ينبغي على القراء أن يفرقوا بين دراسة نظرية لحكم وبين الإلزام بتطبيقه لقائله أو اتهامه بالدعوة إليه، فهذا ليس ملزماً ومن الخطأ استخدامه ضد القائل فمعروف ان لازم المذهب غير لازم ، وأن القول بالإباحة لشيء لايعني تطبيقه وإنما هو حكم نظري عام للناس ممكن يرفضه مجتمع ويقبله آخر فهذا مرتهن بثقافة كل مجتمع وتطوره وتعقيد علاقاته واختلاف ظروفه .ورأي الدكتور شحرور بالمساكنة من هذا القبيل فهو ليس إباحة ماحرم الله ولادعوة للفاحشة أو الإباحية ، إنما هو راي نظري ارتآه وفق رؤية معينة قد تكون صواباً وقد تكون خطأ، ولكل رأيه .

إن الموضوع على درجة  من الأهمية ، والخطورة،  وذلك لتعلقه بنمط حياة الشباب من النوعين (الذكر والأنثى )، لاسيما بالانفتاح الإعلامي المرئي على العالم كله،  والموضوع بحاجة إلى دراسة قرآنية جديدة ، وضبط المفاهيم التي استخدمها القرآن ، مع أخذ العلم أن الخطاب القرآني خطاب لكل الناس مع اختلاف عامل الزمان والمكان،  ما يدل على أن التشريع القرآني تشريع إنساني حدودي،  وبالتالي لا يُعَوَّل على عدم قَبول ثقافة معينة لصورة من صور النكاح المتضمنة في النص القرآني،  لأن هذه الصورة ليست للإلزام،  وإنما هي مجال للتحرك،  واختيار الحل المناسب للظرف المعين،  فمن  الطبيعي أن يرفض مجتمع  ما؛ صورة للنكاح حسب ثقافته ، وهذا حقه ، ولكن ينبغي أن لا يَعُدَّ ذلك حكم الله في المسألة،  وبالتالي لا يحق له أن يُنكر على مجتمع آخر ارتأى صورة أخرى للنكاح،  فالحكم الإلهي أتى حصراً في القرآن،  وكل ما هو خارج النص القرآني هو رأي غير ملزم لأحد ، إلا في حال تبنته الدولة ، فيصير قانوناً يُلزم الإنسان الذي يحمل التابعية للدولة ، ولا يُعطى لهذا الاختيار صفة الحكم الإلهي (الحرام أو الواجب الديني ) ، وممارسة النكاح بين الذكر والأنثى هو أصل فطري لإشباع غريزة النوع.

لذا؛ لم يتعرض الدين  إلى حكم إباحته لأنه تحصيل حاصل،  وإنما تعرض لوضع نظام ينظم إشباع الغريزة ، اعتماداً على أن الإنسان جعله الله في مقام الخلافة في الأرض ؛ ليستعمرها بالصلاح والخير، وهذا يقتضي مفهوم التسخير لكل مقومات الحياة له ليستخدمها في مهمته، ومفهوم الخلافة والتسخير قائمان على العقل والحرية عند الإنسان ، وهذا يقتضي المسؤولية والحساب ، ومن هذه المفاهيم كلها؛ تم الوصول إلى قاعدة تشريعية إلهية أساسية وهي (الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص )، فالحرام بحاجة إلى نص إلهي يحدده، بخلاف المباح ، فهو لا يحتاج إلى نص يبيحه ، لأنه يندرج تحت الأصل ، وبمعنى آخر،  الحرام مقيد بالنص عيناً  أو ما يدل عليه، والحلال مطلق، وترك الشارع للمجتمع الإنساني أن ينظم ممارسة المباح على أرض الواقع، ومن هذا الوجه ، قيل: لا يطبق المباح إلا مُنَظَّماً ، لأن عدم تنظيم ممارسة المباح يؤدي إلى تضارب مصالح الناس ، والإضرار بهم .

