الأكراد والمجتمع المدني
مفهوم المجتمع المدني لم يأخذ بعد بُعده الفكري والاجتماعي عند بعض القوميات أو الملل، لذا؛ يظهر تخوفات من بعض ما يُسمَّون أقليات في النظام الاستبدادي، فتجد قومية معينة تطالب بوضع مادة في الدستور تنص على أن تكون قوميتها هي الثانية في الدولة وكذلك لغتها، وملة تتخوف من تسلط المسلمين الذين هم أكثرية سكانية على الدولة وتحولها إلى دولة دينية طائفية، رغم أن التوجه العام في الحراك السوري والانتفاضة هو وطني وشعبي بامتياز لا يتبع أحداً من الطوائف أو القوميات، والشعارات المرفوعة شعارات وطنية مدنية إنسانية مثل : واحد، واحد، واحد، الشعب السوري واحد.
هل هذا الشعار الوطني -وغيره من الشعارات المرفوعة- له مصداقية على أرض الواقع أم هو مناورة ؟
سؤال هام يتردد صداه بين من يتوجس خيفة من قبل الأقليات القومية أو الطائفية، بل ويطلبون ضمانات لهم، والجواب هو مانرى من أحداث وليس ما نسمع.
فهل الإنسان الذي يرفع صوته بالحرية والوحدة الوطنية، ويدفع ثمناً لذلك حياته وينزف دمه؟ هل يمكن أن يكون كاذباً في مطلبه!
ألم تحاول السلطات الظالمة –ومازالت- أن توقع العداوة بين طوائف المجتمع وتعزل الأكراد عن الحراك الشعبي وتفتعل النعرات الطائفية والقومية؟ هل نجحت بذلك!
ألا تعمل السلطات على التشكيك بوطنية الحراك الشعبي واتهامه بالعمالة والخيانة وخدمة أجندة خارجية؟ هل أثر ذلك على القناعة الشعبية!
ألم تحاول السلطات الغاشمة أن تحرف الحراك عن مسيرته السلمية الوطنية؟ هل حصل وتحول الحراك عموماً وثقافة عن سلميته!
ألم تدَّع السلطات قيام إمارة إسلامية في بعض المحافظات لإخافة الغرب والتأثير على الرأي العام من المد الديني السلفي والقاعدة بالذات؟ هل حصل فعلاً ذلك على أرض الواقع!
هل فرقت السلطات في قمعها بين الطوائف أو القوميات ؟ ألم يكن الجرحى والقتلى والمعتقلين من كل الطوائف والقوميات!
ألم يثبت كذب الإعلام السوري، وخيانة رجال الدين السلطويين؟
ألم تدفع السلطات بعض من الفلسطينيين العُزل إلى الجولان قرباناً لتعرضهم للقتل على أيدي الجنود الصهيونيين، وبالمقابل دفعت بدباباتها إلى الشعب السوري الأعزل؟
ألم تشرد الشعب في المناطق الحدودية ودفعتهم إلى النزوح أو اللجوء إلى الدول المجاورة؟
ألم يصرح رمز من رموز السلطة أن أمن إسرائيل من أمن سوريا؟
قراءة واقع الحراك والانتفاضة، وقراءة ردة فعل السلطة وإعلامها، والسكوت العالمي عن ظلم وبطش السلطة إلى الآن، ألا يدل دلالة قطعية على أن الحراك على أرض الواقع هو وطني شعبي بامتياز، ولاوجود للطائفية أو القومية في خطاب الانتفاضة، وكذلك لايوجد مطلب إقامة دولة دينية قط، والحراك سلمي، والحس الوطني يزداد مع استمرار الانتفاضة، وتزداد اللحمة الوطنية محبة وتماسكاً وتعايشاً واحتراماً وتعاوناً.
ألا يدل قراءة الواقع على أن البلد مُقْدمة على ميلاد دولة مدنية وطنية وهي تخيف الغرب وإسرائيل وإيران وحزب الله من توجهها الوطني الذي سوف ينتج عنه ضرورة نهضة اجتماعية ثقافية!
أليس ذلك ضمانات حقيقية على أرض الواقع يُعطيها الحراك الشعبي الوطني للأكراد ولبعض الطوائف أن الدولة القادمة هي وطنية بامتياز ، وأن المجتمع المدني هو الذي يضع الدستور والقانون!
ومفهوم المجتمع المدني لا يوجد فيه مفهوم الأقليات، أو مفهوم القومية، أو مفهوم الطائفية، وإنما يوجد فيه دولة المؤسسات والقانون، ويحارب مفهوم الرعاية والرعية، ويكرس مفهوم المواطنة والعناية، والدولة المدنية تمثل الشعب بكل أطيافه العرقية والطائفية على حد سواء، لاقيمة لمفهوم الأكثرية أو الأقلية قط.
فما تخوف بعض الطوائف أو مطلب الأكراد من جعل قوميتهم ولغتهم هما الثانية في الدستور إلا نتيجة دولة الاستبداد والاستعباد والرعاية، ولم يتخلصوا من هذه الثقافة الاستبدادية بعد، وما زالت كامنة في نفوسهم نتيجة القمع التاريخي لهم ، ونتيجة وجود ثقافة استبدادية سواء كانت دينية المنشأ أم قومية.
فالحراك الذي يجري على أرض الواقع هو ثورة ثقافية عملية على الذات قبل أن تكون على النظام الاستبدادي وما يتعلق به من آليات ثقافية ومعرفية وأجندة، ثورة مُطهرة وقاضية على الفيروسات الاستبدادية والقومية والطائفية على حد سواء من نفوس الشعب أولاً قبل قضائها على النظام الاستبدادي، إنها ثقافة المجتمع المدني الإنساني الذي لايوجد فيه قومية أولى حتى يكون فيه قومية ثانية! ولايوجد دولة دينية حتى يتخوف بعض الطوائف منها.
القومية ليست فكراً، وإنما هي رابطة بدائية لاتصلح لأن تكون فكراً يقود دولة، وكذلك الدين ليس رابطة إنسانية!
فالرب عندما يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الحجرات10، ليس المقصود بكلمة الإيمان العقيدة، وإنما يُقصد بها الناس الذي حملوا فكر الأمن والأمان، فالإنسان الذي آمنه على نفسي ومالي وعرضي هو أخي ولو كان مختلفاً بفكره عني، والإنسان الذي أخشى منه على نفسي ومالي وعرضي ليس أخي ولو كان ابن أبي وأمي وينتمي إلى فكري أو ديني.
وكلمة العربية أصابها تشويهاً كبيراً وأخرجها القوميّون عن مسارها الفطري، انظروا إلى قوله تعالى:
1- {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }يوسف2
2- {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً }الرعد37
3- {قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28
4- {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }فصلت3
5- {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء195
هل يوجد حكم قومي عربي وآخر قومي كردي؟
قرءان عربي ، وحكم عربي، ولسان عربي، أين المفهوم القومي في ذلك؟
كلمة (عرب) تعني الأصالة والانسجام والصلاحية والطهارة وبقاء الشيء على فطرته ونموه وفق ذلك المسار الفطري دون تشويه أو تدخل الإنسان به صنعة.
ومن هذا الوجه نزل القرءان عربياً، وحكمه عربي، ولسانه عربي وليس أعجمياً، وتوجهه إنساني عالمي، والإنسان العربي هو الإنسان الفطري الذي ينمو علمه على هذا الأساس الفطري منسجماً مع الوجود الكوني والاجتماعي وفق علاقة إنسانية سواء أكان كردي القومية أم تركي أم فارسي…، فالذي يتحرك في الحياة وفق قوميته أو طائفيته هو إنسان غير عربي، وكذلك الإنسان الإرهابي والاستبدادي ليس عربياً، وكل إنسان في أي بقعة على الأرض وبصرف النظر عن لغته أو قوميته إذا كان فطرياً سلمياً يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم وأعراضهم ويتمتع بأخلاق وقيم راقية إنسانية اجتماعية كونية هو عربي.
فالعربية ليست قومية، وإنما هي منهج تعامل مع الحياة.
وبناء على ذلك فاللسان العربي كونه لساناً فطرياً علمياً هو لسان الدولة إدارة وتعليماً وإعلاماً، مع السماح باستخدام أي لغة أخرى في المجتمع محلياً بعد اللغة الأم، والدولة تُسمى الدولة السورية الوطنية، وشعارها: تعايش ، تماسك، نهضة، أو مايشبه ذلك من مفاهيم وطنية نهضوية، وينبغي تغيير النشيد السوري إلى نشيد يمثل تطلعات الشعب السوري كله من حرية ووطنية ونهضة علمية.
اضف تعليقا