التشريع القرءاني إنساني
إن الأحكام القرءانية هي أحكام إنسانية وليست ذكورية ولا عرقية ولا طائفية، وبالتالي لا يُشترط لتطبيقها الإيمان بالقرءان، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفعل الخيرات، والتعاون والصدقات, وما شابه ذلك متاح لكل الناس على مختلف توجهاتهم، فالمساعدة والتعاون هي للإنسان بصفته الإنسانية وليست العرقية أو الدينية أو العمرية أو النوعية، ولذلك الأصل في دراسة الخطاب التشريعي هو العموم للإنسان بنوعيه الذكر والأنثى، وتحديد حكم شرعي بنوع منهما يلزمه قرينة نقلية أو عقلية.
أما أحكام العبادات مثل الصلاة والصيام فلا شك أنها واجبات تتعلق بالمؤمنين، بخلاف الصدقات وعمل الخير فلا يشترط له أن يكون ذا وجهة معينة أو طائفة محددة، أو من عرق ما.
فيكفي أن يكون الإنسان مؤمنًا بالله واليوم الآخر حتى تُقبل منه هذه الأعمال الصالحة التي يقصد بها رضوان الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } (البقرة62).
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } (النحل97).
{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} (آل عمران195).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات13) .
وأحكام الميراث في القرءان هي أحكام إنسانية غير مرتبطة بعرق أو طائفة وإنما مرتبطة بالنسب والقرابة. وهذه العلاقة الإنسانية لا ينقضها اختلاف في الرأي أو الفكر، فالوالد هو والد، والولد هو ولد، وكذلك الوالدة والبنت وغير ذلك من العلاقات الأسرية.
فإن مات والد مسيحي يرثه ولده المسلم، وإن مات الوالد المسلم، يرثه ولده المسيحي، وكذلك الزوج والزوجة, وهكذا أحكام المواريث تجري على الجميع بصفتهم الإنسانية.
ومن يقول بغير ذلك يتَقَوَّل على الله عز وجل ويفتري عليه بتشريع ما لم يشرع, ويُلزم الناس بما لم يلزمهم الله به، ويمنع الناس من حقهم الذي أعطاهم إياه الله عز وجل.
أما قول الفقهاء من منع الميراث عن الرق والمخالف للدين والقاتل, فهو كلام لا دليل عليه أبدًا سوى تخيلات في أذهانهم نتيجة فهم تراثي جاهلي، وأحاديث نسبت للنبي! أو فهم خطأ لها.
فحرمان الرق من الميراث بحجة أنه مسلوب الإرادة، وأنه فاقد لحرية التصرف وما شابه ذلك من أوهام كلام مردود على قائله. فالإنسان الذي صار رقًّا لظروف اجتماعية لم يفقد صفة الإنسانية ولم يسقط المشرع عنه الحساب فهو مكلف مثله مثل سائر الناس.
فلو افترضنا أن رقًّا ورث عن أبيه الحر ثروة! هل تؤول هذه الثروة لمالكه ويأخذها عنوة وبالباطل ؟ فهذا الإنسان قد فقد صفة اجتماعية عنوة وبالباطل، وهذا الإنسان فقد صفة اجتماعية نتيجة ظروف معينة، ولكن مازال إنسانًا يحتفظ بإنسانيته وله حق التصرف بما يملك، وله حرية الاعتقاد, فيرث ويورث, ولا يحق لمالكه أن يمنعه من ذلك أبدًا، وينبغي على المجتمع بسلطته أن يحمي هذا الإنسان الضعيف اجتماعيًّا.
وكذلك الإنسان المختلف بفكره عن الآخر يرثان بعضهما بعضًا ولا مانع شرعًا من ذلك أبدًا، وهذا في حال كان الرق موجودًا نتيجة الظروف والعرف الدولي حينئذ أما الآن فقد أُلغي.
أما الحديث النبوي الذي يقول: « لا يرث كافر مؤمنًا » فهو حديث يتكلم عن حالة العدوان والحرب بدليل استخدام صيغة اسم فاعل (الكافر) التي تعني العداء والبغض والحقد والحرب. فكيف نعطي هذا الكافر عدو السلام والحق ميراثًا نقويه على حربنا.
فانظر لمقصد الحديث, فليس المانع هو اختلاف دين، لأن الحرية أصل في الدين, وإنما المانع العداوة والحرب! بينما العكس صحيح، أي لا مانع من أن يرث المؤمن الكافر إذا استطاع المؤمن الحصول على ثروته من مجتمع عدواني محارب للحق!.
أما القاتل ليحصل ويعجل ميراثه فهو من الطبيعي أن يعاقب على جريمة القتل، التي من الممكن أن تصل إلى الإعدام، أو بعقوبة السجن الطويلة، وعلى الحالتين فقد حُرِم من الميراث، ولكن إذا كان له أولاد وزوجة انتقلت حصته من الميراث إليهم لأن ذلك حقهم الشرعي ولا يؤخذون بذنب غيرهم.
{ولا تزر وازرة وزر أخرى } (فاطر18).
وبالتالي بَطُلَ قول الفقهاء الشعراء:
ويمنع الشخص من الميراث… واحدة من علل ثلاث
رق[1] وقتل واختلاف دين… فافهم فليس الشك كاليقين
[1] – مع العلم أن مفهوم الرق كحالة استعباد حرية الإنسان وامتلاكه من قبل آخر لم يشرعها القرءان وإنما كانت ممارسة قبل نزول القرءان، ونزل القرءان وتعامل معها تحت مفهوم ملك اليمين ليجففها، فهي حالة خلاف الفطرة، والله خلق الإنسان حرًّا وهذا لا يحتاج لدليل أو لحكم شرعي ليحرم ما هو معلوم بالضرورة أنه ظلم وباطل وخطأ، وهو كمثل حاجة الإنسان للتنفس، لا تحتاج لحكم يشرع وجوبها.
اضف تعليقا