مدخل إلى تدبر آيات المواريث
جملة (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ) لا علاقة لها بالميراث، وهذا أمر صريح بالنص (يوصيكم)، والخطاب للكائن الحي أن ينتبه لفاعلية أولاده الذين يُحسنون التدبير، ولهم نشاط إيجابي في المجتمع فكرًا أو عملًا تنمويًّا صاروا به أصحاب ذكر – وينبغي استحضار مفهوم كلمة(الذكر) ومشتقاتها من ذكري وذكرى وتذكرة…- سواء أكان نوعهم الجنسي ذكرًا أو أنثى أو خنثى أو متحول جنسيًّا؛ فهم بحاجة لدعم مادي ومعنوي ليستمروا بتقديم التنمية للمجتمع والنهضة به، وحقيقة هذا الدعم موجه للمجتمع، ولذلك وصَّى المشرع بهم بحيث يُعطيهم أبوهم (مثل حظ الأنثيين).
وكلمة الأنثيين أتت بهذه الصيغة كمقام، ويمكن أن تتضمن في الواقع ذكرين كنوع تناسلي، أو أنثى وأنثى كنوع تناسلي، أو ذكر وأنثى، وكل الصور تدل على الأولاد ذكورًا أو إناثًا أو خنثى أو متحولين جنسيًّا ممن يكون حاملًا لإنتاج الذكور ومستهلك له، وليس منتجًا بذاته وليس له ذِكر في المجتمع كتنمية له، ولا يسعى لذلك.
وبالتالي فاحتياجاته محدودة أو مقصورة على المعيشة، وبناء على ذلك يكون حظه من الوصية أقل من حظ إخوته الذكور مقامًا من الذكور والإناث نوعًا الفاعلين، وبذلك صار حظ الولد الفاعل تنمويًّا في المجتمع مِثلَي حظ الولد المنفعل والمستهلك اجتماعيًّا.
وينبغي الانتباه للفرق بين مفهوم دلالة كلمة (الحظ) التي أتت بسياق الوصية، ودلالة كلمة(النصيب) التي أتت بسياق التركة {لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (النساء7)
ويتابع النص وينتقل إلى مرحلة وفاة الأب أو الأم وانتفاء الوصية في واقع الحال، أو ترك أموال من بعد الوصية، ويقول: ( فَإِن كنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وينبغي ملاحظة المسكوت عنه في النص وهو حاضر بقوة وضرورة في الواقع، فالنص يتكلم عن (النساء) وليس عن الإناث، وكلمة النساء جمع امرأة أو جمع نسيء، فإن افترضنا أنها جمع امرأة وهي الأنثى البالغة؛ فهذا يعني أن النص لا يتناول الأطفال الإناث، وبالتالي خرجوا من الميراث وحُرموا منه!
وهذا دليل وقرينة على أن المقصد هو جمع نسيء وليس جمع امرأة، وبذلك يصير دلالة كلمة (النساء) تتعلق بمقام وليس بنوع وتشمل كل من يتحقق به التأخر الاجتماعي أو العمري أو الاقتصادي، بمعنى انتفى عنه صفة الرجولة وشملت الشيوخ والعجائز والمرأة الفقيرة والمحتاجة والذكور البالغين الفقراء أو ذوي الحاجة والأطفال الذكور والإناث فكل هؤلاء هم من النساء والمفرد منهم يخاطب بصيغة مؤنثة، ولذلك أتى النص واستخدم صيغة المؤنث بالتثنية والفرد.
مع العلم أن مفرد نساء كلمة نسيء تصنف من حيث الصيغة أنها مذكر وتقبل ضمائر التذكير(هو)، ولكن هذا اصطلاح وليس حقيقة، كما هو معروف بالنحو باسم المذكر والمؤنث المجازي، والتعامل يكون مع الواقع محل تعلق دلالة الكلمة، فمثلًا كلمة (ملائكة) ومفردها (مَلَك) وتصنف لفظة مذكرة وتقبل ضمائر التذكير بمعنى أنها تقبل دخول ضمير (هو) عليها، وجمعها يأتي بلفظة مصنفة مؤنث (الملائكة) وتقبل دخول ضمير التأنيث عليها (هي).
ولكن الحقيقة أن الملائكة لا ذكر ولا أنثى، وكذلك كلمة النساء ومفردها النسيء تصنيف المذكر والمؤنث فيها مجازي بينما في الواقع لا يوجد مذكر أو مؤنث، ودلالة الكلمة صفة ومقام وليس نوع وجنس، ولذلك الكلام عن عنصر من النساء أو اثنين يأتي بصيغة مؤنثة، ولا يدل على نوع الأنثى، وإنما يدل على عنصرين من النساء بصرف النظر عن نوعهم التناسلي، وتحديد النوع يأتي من السياق وإسقاط الخطاب على محل تعلقه من الواقع.
وعند دراسة المواريث نلاحظ أن الورثة أربع درجات من حيث القرب والأهمية والاستفادة من التركة:
الدرجة الأولى: الأولاد النساء ولهم الأولوية والسبق في القسمة والحصول على نصيبهم من التركة مباشرة(ما ترك).
الدرجة الثانية: الأبوان ويحصلان على نصيبهما مما بقي من التركة.
الدرجة الثالثة: الزوجة وتحصل على نصيبها مما بقي من التركة دائمًا.
الدرجة الرابعة: الأولاد الرجال ويحصلون على بقية التركة .
وفي حال غاب الأولاد تتغير نسبة نصيب الأبوين ودرجتهم والزوج أو الزوجة نحو الزيادة.
وجود الأب يحجب الإخوة بخلاف الأم فهي لا تحجب الإخوة
ونلاحظ أن الزوجة دائمًا مسبوقة بوريث قبلها له الأولوية ابتداء من الأولاد ومن ثم الأبوين ونهاية بالإخوة، وصيغة نصيب الزوجة تكون دائمًا باستخدام أداة ( مما ترك).
عند عدم وجود وارث مباشر ينطبق عليه دلالة (ما ترك) يتم التعامل مع التركة على وضعها الحالي وتعد هي (مما ترك)
وقبل أن ندخل في التفاصيل لا بُدَّ من التذكير بحالات للميراث لا يوجد فيها تقسيم نسب للمواريث لانتفاء الورثة من غير الأولاد مثل أن يكون الورثة الأولاد فقط. وكلهم في مقام النساء فيتم قسمة التركة بينهم بالتساوي، أو يكون الأولاد كلهم في مقام الرجال فيتم قسمة التركة بينهم بالتساوي، وفي حال كان يوجد أولاد في مقام الرجال فقط مع وجود أبوين وزوجة يتم قسمة التركة ابتداء من نصيب الأبوين والزوجة حسب نسبتهم من التركة مباشرة على وضعها الراهن وتعامل معاملة (مما ترك) وما بقي من التركة يتم قسمته على الأولاد الرجال بالتساوي.
اضف تعليقا