الزمن وأفعال الله

الزمن لا وجود له بشكل مستقل في الواقع وإنما وجوده وجود تجريدي يظهر في الواقع إذا ارتبط بالمادة ويسمى وقت، ولا يوجد دليل على أن للزمن وجود موضوعي مستقل عن المادة خارج الذهن، وما قيل بذلك الشأن من أن التمدد والانكماش هما صفة للمادة، والزمن ينكمش ويتمدد فهو إذن مادة وله وجود موضوعي، شيء غير مسلم به لأن من المعلوم أن طول الزمن وقصره أمر عائد إلى سرعة الحركة نفسها فإذا زادت سرعة الحركة استغرقت وقتاً أقصر من سرعة الحركة البطيئة. وعلى سبيل المثال لو أن حافلتان انطلقتا بوقت واحد من دمشق إلى حلب الأولى سرعتها مائة ( كم ) والأخرى مائة وخمسين ( كم ) فسَوف تصل الثانية قبل الأولى بوقت كبير. فلا نقول أن الزمن انكمش فالزمن زمن لم يتغير وكل ما في الأمر أن السرعة زادت وبازدياد السرعة يتسارع الزمن المنسوب إلى الأرض فإذا زادت السرعة أكثر بحيث بلغت سرعة الضوء يتصور الإنسان أن الزمن توقف والأمر ليس كذلك، وإنما الأمر هو أن سرعة الضوء هي أكبر سرعة اكتشفها الإنسان فبالتالي يقيس كل السرعات عليها فإذا بلغت سرعة حركة ما سرعة الضوء يفقد الإنسان الأمارات التي كان يقيس بها سرعة الحركات التي لم تبلغ سرعة الضوء نحو الشمس والقمر والليل والنهار…الخ وما شابه ذلك من أمارات يظهر الزمن من خلالها في الواقع ويسمى وقتاً فنقول: وقت شروق الشمس ووقت غروبها وقت الليل وقت النهار…الخ فإذا بلغت سرعة الحركة سرعة الضوء تجاوزت كل الأمارات التي ينسب الإنسان إليها الوقت فيظن أن الزمن توقف والأمر ليس كذلك وإنما هو اختفاء الأمارات النسبية التي يقيس بها الإنسان سرعة حركة الأشياء التي هي دون سرعة الضوء فإذا بلغت السرعة سرعة الضوء لم يعد موجود مقياس زمني عند الإنسان سوى سرعة الضوء نفسها وكل ذلك إنما هو على شريط الزمن ومثل ذلك كمثل التعداد الحسابي فسواء كان العد بطيئاً أم بلغ سرعة كبيرة فلا يعني أبداً إلغاء النظام الحسابي ولا نقول انه انكمش أو تمدد فالعد هو هو لم يتغير سواء كان بطيئاً أم سريعاً.

فالحدث عندما يحدث في الوجود يحدث بوقت معين ويستغرق فترة زمنية معينة ولكن تحديد هذه الفترة الزمنية يختلف للمحدد حسب المكان الذي هو فيه وحسب الأمارات التي يستخدمها في التوقيت ولكن مما لا خلاف فيه أنه حصل هذا الحدث على شريط الزمن.

وقد يقول قائل: أن الزمن هو الذي يهلك الأشياء وبالتالي يظهر أثره على الشيء فيقال للرجل الطاعن في السن ظهر عليه أثر الزمن. والواقع أن هذا الكلام مجازي وليس حقيقة لأن الهلاك صفة ذاتية للشيء قائم في بنيته من خلال الصراع الجدلي الموجود فيه ويحصل ذلك على شريط الزمن فالأشياء تهلك في الزمن وليس الزمن يهلكها.

وعندما خلق الله المكان كان ذلك له بداية قطعاً ومن صفات المكان الحركة، وواقع الحركة هو حركة حدثت وأخرى تحدث وأخرى ستحدث والزمن يظهر من خلال حركة المادة لا وجود مستقل له إلا بشكل تجريدي وبذلك كان الزمن حسب حركة المادة. ماض وحاضر ومستقبل وأخذ الزمن صفة المادة من حيث أن له بداية وليس له نهاية لأن من المعلوم أن المادة لا تفنى وإنما تتحول من شكل إلى آخر

فلذا للزمن وجود بالنسبة لصفات الله الفعلية وليس الأزلية لأن الصفات الفعلية حادثة أي يوجد أفعال لله حدثت وأفعال تحدث وأفعال ستحدث وهذا مدرك بالنسبة لمن تمعن بخلق الله، ومن هذا الوجه ظهر ما يسمى بتاريخ أفعال الله.

قال تعالى: [ ويخلق مالا تعلمون] [ وخلقكم أطوارا] [ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً] [ إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون]