إن كلمة ( إسرائيل ) لفظة عربية، وليست أعجمية كما توهم بعض الباحثين، لأن النص القرآني نزل بلسان عربي مبين(1)؛ كما قال الله U وهو أصدق القائلين: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } (الشعراء 193-195).
فماذا تعني كلمة ( إسرائيل ) ؟
إن كلمة (إسرائيل) مؤلفة من كلمتين مدموجتين معاً: إسرا + ئيل.
1– إسرا : من الإسراء، وليس من الأَسر؛ كما نشرها اليهود في ثقافتهم؛ ومَرَّرُوها إلى ثقافة المسلمين؛ بقولهم:إن النبي يعقوب صارع الرب فصرعه، وأسره، ولم يتركه حتى أخذ منه عهداً بالبركة، والاصطفاء له، ولذريته، فَسُمِّي (إسرائيل) !.
وكلمة (الإسراء) أصلها (سرى)، تدل على حركة متصلة غير محددة مكررة، وذلك أعطاها بُعد الاستمرار، وأعقبها إثارة وامتداد؛ التي هي دلالة صوت(آ)، ومجموعة الأصوات بهذا الترتيب لكلمة (سرى) صارت تدل على الحركة والبحث عن الطريق، الذي يوصل إلى الهدف، والوصول إليه، والتمسك به باستقامة، والسير فيه بامتداد زماني ومكاني، وهذا يمكن أن يحصل في الليل أو النهار، ومن هذا التحليل لكلمة (سرى)، قالوا : إنها تدل على الكشف والإزالة، مثل: سرى المرض من جسم المريض، وقالوا: إنها تدل على السير والتداخل، مثل: سرى المرض في جسم المريض، ومنه قولهم: الأمراض السارية، إلى غير ذلك من الأقوال. والملاحظ في هذه الصور الدلالية لكلمة (سرى)، أنها صور استخدام وحدوث لدلالة الكلمة في الواقع (معنى)، وليس دلالتها الأصلية (مفهوم)، لذلك نلاحظ أن دلالة كلمة (سرى)؛ قد تحققت في الصورتين : خروج المرض من جسم المريض، ودخوله إليه.
فمفهوم كلمة(سرى) واحد من حيث الأصل، ويظهر بمعاني مختلفة في الواقع.
إئيل= الله
كلمة إيل : ظهرت في الثقافة العربية بصورة مُبكّرة على لسان بني إسرائيل، لتدل على الخالق المدبر{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الحديد3، وبالذات على صفة (الْأَوَّلُ) المستمر في وجوده؛ وهيمنته على أفعاله بصورة مباشرة، وهذا دلالة تحليل صوت حرف ( ل )، ومع تطور المجتمع الإنساني وارتقاء تفكيره، وصل إلى مفهوم صفة (الْآخِرُ)، التي تدل على بقاء واستمرار الأول على ما هو عليه، فأضاف صوت حرف (ل) لكلمة (إيل) مع حذف الياء فصارت (إلل)، ولفظها بصورة مفخمة، ومع استمرار الارتقاء بالتفكير، و الانعتاق من التجسيم، والوصول إلى الفكر المجرد، والتعامل مع الأفكار، لا مع الأشياء، أو الأشخاص، وصل المجتمع الإنساني إلى مفهوم الإيمان بالغيب مع تأثير ذلك على الحاضر؛ والتعامل معه كذلك، فأضاف صوت حرف ( هـ ) لكلمة ( إلل )، فصارت (إلله ) لتضيف إلى مفهوم ( الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) مفهوم (الظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)، الذي هو دلالة صوت (هـ)، التأرجح بصورة خفيفة، ويُسمى حرفاً غيبياً، كونه يصدر من الجوف، وظهر ذلك من خلال غياب ذات الله عن التصور، والتشيؤ، والتمثل، والتشبه، والتجسم، ومن باب أولى التنزه عن الحلول والاتحاد، وظهور أسمائه الفعلية (الخالق، المحيي، المميت، الرازق..) بصورة مشاهدة في الواقع لتؤكد؛ وتثبت وجوده الذاتي الموضوعي، ومع استمرار استخدام كلمة (إلله)؛ تم تبديل حركة الهمزة من الكسر إلى الفتح لسهولة النطق، والعرب تميل فطرة في أسلوب كلامها إلى السهولة واللين في استخدام النطق بالكلام.
وبناء على ما ذكرت، لا يوجد (أل) تعريف في كلمة (الله)، لأنها من أًصل الكلمة، ولو كانت مضافة إليها لصح إزالتها دون أن يتَغيّر المعنى؛ سوى نقلها من حالة المعرفة إلى النكرة، وكذلك ليس لها جذر فاستحال الاشتقاق منها، وبالتالي صارت كلمة (الله) اسم عَلَم مفرد جامد لا جمع لها؛وغير قابلة للاشتقاق،ولا تدل إلا على الخالق المدبر حصراً، وبذلك يتطابق هذا المفهوم مع الواقع تماماً من حيث أنه لا إله إلا الله.
