ثقافة الإنسان السلمي الوطني
السلطات في الدول العربية هي جزء من كيان الشعوب وثقافتها، فثقافة الشعوب هي التربة الخصبة لنمو السلطة وهي التي تمدها بالحياة والاستمرار، فلولا وجود الأتباع الكُثر لما استمرت السلطة بظلمها وغيها واستبدادها واستعبادها، فالانتفاضة الشعبية لإسقاط سلطة ما، والنجاح بإسقاط رجال السلطة، لايعني إسقاط الثقافة الاستبدادية والاستعبادية التي يتكاثر فيها رجال السلطة الجُدد بشكل آخر قد يكون بعمامة دين، أوقبعة ( برنيطة)، وسرعان ما تعود الأمور إلى سيرتها الأولى إلى ما شاء الله من الزمن لتقوم انتفاضة جديدة وتُسقط رجال السلطة، وهكذا دواليك يتوارث رجال الاستبداد بعضهم بعضاً، لأن فيروس الاستبداد والاستعباد مازال كامناً في ثقافة المجتمع بكل شرائحه.
ويكون الشعب هو الذي يُنصب رجال الاستبداد والاستعباد بنفسه، ويقوم الشعب بالانتحار تلو الانتحار، ويستمر بنزف الدماء وينتفض انتفاضة الديك المذبوح!
فالأمر ليس كما يقال: يكفي أن تقطع رأس الأفعى لتموت! فالأمر مختلف في منظومة الدولة فهي قائمة على منظومة ثقافية منتشرة ومتنامية الأطراف في المجتمع، والرأس الحقيقي للاستبداد والاستعباد يكمن في المنظومة الثقافية للمجتمع، وما رجل السلطة إلا كمثل ذنب الحرباة إن قطعته نما من جديد!
لذا؛ ينبغي الانتفاضة على الثقافة الذاتية أولاً ومحاربة فيروس الاستبداد والاستعباد، ولكن نظراً لأن الانتفاضة على رجال السلطة قد حصلت بسبب معطيات خارجية، ووجود قابلية داخلية من الشعوب، والتأخر عن قطار التغيير ليس لمصلحة المجتمع، اقتضى أن تكون الانتفاضة على ثقافة الذات، والانتفاضة على رجال السلطة بوقت واحد، بمعنى آخر قطع رأس الاستبداد وذنبه معاً، وإسقاط ثقافة الاستبداد والاستعباد من النفس ومن نفوس الشعب مع إسقاط رجال السلطة، وهذا يقتضي العمل على محورين:
الأول:ترسيخ الانتفاضة الشعبية السلمية على الأرض ضد رجال السلطة والعمل على إسقاطهم وخلعهم من مناصبهم، وهذا له إدارة ميدانية متنامية وأحياناً عفوية ومآلهم للتواصل والتنسيق مع بعضهم بعضاً يقوم بها من يعمل على الأرض ويزداد خبرة يوماً بعد يوم.
الثاني: ضبط المفاهيم الثقافية الكلية دون الدخول بالتفاصيل والجزئيات، ونشر ثقافة سلمية مدنية اجتماعية نهضوية تدعم المتظاهرين وتمدهم بالقوة الفكرية ليرتقوا بها ويعلموا أهمية انتفاضتهم حالياً وأن الانتفاضة تتناولهم أيضاً، فهم أثناء المناداة بإسقاط الاستبداد والاستعباد ينبغي أن يسقطوه من أنفسهم أولاً على أرض الواقع ويترجموا ذلك عملياً من خلال اللُحمة الوطنية مع الآخر المختلف عنهم، ونبذ الطائفية والعرقية والاستبداد بالرأي، والاعتراف بالاختلاف كحق للناس عقيدة وسلوكاً، والتعايش مع هذا الاختلاف بشكل إيجابي، ويرتقون بذلك يوماً بعد آخر ويتعرفون على مختلف الشرائح الوطنية ويتعاونون يداً بيد لبناء الوطن والمجتمع المدني ليسود القانون الإنساني الاجتماعي، ويكونون عليه رقيباً حسيباً حتى لا تدور الدائرة عليهم من جديد ويتسلل فيروس الاستبداد والاستعباد في الثقافة وينمو ذنب الاستبداد والاستعباد.
اضف تعليقا