قراءة نقدية لكتاب
“السنة الرسالية والسنة النبوية”
الدكتور محمد شحرور
السلام عليكم دكتور محمد شحرور المحترم.
أما بعد
شكرا على إرسال كتابك”السنة الرسالية والسنة النبوية” هدية لي، وهو كتاب هام في موضوعه، وقد قرأته بوعي وبنظرة نقدية فظهر لي مجموعة من النقاط أحببت أن أرسلها لك لتحيط بها علماً وتتطلع عليها والرأي نهاية لك.
وكنت أتمنى منك لو أنك ضبطت مفهوم السنة بالطريقة الثابتة كما هو مفهومها اللساني وكما أتت في الاستخدام القرءاني، بمعنى لو حصرتها بنوعين:
أ- سنة منهجية: وهي الحكمة المحتواة في التنزيل الحكيم،استخدمها النبي في التعامل مع الكتاب ودراسته وفهمه، وهذه السنة(الحكمة) هي من علوم النبوة عامة، وهي أيضاً وصف للأحكام الشرعية لأنها نزلت مناسبة ومنسجمة مع محل تطبيقها الإنسان والواقع.
ب- سنة شعائرية: وهي الطريقة العملية الثابتة تواتراً المتعلقة بالصلاة والحج حصراً.
وما سوى ذلك من الأحاديث النبوية سواء تعلقت بالسنة المنهجية أو بالأحكام الشرعية، أو السنة الشعائرية أو الأخلاق أو المعيشية… فكلها من تفاعل النبي مع التنزيل الحكيم وليس لها صفة الإلزام قط، والقرءان مستغن عنا قائم بذاته، وكل مجتمع مدعو إلى التفاعل معه، وإعادة تنزيله مرة أخرى على واقعه وفق الإتباع لأحسن ما يصلح به حالهم، لأن شرع الله لم ينزل لمجتمع واحد وظرف واحد، فكل مجتمع يأخذ منه ما يناسب ظرفه الذي هو فيه والأحسن له {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الزمر55، وكل ما أنزل الله هو حسن، وليس كله أحسن لنا على مختلف الظروف، وكل مجتمع له أحسنية خاصة به.
1- ص 56-57، قلت: القائل هو الله والناطق هو الرسول….وفهمت من كلامك أن النطق هو تلاوة صوتية لقول الغير.
ج- النطق ليس مجرد تلاوة صوتية أو لفظية، فالمنطق من نطق: وهي فعل مستور مندفع بقوة منته بتوقف شديد، وظهر ثقافياً بمعنى القواعد أو القوانين المستورة التي تندفع ضابطة للشيء وناهيته بتوقف وإحكام وعدم تسيب أو ضياع أو اختلاط، ومن هذا الوجه أتى كلمة (المنطق) لمجموعة القواعد الناظمة والحاكمة على أصول التفكير والمعلومات، اقرأ:
{وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }المؤمنون62
{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }الجاثية29
هل الكتاب يصدر منه أصوات أو ألفاظ؟
فالمقصد هو كتاب يوصل لك معلومات وأفكار منضبطة وموزونة ومتماسكة ذات أهمية لحياتك ونهضتك.
{فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ }الذاريات23
{مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ }الصافات92
ليس المقصد من النصين هو اللفظ أو إصدار الصوت فحسب، وإنما المقصد منهما هو إصدار صوت مرتبط ومنتظم بقواعد حاكمته تؤدي معنى معين موزون له أهميته وقيمته، فمنطق الشيء هو نظامه الذي يحكم سلوكه العملي أو الصوتي، والناطق باسم جهة ما هو إنسان عالم متمثل بما ينطق به ومتبنيه ويكيف سلوكه بحسبه، والقول الذي ينطقه هو قول موزون وهام ومتماسك متعلق بالحق أو الصواب، وليس هو بالهزل ولا صادر عن هوى، أو قائله مجنون يهذي ويهجر ويخلط، أو ضال أو غوى، إنه يتلو عليكم كلام منطقي بإمكانكم دراسته والتأكد من أحقيته أو صوابه من خلال إسقاطه على محل الخطاب ورؤية تماسكه الداخلي القواعدي وانعكاسه على حياتكم خيراً ونفعاً.
