كلمتان متعلقتان بالبهائم

كلمتان متعلقتان بالبهائم تستخدمان للناس والشعوب

1- كلمة (الرعاية) تدل على قيام الإنسان بالاهتمام بمصالحه الذاتية ولو كانت متعلقة بشؤون الآخر. مثل رعاية العجول وتسمينهم ، فالظاهر من العمل هو مصلحة العجل ، والباطن هو مصلحة الراعي من خلال الحصول على اللحم. {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى }طه54

لذا ؛ لا يصح إطلاقها على الله ،لأن الله ليس له مصلحة عند أحد ليرعاها، ولا يناله شيء فهو الحي القيوم.

ولا يصح القول إن الحاكم هو الراعي للشعوب، لأن ذلك يجعله يرعاها لمصلحته هو، ويجعل الشعوب رعية مثل المواشي والعجول.ونقول :الرعاية للمواشي، والعناية للإنسان، ولايصح القول رعاية الأطفال ، وإنما نقول : العناية بالأطفال. ونقول : غرفة العناية المشددة للمرضى البشر، ونقول : غرفة الرعاية للمرضى البهائم.

ومن هذا الوجه ينبغي أن نفهم مقولة : إن الحفل الفلاني أو المشروع الفلاني هو برعاية الشركة كذا، بمعنى أنها ترعى مصالحها من خلال المشروع والقصد هو منفعتها وليس منفعة المشاهد أو المستخدم أو المشارك قط.

ونقول: إن الله يعتني بعباده لأجلهم ومنفعتهم ، ويجب على الحاكم أن يكون معتنياً بشعوبه لمصلحتهم ومنفعتهم.

فالرعاية للبهائم ، والعناية للناس، والرعية هم البهائم ، والمواطنون هم الناس والشعوب.

2- كلمة (السياسة) تدل على المسايرة والخداع للوصول إلى تحقيق المصلحة للسائس. ومن هذا الوجه أطلقت على القائم بشؤون رعاية الخيل لأنه يخدعهم ويسايرهم لتدريبهم حسب ما يريد .

لذا؛ لا يصح استخدامها على الشعوب ، ونقول سياسة الشعوب ، لأن ذلك يدل على خداعها ومسايرتها والكذب عليها ليحقق السائس مصلحته منها.

والصواب استخدام كلمة الإدارة والتدبير لشؤون الشعب أو الدولة.

وكلمة الرعاية والسياسة هما مفهومان موضوعان بقصد وخبث لممارسة الاستبداد والاستعباد للشعوب، وهذا واضح من خلال ممارسة معظم حكام العرب الذي يعدون أنفسهم رعاة ، ويعدون الشعوب رعية لهم فيقومون بالصدقة عليهم بالأموال و العطاءات، ويعتقدون أن الوطن مزرعة لهم، و ثرواته ملك لهم ولأولادهم، ويرعون الكائنات الحية في المزرعة على كافة أنواعها البشرية والبهيمية فهي ملك خاص لهم.

وفرعون يعد الوطن وثرواته ملك له فقط، و ينظر للشعوب أنهم رعية ومواشي عنده، فيستغرب لماذا الرعية تنتفض أو تطالب بحقها ألا يعطيها البرسيم ويسمح لها بتنفس الهواء ويأويها في حظيرته!

{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الزخرف51

فتجبر وتمادى فادعى مقام الرب الأعلى{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى }النازعات24، وعندما سكت الشعب خنوعاً وذلاً وصفقوا له وطأطؤوا رؤوسهم، طغى وانتفخت أوداجه فادعى الإلوهية {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي }القصص38، وكان ذلك نتيجة استحمار شعبه والاستخفاف بعقولهم، وحنوا ظهورهم طاعة له، فركب عليهم هو وحاشيته! {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }الزخرف54، وتحالف فرعون مع قارون وهامان على سوق الشعب، فرعون ركب على ظهر الشعب، وقارون جرّهم بواسطة الجزرة، وهامان يهمس في أذنهم اصبروا ولكم الجنة! فيجري الشعب ضاحكاً وراء الجزرة ويحلم بجنة ممتلئة بالبرسيم.