك، عندما أشرك مع منهج الإسلام الحنيف، منهج التهود أو التنصر، انظر إلى قوله تعالى: { وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}،ومع ذلك فالنصارى أقل خطراً من اليهود، لوجود إمكانية التعايش معهم، اقرأ قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } (المائدة 82)

لذا؛ ينبغي على أتباع النبي عيسى أن يُسَموا أنفسهم مسلمين أسوة بالحواريين {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }( آل عمران 52). أو مسيحيين؛ نسبة لصفة المسيح.

{إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ } (آل عمران 45)، والواعون لهذه الحقيقة من المسيحيين يرفضون أن يطلق عليهم اسم نصارى.

وأخيراً؛ وإثباتاً للحق، نجد أنه ليس كل من يُطلق على نفسه يهودي يهودياً، ولا كل نصراني نصرانياً، ويوجد فيهما موسويين ومسيحيين صالحين، شرعوا صدورهم لنسيم الحق، الذي عطر قلوبهم بغبطة الدين القيّم، الإسلام دين العدل، و السلام، والمحبة، رغم التصاق كلمة اليهود أو النصارى بهم تاريخياً نتيجة التحريف والتزوير والتضليل الذي يمارسه كهنة اليهود والنصارى.