أما كلمة ( إله)، فقد وُجدت نتيجة وجود مفهوم التعددية والشرك مع الله ، الذي هو مفهوم عارض، ومَرضي في المجتمع الإنساني، لأن الأصل هو التوحيد والإيمان،وليس الشرك أوالكفر، وقام هؤلاء بأخذ كلمة ( إله) من بداية مرحلة نشوء مفهوم كلمة (الله)، التي هي (إيله) فظهر مفهوم قاصر للألوهية؛ لا يشمل دلالة {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الحديد3،وإنما يدل على بعض من مفهوم كلمة (الله)، ومن هذا الوجه ظهر في التصور الإنساني مفهوم تعدد الآلهة، وتَقاسُمها الأدوار في إدارة وتدبير الوجود (أرباب مستقلة)، ليس له على أرض الواقع أي مصداقيّة مع وجود واستمرار مفهوم (الله)، {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (لقمان 25 )، فالخالق الأول في الثقافة الإنسانية قاطبة؛ هو الله لا شريك له أبداً، وكانت الآلهة المتخذة من قبل الناس إنما هو بمفهوم الربوبية من الإدارة والتدبير (أرباب)، وهؤلاء الأرباب مخلوقين للخالق المدبر الرب الأعلى ولكنهم مستقلين عن الله بالتدبير للناس وبناء على ذلك عبدوهم من دون الله أو معه، وهذا هو أحد صور الشرك مع الله العظيم، الذي حاربه جميع الأنبياء والرسل {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ } (الأعراف 73)، فكان مطلب الأنبياء والرسـل توحيد العبادة لله ، والله معروف عند الناس، وليس نكرة، لذا؛ لم يكن هذا المفهوم في أي مرحلة تاريخية محل اختلاف، أو نقاش، أو إنكار، ولم يأت القرآن ليثبت وجود الله، وإنما أتى لتصويب التوحيد والإيمان، لذا؛ كان التصديق بوجود الله فطرة مُسلَّم بها غير قابلة للبرهنة أو النقاش، والإيمان به حرية واختيار{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } الكهف29، فكلمة(إله) ظهرت في المجتمع بعد ظهور كلمة (الله)، وبالتالي؛ ليست أصلاً لها،ودلالتها قاصرة لا تشمل دلالة كلمة (الله)، والعكس صواب، بمعنى أن الله هو إله، وليس من أُطلق عليه كلمة إله هو الله، أما إذا أضفنا ( الـ ) التعريف إلى كلمة (إله) تصير (الإله)، وبذلك التعريف رجعت إلى المفهوم المعروف سابقاً (الله)، أما بصيغتها النكرة؛ فهي تدل على تصور ذهني قاصر ومحدود في صفاته، لذا؛ أتى القرآن دائماً ليُصَوّب هذا المفهوم، ويُرجعه إلى مفهوم (الله)، أو يستخدم التحديد والاستثناء بعد كلمة إله؛ نحو: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ } (المائدة73)، ليصير مفهوم كلمة (الله)، و(الإله)، و (إله واحد)، يدل على (الله) وحده لا شريك له. وتصير جملة : لا إله : نفي هذه الآلهة ( الأرباب المستقلين) الذهنية القاصرة، والمحدودة في أفعالها، وإثبات الوجود الحقيقي الفاعل في الواقع للخالق المدبر الرب الأعلى، المعروف مسبقاً للجميع، (إلا الله) وينتج عن ذلك ضرورة مفهوم توحيد العبادة للواحد الأحد،الله.
سبحانه وتعالى عَمَّا يَصفون، ما قَدروا الله حقَّ قَدره.
وتم دمج كلمة (إيل) مع كلمة ( إسرا) لتصير(إسرائيل)، التي تدل على الباحث عن طريق التوحيد، والوصول إليه، والتمسك به إيماناً، وهذا التحليل؛ تم ترجمته إلى مفهوم كلي من باب تفسير الشيء بمآله، فقالوا: إن كلمة (إسرائيل)، تدل على (عبد الله ) في النهاية. وهذا التفسير مَقبول للتعليم، ولعامة الناس، وليس للباحثين أو العلماء.
وصار مفهوم (يا بني إسرائيل) يدل على( يا أبناء الباحثين عن الحقيقة) ونحن امتداد لهم في البحث عن الحقيقة، وبالتالي ينتفي عن بني إسرائيل صفة التهود أو التنصر.
لذا؛ اقتضى التنبيه من اختراق اليهود لثقافتنا، وكشف محاولتهم إمرار دلالة كلمة ( إسرائيل )، بأنها ( أَسرُ الله ).
اضف تعليقا