مفهوم قنت { وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ }

إن كلمة (قنت) القاف والنون والتاء، تدلُّ على وَقْف أو قَطْع شديد مستور، مُنته بدفع خفيف متوقّف، وظهر هذا المفهوم بصورة الإنسان الذي أوقف أو قطع نفسه بصورة شديدة مستورة منتهية بدفع خفيف متوقّف؛ انظر إلى قوله تعالى {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } [آل عمران: 43].

يوجّه الرّبُّ مريمَ إلى عملية تفرُّغها، ووَقْف نفسها، وتماسكها على طاعة الله عزّ وجلّ، وذلك من خلال السجود (الخضوع)، والركوع مع الراكعين، (التفاعل الاجتماعي مع الصالحين).

وقال أيضًا{وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا } [الأحزاب:31].

وقال {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ } [البقرة:238].

يوجّه الرَّبُّ عبادَه المؤمنين إلى المحافظة على الصلوات، والخشوع النَّفْسي في عملية قيامها، وأتى نص المحافظة على الصلاة بين سياق أحكام الطلاق، لأن مفهوم الصلاة في النص ليس الطقس التعبدي المعروف، وإنما من الصلة، والمقصد أنه رغم وجود الطلاق والانفصال بين الزوجين لا بد من المحافظة على الصلات الاجتماعية بينهما، وخاصة إن كان بينهما أولاد التي هي الصلاة الوسطى (العلاقة) التي تربط الزوجين ببعضهما بعد الطلاق، فيجب المحافظة على محل العلاقة المتمثلة بالأولاد وتربيتهم بشكل صواب وصحي على صعيد النفس والجسم حرصًا على مصلحة الأولاد.
ولاعلاقة لمفهوم قنت بطاعة الزوج أو التفرع لخدمته ابداً

أمَّا دلالة كلمة (قنط)؛ فهي تدلُّ على وَقْف شديد وستر، منتهية بدَفع أشدّ؛ حيث يفقد الإنسان توازنه وتماسكه الداخلي.

انظر إلى قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [الزمر:53 ].

وقوله {لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ } [فصلت: 49].

وقوله: {قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ }{قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ } [الحجر: 55- 56].