تدبر نص {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً… }

{إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }المائدة33 {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة34 النص خبري يتضمن حكم عقوبة مثله مثل نص العقوبات {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38، ولكن أتى بصيغة خبرية لعدم تحدد نوع الحرب لله ورسوله ونوع الفساد، ولذلك أتت العقوبة غير محددة بصورة معينة وإنما تركت مفتوحة لخيار القاضي. والخطاب في النص لأولي الأمر من بيدهم السلطة فهم معنيين بإقامة الجزاء ولايحق للأفراد أن يقيموا العقوبات بأنفسهم ،وقد أعطى لهم المشرع حق الاختيار في العقوبة المناسبة لظرف المجتمع ومستوى الجرم على الأوجه المذكورة بالنص التي لاعلاقة لها بالأعضاء والجوارح للإنسان ولايصح بتر أي جزء من جسمه ولازهق حياته، وهؤلاء الذين يحاربون الله ورسوله ويفسدون في الأرض ليس مثل الجرائم الجنائية الفردية المتعلقة بالقتل والسرقة والزنى فهذه الجرائم لاتسقط بتوبة الشخص ولابد أن تطوله العقوبة المعروفة باسم حق المجتمع، بينما جريمة حرب الله ورسوله (حرب أهلية أو اجتماعية بين الناس وتخريب مقومات المجتمع ) تسقط بالتوبة بشرط أن تكون قبل القدرة عليهم أواعتقالهم، وتكون التوبة بتوقف جرمهم وتسليم سلاحهم وأنفسهم للسلطة ، وعندئذ أمر المشرع السلطة أن تعفوا عنهم وتعيد توطينهم في المجتمع، فجرم الجنايات الفردي لاتسقط عقوبته في المجتمع ولو تاب المجرم ولاعلاقة لنا بقبول التوبة عند الله أو نفيها فهذا أمر غيبي وخاص بالله ، بينما بالنص الآخر تسقط عقوبة المجرمين في المجتمع في الدنيا ويغفر الله له بالآخرة وهذا يدل على اختلاف الجرمين عن بعضهما ، فالثاني حرب الله ورسوله والفساد في الأرض يتعلق بجرائم اجتماعية إرهابية وليس جرائم فردية ، فهؤلاء المجرمون الذي يحاربون الحق والناس وينشرون الرعب ويخرجون عن القانون ويخربون مقومات المجتمع باسم الدين أو غيره سواء غرر بهم أو لا؛ يشملهم نص الجزاء ويتعلق بهم ، فهؤلاء إن تابوا وأصلحوا وسلموا سلاحهم وسلموا أنفسهم قبل أن يعتقلوا أمر الله السلطة أن تعفوا عنهم وتعيد دمجهم بالمجتمع.