التوثيق واجب في  النكاح

لنر الآن هل أطلق المشرع في القرآن ممارسة النكاح، أو قيده بصورة معينة؟ أول أمر نراه في النص القرآني ، هو اهتمامه بالأسرة والمحارم ، والعلاقات بينهم ، وجعل ذلك مقصداً للتشريع، وعلة له ، فَنَصَّ على تحريم نكاح المحارم، وبعض العلاقات التي أُلحقت بهم ، مثل زوجة الأب ، وأعطى صورة أخرى حكم التحريم المؤقت، مثل الجمع بين الأختين في نكاح واحد،  وهذه المسائل معروفة في كتب الفقه ، وخارج هذه العلاقات تركها المشرع للأصل،  الذي هو الإباحة، ولكن لم يتركها لهوى الناس ، وإنما وضع لها أحكاماً ليتقيد الإنسان بها، ويُنظم عملية إشباع شهوة الجنس في المجتمع .

أول حكم نلاحظه في تنظيم هذا الإشباع الجنسي ، هو أن يكون ذلك تحت حماية المجتمع الذي ينتمي إليه الإنسان، وذلك لحفظ حقوق المرأة ، وحمايتها ، وحفظ ما يترتب على هذه العلاقة من أولاد، أو تأثير أخلاقي على المجتمع،  فعقد نكاح الذكر على الأنثى ليس مجرد عقد عادي كمثل عقود البيع، حيث يتم ذلك بين اثنين فقط تلاقت إرادتهما على الإيجاب والقَبول دون الحاجة إلى شهود ، لأن البيع يتم من خلال الاستلام للشيء ، وتسليم ثمنه ، وكل واحد يذهب في حال سبيله ، وعلى افتراض وقوع غبن أو خطأ في عملية البيع، فنتيجة ذلك لا تتجاوز الاثنين مع إمكانية الإصلاح ، بخلاف عقد النكاح ، فهو عقد اجتماعي يؤثر نجاحه أو فشله على المجتمع إيجاباً أو سلباً، فهو غير  محصور بين اثنين، كما أنه يتعلق بالإنسان نفسه، لا بالأشياء .

والمشرع أشار إلى هذا المقصد الاجتماعي ، وأوجب أن يكون العقد بإشراف المجتمع وحمايته، وأي عقد للنكاح لا يحميه المجتمع بقانونه وثقافته فهو عقد فاسد، وهذا غير العقد الباطل المتعلق بالحرام أصلاً ، مثل نكاح المحارم ، فهذا حرام سواء رضي المجتمع به أم لم يرض، ولا يخضع هذا النكاح لتصويت مجلس النواب، أو البرلمان، أو الأكثرية .

انظر إلى قوله تعالى : { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ }( النساء25 )

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } (النساء35)

{ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ } (الطلاق 2)

{وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ}  (النساء15)

{ وَالّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ } (النور4)

فهذه النصوص صريحة في جعل عقد النكاح، أو نقضه تحت حماية المجتمع وإشرافه، وهذا يؤكد وجوب حماية المجتمع قانوناً وثقافة في عقد النكاح بصورتيه: الدائم،وملك اليمين، وما ينبغي أن يكون عقد النكاح مثل عقد البيع أبداً .

فما هي أحكام النكاح التي حددها المشرع ؟

إنّ الدارس لنصوص القرآن يجد أن النكاح له صورتين فقط ، وهما :

الزواج الدائم ، وملك اليمين، اقرأ قوله تعالى :

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ*وَالّذِينَ هُمْ عَنِ اللّغْوِ مّعْرِضُونَ*وَالّذِينَ هُمْ لِلزّكَـاةِ فَاعِلُونَ*وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلاّ عَلَىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَىَ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (المؤمنون 1-7).

وهاتان الصورتان يجتمعان في أحكام ، ويختلفان في أخرى، ولكن قبل أن نذكر ذلك لابد من تعريف ملك اليمين .

