تعريف النطق والمنطق

النطق ليس مجرد تلاوة صوتية أو لفظية، فالمنطق من نطق: وهي فعل مستور مندفع بقوة منته بتوقف شديد، وظهر ثقافياً بمعنى القواعد أو القوانين المستورة التي تندفع ضابطة للشيء وناهيته بتوقف وإحكام وعدم تسيب أو ضياع أو اختلاط، ومن هذا الوجه أتى كلمة (المنطق) لمجموعة القواعد الناظمة والحاكمة على أصول التفكير والمعلومات، اقرأ:
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }المؤمنون62
{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29
هل الكتاب يصدر منه أصوات أو ألفاظ؟
فالمقصد هو كتاب يوصل لك معلومات وأفكار منضبطة وموزونة ومتماسكة ذات أهمية لحياتك ونهضتك.
{فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }الذاريات23
{مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ }الصافات92
ليس المقصد من النصين هو اللفظ أو إصدار الصوت فحسب، وإنما المقصد منهما هو إصدار صوت مرتبط ومنتظم بقواعد حاكمته تؤدي معنى معين موزون له أهميته وقيمته، فمنطق الشيء هو نظامه الذي يحكم سلوكه العملي أو الصوتي، والناطق باسم جهة ما هو إنسان عالم متمثل بما ينطق به ومتبنيه ويكيف سلوكه بحسبه، والقول الذي ينطقه هو قول موزون ومهم ومتماسك متعلق بالحق أو الصواب، وليس هو بالهزل ولا صادر عن هوى، أو قائله مجنون يهذي ويهجر ويخلط، أو ضال أو غوى، إنه يتلو عليكم كلام منطقي بإمكانكم دراسته والتأكد من أحقيته أو صوابه من خلال إسقاطه على محل الخطاب ورؤية تماسكه الداخلي القواعدي وانعكاسه على حياتكم خيراً ونفعاً.
وبناء على ما سبق يكون النطق لقول معين، وليس لكل قول، فالإنسان لا ينطق طوال يومه، وإنما ينطق بشيء مهم ومعين، ثم يرجع إلى كلامه العادي ويمارس حياته المعيشية أو يناقش منطقه.
فيكون النص {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم3- 4
هو وصف لكلام معين وليس لكل كلام النبي، وهو الكلام الذي ينطقه عليكم تلاوة بصوته وهو ضرورة يكون خطابات منطقية متقطعة مستمرة بدليل كلمة (ينطق) التي أتت فعل مضارع تدل على الحدوث المستمر ، وإنهائها بصوت القاف يدل على توقف وتقطع الخطاب وفق فواصل زمنية طالت أو قصرت مثل دلالة فعل (يطرق) والفواصل الزمنية بين كل طرقة وأخرى.
لذا؛ ما ينبغي الاستدلال بهذا النص على أن حديث النبي كله منطق ووحي من الله، لأن حديث النبي هو قول النبي وليس نطقه بمعنى هو تفاعل النبي مع القرءان والواقع حسب فهمه وأدواته المعرفية حينئذ.