السؤال:

كلمة جنبا ذكرت مرتين وكان ملازمين للغسل والطهارة وتم إستثنائها بكلمة إلا عابري سبيل ومن الموروث أن كلمة جنب ملازمة لإنزال المني سواء إحتلام أو جماع أو إستمناء ولكن لسانا هي ليست كذلك
وموروثا لا يستقيم معناها مع الإستثناء في عابري سبيل ولكن لسانا قد يستقيم
فما تفسيركم ورأيكم

الجواب:

إن من الغلط الفاحش ممارسة عملية القص من النص وإلصاقه بمكان آخر، ومحاولة فهمه وتوليفه حسب مكانه الجديد، فهذا العمل الغوغائي سوف يترتب عليه ظهور أفهام غريبة وعجيبة لا تمت إلى المنظومة العامة بشيء، بل وتقوم بعملية تشويهها وإفساد نظامها العام والخاص.

لا شك أن دلالة كلمة (جنب) كمفهوم هي واحدة من الناحية اللسانية، ولكن تظهر بصور متعددة المعنى  حسب إسقاطها واستخدامها في الواقع. انظر إلى قوله تعالى:

-1   {ما فرطت في جنب الله }.

2- {والجار الجنب والصاحب بالجنب}.

3-{وجنوبهم وظهورهم }.

فعلى ماذا تدل كلمة (جنب)؟

ج – صوت يدل على جهد وشدة.

ن – صوت يدل على ستر أو اختباء.

ب – صوت يدل على جمع واستقرار متوقف.

وجمع هذه الأصوات الثلاثة مع بعضها بترتيب كلمة (جنب) تدل على جهد وشدة مستورة متجمعة ومتوقفة، وظهر ذلك المفهوم في الواقع بصورة جانب الشيء كونه تحقق به دلالة أصوات كلمة (جنب)، لاحظ أن دلالة كلمة (جنب) لا تعني الابتعاد، وإنما تعني أن الشيء هو قوة متجمعة على ذاته مجاور لشيء آخر.

ومن هذا الوجه نقول: الجانب. وهو ما يقع بجواري وعلى طرفي ملتصقًا به. انظر إلى قوله تعالى: { أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله} [الزمر: 56 ]. أي: فرطت بالأوامر المتعلقة بالله عز وجل،حيث إن الله عز وجل منزه عن الجانب المكاني.

إذن؛ كلمة (جنب) لها مفهوم واحد وصور متعددة تظهر حسب سياق النص ومحله من الخطاب، وكلمة (جنب) في النص {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} حسب سياق النص ومحله من الخطاب، ودلالة كلمة (فاطهروا) التي تدل على الطهارة المادية (الاغتسال) لا يمكن أن تكون دلالة كلمة (جنب) بمعنى معنوي متعلق بالكفر أو المعصية أو التفريط في جنب الله؛ وإنما تدل على معنى مادي يحدده سياق النص ومحل تعلقه من الواقع.

فالنص يتكلم عن شرطية حصول الطهارة المادية لأطراف الإنسان إذا قام إلى الصلاة. فعلى ماذا تدل كلمة {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} حرف (إن) يدل على احتمالية حصول هذه العملية، وسياق النص ومقصده يستبعد تمامًا أن يكون المقصد من كلمة (جنبًا) المعنى المعنوي، وكذلك يستبعد المعنى الذي يقول بذهاب الإنسان إلى جانب منطقة سكنه والعمل والتعرق والتعب وإصابته بالغبار فعليه أن يغتسل إذا قام إلى الصلاة سواء أكانت حالة تعبدية شعائرية،أم حالة تفاعل اجتماعي! فهذا تحصيل حاصل لا يحتاج إلى تشريع يتلى إلى يوم الدين.

فالجملة تصف الإنسان نفسه بحالة الجنب {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} فهي حالة ملابسة لجسم الإنسان وليست حالة خارجية عنه بدليل كلمة (فاطهروا) التي تدل على الاغتسال ضرورة حسب ما ذكرت سابقًا.

وكلمة (جنبًا) تدل على جوار وقرب للشيء مع عدم مخالطته، وتحقق ذلك عندما يجانب الإنسان الصلاة المأمور بإقامتها ولا يستطيع فعلها لملابسته بحالة اقتضت أن يكون جانبًا للصلاة؛ فما هي الحالة التي اقتضت ذلك ؟.

نجد ذلك في البُعد الثقافي لاستخدام صورة دلالة كلمة (جُنب) في المجتمع الذي زامن نزول الوحي، وهي حالة حصول الاحتلام عند الإنسان أو الإنزال أو  الجماع التي اقتضت من الإنسان أن يجانب الصلاة الشعائرية مع استمرار صلته بالله عز وجل وهذه المجانبة ليست ابتعادًا، وإنما كما ذكرت سابقًا هي جوار وقرب للشيء دون مخالطة.

وبالتالي يظهر لنا تهافت هذه الأفهام المجتزأة من سياق النص القرءاني، وتخبطها؛ لأنها تفرغ النص القرءاني من محتواه ومقصده، وتحاول أن تفهمه في فراغ دون واقع إنساني لهذا الخطاب الخالد