وبناء على ما سبق يكون النطق لقول معين، وليس لكل قول، فالإنسان لا ينطق طوال يومه، وإنما ينطق بشيء هام ومعين، ثم يرجع إلى كلامه العادي ويمارس حياته المعيشية أو يناقش منطقه.
فيكون النص {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }النجم3- 4
هو وصف لكلام معين وليس لكل كلام النبي، وهو الكلام الذي ينطقه عليكم تلاوة بصوته وهو ضرورة يكون خطابات منطقية متقطعة مستمرة بدليل كلمة (ينطق) التي أتت فعل مضارع تدل على الحدوث المستمر، وإنهائها بصوت القاف يدل على توقف وتقطع الخطاب وفق فواصل زمنية طالت أو قصرت مثل دلالة فعل (يطرق) والفواصل الزمنية بين كل طرقة وأخرى.
2- صفحة 112 قلت: فجاءت رسالته خاتمة….
– والصواب أن رسالته مكملة لما سبق، ونبوته خاتمة.
{ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة3
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40
3- صفحة 121 قلت حضرتك: لكن علينا أن نتوقف عند مسألة نراها جد مهمة وتستحق التوضيح، والمتعلقة بطاعة الرسول طاعة منفردة في شعيرتي الصلاة والزكاة…….. {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النور56………….وقلت: لم يرد ذكر كيفية أداء الصلاة بالتفصيل، ولا نصاب الزكاة في التنزيل الحكيم.
– بصرف النظر عن موضوع الصلاة وتفصيلها حالياً رغم أنها أتت عموماً بالقرءان من حيث الوجوب وهيكلية الركعة الواحدة والحد الأدنى ركعتين وتحديد الأوقات الخمسة إضافة لتواتر الطريقة العملية لها من النبي نفسه، فالزكاة ليست شعيرة تعبدية وإنما هي فعل متعلق بالمجتمع تواصلاً ودعماً و نهضة، والعلاقة المالية هي جزء من الزكاة تسمى الصدقة، فكل صدقة هي زكاة والعكس غير صواب، وأحكام الصدقات متعلقة بمستوى ثقافة المجتمع والمستوى المعيشي الاقتصادي لكل مجتمع والأشياء التي يتعامل بها من ثروات حيوانية أو معدنية أو زراعية أو تجارية أو غير ذلك فهي ليست محصورة بشيء وإنما هي من كل شيء مادي ربحي، والحول ليس شرطاً أن يكون مرور سنة على الشيء، وإنما هو متعلق بالشيء الذي يمارسه الإنسان فالحول بالزراعة غير الحول بالتجارة، والنصاب يحدد حسب مستوى المعيشة وحسب مفهوم الغنى والفقر في المجتمع لأن كل مجتمع له مستواه وحاجياته المختلفة عن الآخر.
و جملة (وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ليس المقصد بها شخص النبي فهو قد مات ولا طاعة لميت، وإنما المقصد بها الرسول المستمر معنا وهو كتاب الله ،فهو الرسول حقيقة وسمي حامله رسولاً نسبة لهو وليس العكس، انظر قوله تعالى: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الشعراء16 ، فالنبي موسى وهارون كلاهما يحملان الرسالة إلى فرعون.
4- صفحة 126 قلت حضرتك: إن الصيام من الشعائر التعبدية……..
– والصواب أن الصيام هو دورة تدريبية ثقافية علمية سنوية للفرد ليعوض ضياع الوقت وانشغاله بطلب المعيشة برفع مستواه الفاعل وتخفيض استهلاكه للطعام إلى الحد الأدنى وليحافظ على صحة جسمه، وهو من الأعمال الاجتماعية الاقتصادية الرادعة والزاجرة لجور السلطة والغلاء في المجتمع، فأتى الصيام بالإمساك والامتناع عن التعامل مع كل ما يريد المجتمع أن يخفض سعره ويخفف غلاءه، أو يشجب الثقة عن حكوماته بالحد الأدنى السلمي دون المجابهة المسلحة وهو عمل سهل على الناس يجنبهم الصدام مع الحكومات ويحافظ على حياتهم، وذلك بشرط أن يكون صياماً اجتماعياً وليس فردياً.
دمشق1/ 6/ 2012
سامر إسلامبولي
اضف تعليقا