مفهوم ملك اليمين

إن الاختلاف في المجتمع، وتفضيل طبقة على أخرى بالمال، والعمل، والثقافة، والقوة سنَّة من سُنن الله U في بُنية المجتمعات، ونشوئها، وذلك كي يتمَّ التكامل والتبادل للمنافع والتسخير، ومن ثمَّ؛ إلى التقدّم والتطوّر، قال تعالى:

{وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ فَمَا الّذِينَ فُضّلُواْ بِرَآدّي رِزْقِهِمْ عَلَىَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } (النحل 71)

{انظُرْ كَيْفَ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ } (الاسراء21)

{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ } (الزخرف32 ) 

وليس هذا التفضيل بين الناس قدراً إلهياً حتمياً، متعلّقاً بزيد أو عَمرو كأفراد، وإنما هو قدر إلهي اجتماعي اكتسابي، والإنسان قادر على تغيير قَدَره بالجدّ والعمل والدراسة، والانتقال إلى قدر الله الإيجابي، من خلال دفع القدر السلبي بالقدر الإيجابي (نفرُّ من قَدَر الله إلى قَدَر الله)، مع استمرار وجود القَدَر بثنائيته في المجتمع، بصفته الاجتماعية، وليست الفردية.

   فالإنسان يستطيع أن يدفع عنه قَدَرَ الفقر بقَدَر الغنى، من خلال الأَخْذ بوسائل الغنى نحو العمل والجدّ والتخطيط والطموح والصبر لتحقيق الهدف، وهكذا قَدَر المرض، وقَدَر عدم العلم والمعرفة، وقَدَر الضعف الاجتماعي…. الخ، يقوم الإنسان بدَفعها بأقدار الخير؛ للوصول إلى النتائج الإيجابية، ومن ذلك قيل: ندفع أقدار الحقّ بالحقّ، للوصول إلى الحقّ.

إذاً؛ المجتمع مؤلّف من طبقات متفاوتة في المال، والعمل، والثقافة، والمقام الاجتماعي، ضرورة حياتية لاستمرار المعيشة، وحصول التقدّم والتطوّر، فالمجتمع فيه طبقة قيادية، وطبقة انقيادية تابعة للأولى في أمور حياتها؛ يقومان على قانون التفضيل ، والتسخير، والدفع، اقرأ قوله تعالى: {وَاللّهُ فَضّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىَ بَعْضٍ فِي الْرّزْقِ} (النحل 71)

{ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ } ( الزخرف32 ) 

{وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لّهُدّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنّ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنّ اللّهَ لَقَوِيّ عَزِيزٌ } الحج(40)، فكان من الطبيعي أن يوجد نظام يحدّد العلاقة بين مختلف الطبقات، كلّ حسب مقامه الاجتماعي: { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }الزمر(9) ومن هذه الفروقات في المجتمع نشأ الفَرْق في الأحكام بينهم من حيثُ العلاج والعقوبات. مثلاً؛ المرأة الضعيفة الفاقدة للحصانة الاجتماعية إنْ زنت، جعل الله عقابها نصف عذاب المرأة المتمتّعة بالحصانة الاجتماعية، قال تعالى : { فَإِذَآ أُحْصِنّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ } (النساء 25) فالشارع اعتمد في تشريعه على معطيات الواقع، وحيثياته، وهذا لتحقيق العدل الإلهي في المجتمعات الإنسانية.

ومن الفروقات الموجودة في المجتمع بعلاقاته مع بعضه علاقة النكاح بين أفراد الطبقات، نشأ ما يُسمّى بنكاح ملك اليمين، وملك اليمين في المجتمع هو الطبقة التابعة في أمور حياتها المعيشية للطبقة الفاعلة والقائدة، فهي طبقة فقيرة لا تملك زمام أمور نفسها، وهي تعيش ضمن دائرة الطبقة الأقوى.

فماذا تعني صفة الملْكِّية، ومُلك اليمين؟

إن صفة الملكية في الواقع تتحقّق في صفة حقّ حرية التصرّف بالشيء، نحو البيع والشراء، أو الهبة والعطاء، وتتحقّق بصفة حقّ الانتفاع بالشيء فقط، دون حقّ حرية التصرّف به، نحو عملية استئجار البيت، فالمستأجر له حقّ الانتفاع فقط، ولا يملك حقّ حرية التصرّف في البيت بيعاً وشراء، أو تغيير مواصفاته.

