نقاش عن الرسول والرسالة و النبوة
هوشيار
سلمت يداك أستاذ سامر …
-هل يفهم أن الرسول ( مهما كان نوعه ) يأخذ مصداقيته من الرسالة نفسها ؟
وبالتالي لا بد من الاحتكام إلى الرسالة نفسها ؟
– حامل الرسالة نفسها يجب أن يجعلها المعيار لأنها مثل العسل الصافي الذي جاء من الله .. ولا يجوز أن يعبث بمحتوى الرسالة لأن مهمته ليس أن يضيف أو ينقص من محتواها وإنما أن يوصلها بمنتهى الأمانة ..ولا يحق أن يجعل لنفسه صفة مثل صفة صاحب الرسالة الأصلي ( الله ) أي ليس لديه الصلاحية أن يجتهد من مقام الرسول وإنما هو البلاغ فقط …
– هل نفهم أن الاجتهاد يكون في مقام يكون هو مقام النبوة وفي هذا المقام النبي مطالب بأن يطيع الرسالة نفسها ؟
-هل نفهم أن الله أنكر على النبي تحريم ما أحل الله لأن الله اعتبر ذلك بأن الموضوع خطير فالتحريم والتحليل من خصائص الرسالة ( من الله ) وليس مقام النبوة ؟
-هل نفهم مقام النبوة بأنه اجتهاد النبي حسب مستواه الروحي والفكري مع النص الرسالي الذي جاء به من الله ؟
وبالتالي هل مقام النبوة شمولي أبدي ؟
السلام عليكم …
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سامر إسلامبولي
الأخ هوشيار المحترم
تحية طيبة وبعد
أهلاً بك اخ هوشيار وشكراً على تواصلك.
– لولا الرسالة لما وُجد حاملها (الرسول) ، وهو يستمد مصداقيته منها ، وهو أول الملزمين بها، ويحتكم إليها مثله مثل سائر الناس، ووظيفته التبليغ للرسالة والدعوة إليها، لا يحق له أن يزيد أو ينقص منها لأن ذلك لو حصل لكان هذا الفعل منه خيانة للأمانة وتحريف لها، وحامل الرسالة إن كان عالماً أو نبياً فلاشك هو يملك حق الاجتهاد ضمن أسسها ومقاصدها، أو ما يسمى بالخطوط العامة للرسالة ، وهذا الاجتهاد متعلق بالزمان والمكان و مستوى الأدوات المعرفية له، ولا يُعطى اجتهاده قداسة ، ولا يُعد جزءاً من أصل الرسالة، ولا يصح سحب اجتهاده إلى زمن غير زمانه إلا إن أُثبت صلاحية ذلك في الزمن اللاحق من قبل مجتهدين جُدد، وهذا من مقتضيات مفهوم النبوة من (نبا) التي تدل على الستر والتجمع المستقر المنته بامتداد وإثارة، وظهر ذلك في تجمع العلم والمعرفة في نفس الإنسان وانطلاقها منه دعوة وتعليماً وقيادة للناس، وهذا النبي يتلقى الأنباء من جهة غيبية فيصير بذلك من الأنبياء من (نبأ) التي تدل على الستر والتجمع المستقر المنته بوقف مع ظهور خفيف، وظهر ذلك المفهوم بالخبر المهم غير المعروف سابقاً، وبالتالي فكل نبي إلهي هو نبيء ضرورة، والعكس غير صواب، فيوجد نبيء للأحوال الجوية مثلاً وهو ليس نبياً، وكل نبي هو رسول ضرورة والعكس غير صواب لوجود رسل الناس لبعضهم بعضاً ، فالنبوة مقام إنباء من الله ، ومقام علم ودعوة وتعليم، ومقام رسول كحامل للرسالة، وهذه المقامات متعلقة بشخصية النبي وحياته، فإن مات توقفت مقاماته إلا مقام الرسول المتعلق بالرسالة فتستمر الرسالة دون نبوته أوشخصه أو اجتهاداته .
وعندما اكتمل نزول الدين الإسلامي اقتضى ختم النبوة الذي يلزم منه ختم الإنباء عن الله ، وختم نزول رسالة من الله، بينما يمكن وجود نبيء ينبيء عن غير الله مثل التنبؤ بالأحداث الطبيعية والكوارث وأحوال الجو وتقلباته وهي ظنية على الغالب ويُعتمد فيها على الاستقراء العلمي والحدْس ، ويوجد رسل من الناس لبعضهم أو الذين يحملون رسالة الله الكاملة (الدين) إلى الناس ، أو الذي يكرس نفسه لتعليم الناس مثل المعلمين والعلماء والدعاة.
وعندما حرم النبي على نفسه شيء عاتبه الله على تعديه للخطوط الحمراء المتعلقة بالرسالة التي هي من عند الله ، فهو صاحب حق التحريم والتحليل فقط، ولو امتنع النبي عن تناول شيء أو فعله من منطلق الذوق أو عدم الرغبة به دون ان يصرح بالتحريم لما نزل نص المعاتبة ، لأن الإنسان يملك أن يمتنع عن ممارسة المباح مع الاعتقاد بإباحته، لذلك يُقال: كل حرام مرفوض، وليس كل مباح مقبول.
ومقام النبوة متطور للنبي مع الزمن حسب الوقائع وتفاعله مع الرسالة، فالنبي مستواه العلمي والمعرفي في بداية نبوته غير مستواه في وسطها أو آخرها، وذلك لأنه إنسان .
أما سؤالك الأخير: هل مقام النبوة شمولي أبدي ؟
فهذا ليس حكماً شرعياً حتى يكون كذلك فهو مقام شخصي متعلق بصاحبه وعندما يتوفى الشخص يتوقف مقامه هذا ، وإن قصدت استمرار النبوة في غيره بعده في كل زمان فالجواب نعم ولكن ليس النبوة الإلهية التي هي محل اصطفاء من الله فهذا المقام ختمه الله ببعث النبي محمد، وإنما بالمعنى اللساني كإمام وعالم وداعية ، وفي كل مجتمع نبيين بهذا المعنى.
ودمت بخير
اضف تعليقا