الفرق بين النبي والرسول

نبي: مفرد نبييّن: اسم فاعل وهو متعد، وأفادت دلالة الياء الجهد الممتد زمانيًّا، وهو من الفعل الثلاثي (نبا) الذي يدل على ستر وجمع مستقر منته بامتداد وإثارة في الزمان والمكان، ومن هذا الوجه قال المفسرون: إن كلمة نبي تدل على الرجل الذي يرفع الناس ويسمو بهم إلى الله، فهو مثل الطريق الممتد زمانيًّا ومكانيًّا.

فالنبي؛ هو رجل بعثه الله في قومه، واختاره لمقام النبوة، وأوحى إليه بهذا التكليف، والتشريف، ليقوم بعملية الدعوة، والتعليم لمجتمعه مستخدمًا الشرع السابق، الذي نزل على الرسول النبي. فالنبي هو تابع للرسول النبي السابق، يدعو إلى شرعه، نحو أنبياء بني إسرائيل.

– كلمة رسول ورسالة من رسل: التي تدل على تكرار حركة حرة تنتهي بحركة لازمة، وظهر هذا المفهوم بفعل أرسل الذي هو امتداد في الحركة وانتقالها من إلى.

واسم الفاعل هو (مُرْسِل) من الفعل الرباعي أرسل، والشيء الذي ينتقل من المُرْسِل إلى المُرْسَل إليه يُسَمَّى رسالة أو رسولًا على المصدر؛ لأن القيمة الحقيقية للرسالة فهي التي تنتقل، ويمكن أن تنتقل بعدة وسائل، منها على سبيل المثال، الحمام الزاجل، فيكون الحمام رسولًا من هذا الباب، ويمكن أن تنتقل الرسالة خلال جهاز إلكتروني (الإنترنت) فتكون الرسالة ذاتها هي رسول توصل الخبر بذاتها، ويمكن أن تنتقل عن طريق إنسان فيكون بذلك رسولًا، أي: هو والرسالة اندمجا معًا، إذن تكون الأدوات أو الوسائل رسل طالما أنهم يحملون رسالة، فإن انتفى عنهم حمل الرسالة، أو أوصلوا مضمونها إلى المُرْسَل إليه ينتقل اسم الرسول إلى الرسالة ذاتها؛ لأنها هي المعنية في الإرسال وتصير رسولًا بالنسبة للمُرْسَل إليه، وينبغي الانتباه إلى أن الرسول النبي كان له دور في حياته متعلقًا بقيادة الأمة وتعليمها، وتوقف ذلك بوفاته.

فكلمة (رسول) لها متعلقان في الواقع:

– أحدهما: الأصل؛ وهي الرسالة ذاتها.

– الآخر: الفرع؛ وهي الوسيلة أو الأداة التي حملت الرسالة.

وفي حال انفصال الأداة أو الوسيلة عن الرسالة، يزول اسم الرسول عنها، وتنفرد الرسالة باسم الرسول، خاصة إن كانت مستمرة تخاطب الأجيال، فهي رسول إليهم كونها تنتقل من جيل إلى آخر، ويُعرف المقصد من استخدام كلمة الرسول في النص أهي الرسالة فقط، أم حامل الرسالة، أم كلاهما من خلال سياق الخطاب وإسقاطه على محله من الواقع.

نلاحظ أن فعل بعث متعلق بالنبي، وفعل أرسل متعلق بالرسول، وفعل بعث أساس لفعل أرسل، فالنبوة أساس للرسالة، وكل نبي رسول ؛ ولا عكس.

{وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم: 54].

أسلوب القرءان علمي حكيم لا يوجد فيه حشو ولا عبث، ولا يذكر ما هو تحصيل حاصل، فلو كان كل رسول نبي لما كان في حاجة لذكر كلمة نبي وراء كلمة رسول، وعندما أتت وراءها دل على أن ليس كل رسول عمومًا هو نبي لوجود رسل من الملائكة وغيرهم من الناس لبعضهم بعضًا.

وينبغي التطرق لمسألة مهمة، حتى لا يقع القارئ في لبس، وحيرة من خلال تلاوة الآيات القرءانية، التي تناولت الأنبياء؛ ووصفتهم بمقام الرسالة، نحو قوله تعالى:

1{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة: 70].

2{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87].

فسياق الآيات يدل ظاهرها على أن النبي هو رسول، والرسول هو نبي من حيث الدلالة، ويمكن أن يصيبهم القتل، وبالتالي لا فرق بين النبي والرسول من حيث الأحكام المتعلقة بهم. والواقع أنه يوجد فرقًا، وسوف نلاحظ ذلك من خلال نبوة موسى، وهارون.

قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم: 53].

وقال: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 12-13].

وقال: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ العَالَمِينَ} [الشعراء: 16].

فهارون هو نبي، وفي الوقت ذاته أرسله الله عز وجل مع موسى إلى فرعون، وجعله وزيرًا لموسى يؤازره، فصار رسولًا أيضًا، فما الفرق بينه، وبين موسى إذا كان كلاهما نبيًّا، ورسولًا؟

الفرق بينهما يكمن في أن موسى نزلت عليه رسالة، بينما هارون لم تنزل عليه رسالة، وإنما هو تابع لرسالة موسى يدعو إليها، لذلك تم وصف هارون من حيث الوظيفة بمقام الوزارة.

قال تعالى: {وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي} [طه: 29].

فالنبي في مقام العالم المؤهل لقيادة الناس والعناية بهم، والصلة بينه وبين الله مستمرة لا تنقطع عن طريق الوحي، فيمكن أن يوحى إليه بعض الأوامر المتعلقة بقومه لحل مشاكلهم وإخبارهم ببعض الأمور لتقوية إيمانهم، ولكن لا ينزل عليه رسالة تشريعية، وإنما هو تابع لرسول سبقه صاحب رسالة، كما هو الحال في أنبياء بني إسرائيل، فكلهم تابعون لرسالة موسى، لم ينزل عليهم أي تشريعات، وإنما نزل عليهم أوامر وتعليمات؛ ليقوموا باستخدامها في عملية الإرشاد والهداية، والتوجيه لرسالة موسى، فكانوا بذلك العمل قد تحقق بهم صفة الإرسال من الله لهم للناس، فصاروا بذلك مرسلين، ولكن دون رسالة تشريعية، إلا النبي عيسى عليه السلام، فقد صار بمقام الرسول صاحب الرسالة، وأخذ حكمهم من حيث الحفظ والعصمة عن القتل.

ومن هذا الوجه كان النبي رسولًا، والرسول نبيًّا، لأن القيمة الحقيقية والثمرة للنبوة إنما هو للرسالة. فإن انتفت الرسالة من حيث النزول، أو الدعوة إليها، تفرغ مقام النبوة من مضمونه، ومثل ذلك كمثل العالم العامل بعلمه دعوة وتعليمًا، والعالم الساكت عن علمه والكاتم له لا يفيد به أحدًا، فهو بذلك صار من حيث النتيجة مثله مثل الذي لا يعلم تمامًا.

إذن؛ وظيفة الرسالة متحققة بالنبي، الذي نزل عليه رسالة جديدة، فصار بها رسولًا مبلغًا يدعو إليها، ومتحققة بالنبي الذي لم ينزل عليه رسالة مثل هارون من خلال دعوته للرسالة التي نزلت على أخيه فصار رسولًا معلمًا وداعية، وكلاهما رسول رب العالمين، والقرءان استخدم هذه التعريفات والتفريقات بين النبي والرسول، فأعطى لكلاهما صفة الإرسال، ووصفهما بمقام الرسول، وفي الوقت ذاته فرَّق بينهما، إذ جعل الرسول صاحب الرسالة معصومًا عن القتل لإتمام رسالته، بينما الرسول التابع جاز عليه القتل، وقد حصل في الواقع، فصار اصطلاحًا أن الرسول التابع هو نبي، والنبي صاحب الرسالة هو رسول، ومن هذا الوجه ظهرت المقولة التي تقول: كل نبي رسول ولا عكس، رغم أن كلاهما رسول من حيث الإرسال لهما من قبل الله للناس، وكلاهما مأموران بالدعوة والتعليم والتبليغ.

قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحج: 52].

فتكون وظيفة النبي هي: الدعوة والتعليم والقيادة للناس، كون النبوة مقامًا علميًّا، ويكون بذلك رسولًا تابعًا.

أما وظيفة الرسول فهي: التلاوة والتبليغ لما أنزل الله عليه من أوامر تشريعية، فهو صاحب رسالة، إضافة لمقام النبوة.

قال تعالى: {وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ} [العنكبوت: 18].

وقال: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالدين إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151].

وينبغي الانتباه إلى أن النبوة لم تنف الصفة البشرية عن النبي، وإنما أضافت له مقامًا علميًّا، وعندما صار النبي رسولًا، لم ينتف عنه صفة البشرية، ووظيفة النبوة، وإنما أُضيف له مقام الرسالة، مع الحفاظ على الصفات البشرية، والنبوية، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

كل نبي رسول هو إنسان ولا عكس.