وإذا مَلَكَ الإنسان حقّ حرية التصرّف بالشيء، فمن باب أولى أن يملك حقّ الانتفاع به، والعكس غير صواب، فَمَنْ يملك حقّ الانتفاع لا يُشترط له أن يملك حقّ حرية التصرّف به. هذا هو المقصد من كلمة ملك اليمين في الواقع المعيشي، وقد تحقّق هذا المفهوم (ملك اليمين) في التاريخ بصور اجتماعية كثيرة؛ مثل العمال، والمزارعين، والمستخدمين، فقد تحقّقت فيهم صفة حقّ الانتفاع بخدماتهم، وجهدهم، دون حقّ حرية التصرّف بهم بيعاً وشراءً.

وتحقّق -أيضاً – بصورة الرقّ نتيجة الحروب، وللحصول على اليد العاملة مجاناً، ولكنْ بظهور صفة حقّ حرية التصرّف بهم بيعاً وشراءً، التي نتج عنها حقّ الانتفاع بهم خدمة وعملاً، فظهر في التاريخ مسألة العبودية، نتيجة الظلم والجشع، وصار الإنسان مُلك يمين يُباع ويُشترَى مثل الأمتعة والأشياء، وَفَقَدَ الحصانة الاجتماعية، فهذا النظام العبودي لم يضعه الخالق، ولم يُشرّعه، وإنما الذي وضعه المجتمع الظالم المستعبد للإنسان، والشارعُ إنما وضع نظاماً متوافقاً مع بنية المجتمع من حيث اختلاف طبقاته وتفضيل بعضهم على بعض؛ فكان ذلك تحت اسم نظام ملك اليمين، الذي تناول نظام الرّقّ ضمناً، كونه مُمارَساً على أرض الواقع بأدنى صوره، وصفة الملكية مُتحقِّقةً من حيث حقّ حرية التصرّف بالشيء، فقام بتجفيف هذه الصورة الهابطة، من نظام ملك اليمين؛ لتصادمها مع حرية الإنسان، وكرامته، واستمرت صورة حقّ الانتفاع بخدمة ملك اليمين وعملهم وجهدهم ، كونها صورة إنسانية طبيعية في المجتمعات، ومن الأمور المتعلّقة بملك اليمين التي تناولها الشارع مسألة النكاح لهم، فذكر بعض الصور التي كانت تُمارَس، أو أكثرها ممارسة علاج لمشكلة اجتماعية متعلّقة بالرجل من جانب، وبالمرأة من جانب آخر، فقام الشارعُ بحلِّ المشكلتَيْن مع بعضهما بوقت واحد؛ حيث طلب من الرجل – لحلِّ مشكلته – أن يحلَّ مقابلها مشكلة المرأة، وهذا توجيه ربَّاني لطريقة حلول المشاكل الاجتماعية، ومنع صفة الأنانية، والاستفادة لطرف على حساب طرف آخر، فالمنفعة للجميع، سواء بسواء.

 

الأحكام المشتركة بين الزواج الدائم ، ونكاح ملك اليمين

1- تحريم نكاح المحارم ولو كانوا من ملك اليمين، لأن نص تحريم نكاح المحارم عام،  وأصل غير قابل للاستثناء أبداً ، ويسري مفعوله على صورتي النكاح .

2- تحريم نكاح المرأة المحصنة بالزواج ولو كانت من ملك اليمين ، قال تعالى: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأخِ وَبَنَاتُ الاُخْتِ وَأُمّهَاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مّنَ الرّضَاعَةِ وَأُمّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مّن نّسَآئِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَإِن لّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الاخْتَيْنِ إَلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رّحِيماً*وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلّ لَكُمْ مّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً } (النساء23-24) .

والمحصـنات  في النص،  هن  المتزوجات ،  والاسـتثناء  يعود إلى  بدايـة  النـص  {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ } ، ولا يعود إلى جملة { وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَآءِ}، ومن باب أولى؛ أن لا يعود إلى المحارم أيضاً .

