{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } (الإسراء 1) وكلمة إسراء من سرى: وهي كلمة تدل على حركة حرة مكررة منتهية بامتداد زماني مكاني. ويمكن أن يكون الإسراء في الليل أو النهار بدليل ذكر كلمة الليل بعد كلمة الإسراء في النص (أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ولو كان الإسراء لا يكون إلاَّ في الليل لما كان يوجد حاجة لذكر كلمة (ليلاً ) بعد كلمة الإسراء لحصول المعنى في ذهن المتلقي، كما أن الإسراء يمكن أن يكون في السموات ويمكن أن يكون في الأرض، فهو غير مقيد بجهة السفلى أو العليا . قال المفسرون: إن الإسراء قد تم للنبي محمد في مكة، واختلفوا بعملية الإسراء هل كانت بالنفس فقط، أو بالنفس والجسم ؟ 1- فأصحاب رأي الإسراء بالنفس؛ كان دليلهم عدم مغادرة النبي محمد مكة وجوارها أبداً منذ أن تم اصطفاؤه للنبوة، وتكليفهُ بالدعوة. 2- أما أصحاب رأي الإسراء بالنفس والجسم، فدليلهم هو النص القرآني ذاته، فقالوا : الأصل في الخطاب القرآني الحقيقة، وليس المجاز، والله يقول : (أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) فمعنى ذلك أن الإسراء حقيقة كاملة، والقول بأن الإسراء تم بالنفس أثناء النوم؛ قول مرجوح، لأن الرؤية تصير ذهنية، وهذه الرؤية الذهنية لا يُعَوَّل عليها، ولا يَعتَدُّ بها صاحبها، ولا يقول ذهبت في رحلة؛ورأيت آيات الله ، بخلاف الرؤية الواعية فهي متعلقة بوجود موضوعي حقيقي، يترتب عليها أمور كثيرة على صعيد النفس والعقل،( لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا). والذي أراه صواباً؛ هو أن الإسراء تم في حالة نوم الجسم، فغادرت النفس الجسم الأرضي، ولبست جسماً آخر يناسب رحلتها تم استعماله في رحلة الإسراء بالنبي محمد مثل الذين يُقتلون في سبيل الله فتنزل نفوسهم في أجسام خاصة تناسب الوضع الجديد يحيون بها {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169، وبذلك يكون كل من الرأيين صواب من جانب. ودلَّ نص الإسراء على ثلاثة أمور : أولا: إنَّ النص يتكلم عن عملية إسراء قد تمت في الواقع حقيقة؛ وليست مناماً. ثانياً : الإسراء رحلة معرفية إدراكية تمت ليلاً، كما ذكر نص الإسراء، ونصوص سورة النجم : {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } (النجم (1 – 18) ثالثاً :صاحب الإسراء هو النبي محمد ودليلنا كلمة (بعبده)(1)، والضمير يعود إلى جهة معروفة، انظر الآيات في بداية سورة النجم (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) ، وذلك مثل قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا } (الكهف 1).