قيل لأحد الفقهاء: إن الرجل يكون في ملك يمينه ذكوراً ، فهل يباح أن ينكحهم ؟

   فقال: ويوجد أيضاً في ملك يمينه حميراً ، فهل يجوز أن ينكحهم !؟

إن المشرع عندما يتكلم، يوجه خطابه إلى كائن حي عاقل ، ومطلوب من المُخاطب أن يتفاعل مع الخطاب ، ويقوم بعملية تقاطع نصوص التشريع مع بعضها،وفهم مقاصدها، وعدم الوقوع في التعضية لها، فالنص التشريعي منظومة متكاملة ينبغي أن تنسجم مع بعضها  وينبغي استحضارها كلها لفهم المسألة الجزئية مع إسقاطها على محلها من الخطاب (الواقع).

3 – وجوب وجود عقد نكاح مُوثق، ومَحمي بقانون المجتمع وثقافته .

فالزواج الدائم المعروف لا خلاف فيه بين كل المجتمعات الإنسانية على مختلف الثقافات ، أما نكاح ملك اليمين فهو محل اختلاف بين الثقافات والقوانين ، فينبغي الالتزام بقانون  المجتمع وثقافته  الذي ننتمي  إليه ، ونعيش فيه ،  وذلك بشرط أن يكون ضمن صور نكاح ملك اليمين التي أباحها المشرع.

4- يحمل الأولاد اسم والدهم وجوباً ، ويكلف بالنفقة عليهم .

أهم الأحكام المختلفة بين الزواج الدائم ، ونكاح ملك اليمين

1- الزواج الدائم يترتب عليه أحكام المواريث، أما نكاح ملك اليمين فلا ميراث له.

2- الزواج الدائم يقوم على الميثاق الغليظ ، والرابطة المقدسة ، بخلاف نكاح ملك اليمين فلا ميثاق له ، ولا يقوم على رابطة مقدسة .

3- يباح تعدد نكاح النساء بالزواج الدائم ، بينما يحرم التعدد على الرجل أو المرأة في نكاح ملك اليمين ، فهو خاص للعُزّاب.

4 – الزواج الدائم يُنقض بمشروع الطلاق،بينما يُنقض نكاح ملك اليمين بانتهاء الأجل .

5- يتعلق استمرار الزواج الدائم بإرادة الطرفين ، بينما يتعلق نكاح ملك اليمين بالمدة الزمنية المتفق عليها في العقد، مع العلم أن العقد يمكن تجديده برضا الطرفين .

6- الزواج الدائم أصل في المجتمع ونواة له ، أما نكاح ملك اليمين فهو علاج ظرفي استثنائي للطرفين ، وليس أصلاً .

7- يحرم اجتماع الزواج الدائم ، ونكاح ملك اليمين معاً في وقت واحد ، فوجود أحدهما يمنع الآخر وجوباً ، انظر إلى قوله تعالى : { وَالّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ*إِلاّ عَلَىَ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ*فَمَنِ ابْتَغَىَ وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُوْلَـَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}المؤمنون (5-7)، وكلمة (أو) تدل على التخيير، وليس على التعداد أو التقسيم .

8- عدة المطلقة ثلاثة قروء ( حيضات) ، بينما عدة المرأة من ملك اليمين حيضة واحدة لاستبراء رحمها ، أو التأكد من ذلك بواسطة الأدوات العلمية المخبرية .

9- الزواج الدائم له صَداق (المهر) وجوباً كحق للمرأة ، بينما نكاح ملك اليمين له أجر.

10- غاية الزواج الدائم الاستقرار، والإحصان، والسكن، وتأسيس أسرة ، بينما غاية نكاح ملك اليمين هو الإحصان للرجل،  والأجر للمرأة، وقد يتعاكسا حسب الظروف، أو يشتركا في الغاية.

خلاصة أحكام نكاح ملك اليمين

1- الدافع هو الإحصان ، أو الأجر .

2- هذا النكاح خاص للعُزّاب فقط من الطرفين .

3- يحرم التعدد في نكاح ملك اليمين .

4- أن يكون العقد بينهما مُوَثّقاً ومَحمياً من المجتمع ثقافة وقانوناً .

5- أن تكون المدة الزمنية تحقق الإحصان ، وبالتالي يَحرم  نكاح ملك اليمين  لمدة قصيرة ، ولاسيما اللحظة أو اليوم الواحد، { وَأُحِلّ لَكُمْ مّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُمْ مّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} النساء(24)، { ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ} النساء (25).

6- يحرم على الطرفين السفاح، الذي هو الانتقال من نكاح إلى آخر، لأن ذلك ينقض الدافع له، الذي هو الإحصان أو الأجر ، ويصير دعارة ( زنى ) .

7- ينتهي مفعول نكاح ملك اليمين بمجرد انقضاء الوقت المتفق عليه في العقد .

8- عدة نكاح ملك اليمين حيضة واحدة لاستبراء الرحم، أو التأكد من ذلك بواسطة الأدوات العلمية المخبرية .

9- العلاقة في نكاح ملك اليمين خاضعة لبنود الاتفاق بينهما .

10- حض المشرع على الصبر وعدم ممارسة هذا النكاح، {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ} النساء (25). 

تعريف الفاحشة و الزنى

قبل أن نعرف كُلاًّ منهما ينبغي الانتباه إلى مسألة مهمة ، وهي أن حكم التحريم تعلق بالفاحشة ، { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } (الأنعام 151)،بينما العقوبة تعلقت بالزنى ، {الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُواْ كُلّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ } النور(2) ، والخيانة في العلاقة الجنسية  الزوجية لكلا  الطرفين،   {وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لّهُمْ شُهَدَآءُ إِلاّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ*وَالْخَامِسَةُ أَنّ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } (النور 6 -8).

  الفاحشة : كلمة تدل على كل عمل أو سلوك قبيح أو مُخل بالآداب العامة والقيم .

والنص القرآني استخدمها بهذه الصور:

1-سلوك قبيح : قال تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مّنَ النّسَآءِ إِلاّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً } (النساء22).

2-السحاق : وهي علاقة جنسية مثلية بين أنثى وأنثى ، {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنّ أَرْبَعةً مّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنّ فِي الْبُيُوتِ حَتّىَ يَتَوَفّاهُنّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنّ سَبِيلاً} (النساء15).

3 –المثلية الذكوريةهي علاقة جنسية مثلية بين ذكر وذكر، {وَاللّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنّ اللّهَ كَانَ تَوّاباً رّحِيماً} ( النساء16)

4-علاقة جنسية بين عازبين ( ذكر وأنثى ) دون عقد موثق اجتماعياً يشملهما النص السابق بعموم دلالة كلمة (الفاحشة ) { وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } (الأنعام 151)، {وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نّسَآئِكُمْ }{وَاللّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} فالأنثى يتم الإشهاد عليها ، فإن شهد أربعة يعرفونها، وهذه دلالة كلمة (منكم) يتم تقليص حركتها الاجتماعية إلى الحد الأدنى، وبرفقة من يحميها إلى أن تتزوج، أو ينصلح حالها، أو يأتي أجلها ، أما الذكر فيتعرض إلى عقوبة مؤذية نفسية، أو مادية يحددها المجتمع، حتى يتوب وينصلح حاله، أويُصلح ما أفسد، فيتم الإعراض عنه ، ويُترك حراً .

ويندرج تحت مفهوم  تحريم  الفاحشة إتيان البهائم، و كل  عمل  مُخل بالآداب  العامة  والقيم، التي تصدر من الذكر أو الأنثى في المجتمع، فَيُعَرِّض نفسه للعقوبة التي يراها المجتمع رادعة بشرط أن لاتصل إلى القتل ، أو حد الزنى ( مئة جلدة).

5-الخيانة الزوجية:  قال تعالى : { وَيَدْرَؤُاْ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ } (النور 8)، ومحل الشاهد هو كلمة (العذاب) التي ترجع في دلالتها إلى حد عقوبة الزنى مئة جلدة ، فالمرأة أو الرجل إن مارسا الفاحشة (الخيانة الزوجية) وأثبت أحدهما ذلك من خلال الشهود الأربعة ، يُقام على الخائن منهما عقوبة مئة جلدة ، ويتم التفريق بينهما ، وتسقط حقوقه الزوجية والمالية .

     الزنى : كلمة تدل على وجود طاقة داخلية تدفع الإنسان (الذكر أو الأنثى) إلى ممارسة العلاقة الجنسية بصورة دائمة ومتنقلة من جهة إلى أخرى (دعارة ) حيث يصير زاني أو زانية  يعني استحق اسم الفاعل( الزانية والزاني)، حيث يشتهر عنه ذلك السلوك، ويُعرف في وسطه الاجتماعي، ويوصف به (الزاني أو الزانية)، أما إن مارس الفاحشة مرة (الإشباع الجنسي من خلال دُور الدعارة) دون امتهان ذلك أو الإدمان عليه، لا يكتسب اسم الفاعل ( الزاني)، وإنما يُقال : إنه يمارس الزنى كفعل، وبالتالي لا يُطبق عليه حد الزاني، وإنما يُطبق عليه عقوبة رادعة مؤذية يختارها المجتمع، وإن كان متزوجاً ، يُطبق عليه حد الخيانة الزوجية.

فالزنى هو فاحشة ، والعكس غير صواب، وحد الزاني( الدعارة) يُطبق كما أتى في النص بصرف النظر عن مكانة المرأة أو الرجل اجتماعياً ، وإن كانت المرأة متزوجة أو الرجل ، ومارسا الزنى فيُطبق عليهما حد الخيانة الزوجية حسب مكانتهم الاجتماعية (50-100-200) ، ويُضاف لها حد الزاني مئة جلدة مع إشهار ذلك اجتماعياً .

لذا ؛ العلاقة الجنسية بين العُزّاب (ذكر وأنثى) دون عقد مُوَثق اجتماعياً ، أو بحده الأدنى على صعيد أسرة المرأة، هي فاحشة ، والزواج الذي يقوم به الرجل المتزوج تحت اسم زواج المسيار أو غيره من الأسماء ، هو فاحشة تحت الغطاء الشرعي ، بمعنى آخر فاحشة مُقَنّنة يحميها المجتمع ، لأن المقصد من الزواج الدائم انتفى، وصار النكاح من حيث الواقع هو نكاح مأجور، الذي يُسمى نكاح المتعة،  وهذا النكاح يحرم على المتزوج، لأنه مُحصن، ومَنع هذا النوع من النكاح (المسيار) مُناط بثقافة المجتمع و وعيه،  لا علاقة للقانون به ، لأن القانون يتعلق بالشكل والظاهر، ولا يستطيع أن يتعلق بالمضمون أبداً ، والرجل المتزوج الذي يريد أن يتزوج من أخرى بنية الطلاق المبيتة سابقاً ، ولا يريد من الزواج الثاني إلا المتعة المؤقتة فقط ،  يكون رجلاً كاذباً في علاقته الاجتماعية، وغاشّاً للمرأة وأهلها، ويكون قد وقع بالفاحشة والخيانة الزوجية، وإن كانت المرأة أو أهلها يعلمون ذلك مسبقاً ، فهم شركاء في الاحتيال على القانون ، وشركاء في الإثم ، لأنهم قاموا بتسهيل ممارسة الفاحشة ، وهذا بخلاف الرجل العازب إن أراد الزواج الدائم ؛ ولكن بشرط عدم تأمين السكن أو النفقة حالياً لمدة تطول أو تقصر ؛ (المسلمون عند شروطهم ، والعقد شريعة المتعاقدين )، فهذا زواج مشروع ولا غبار عليه  ويدخل تحت هذا النوع من الزواج  صور الزواج المعروفة باوربا باسم (السامبو والساربو)، ويمكن مع الزمن أن تزول هذه الموانع ويؤسس بيتاً وأسرة (1)

{ إِنّ الّذِينَ يُحِبّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الّذِينَ آمَنُواْ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدّنْيَا والآخرة وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (النور19)

مقابلةالدكتور شحرور مع العربية عن المساكنة و العلاقة الجنسية بين العزاب

http://www.alarabiya.net/articles/2008/01/27/44810.html