شبهة حول كسونا العظام لحمًا
((عندما يسقط الجنين في بدئه لا نرى عظامًا))؟
كتاب الله ليس هو في الأصل كتاب تشريح أو أجنة أو غير ذلك، وإنما هو كتاب هداية وقيم وأخلاق ونهضة إنسانية وهذه مهمته الأساسية، ولكن لا يعني أنه لم يتناول قضايا علمية على صعيد النفس والآفاق كآيات للتدبر والدراسة، وليس للإعجاز والتعجيز فهذا المفهوم خطأ استخدامه من قبل بعض الباحثين ومن يقول به.
والصواب هو القول: إن القرءان كتاب مُحكم نزل من لدن عليم حكيم خبير ليدرس الناس آياته ويتدبروها فيزداد المؤمن إيمانًا به، ويعلم الكافر أنه الحق من الله {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فصلت:53].
والصياغة القرءانية نزلت بلسان عربي مبين، بمعنى أن الخطاب الصوتي العربي موافق للحدث كمبنى ومعنى ومغطي له من كل الجوانب منذ البداية إلى النهاية، وهذا يعني أن الدراسة ينبغي أن تنطلق من فروقات الكلمات ومفاهيمها ومعناها وَفق القاعدة الكونية اللسانية (إذا اختلف المبنى اختلف المفهوم والمعنى) وملاحظة تصويرها الصوتي وإسقاطها على محلها من الخطاب من الواقع، وإجراء تطابق بين الصورة الصوتية اللسانية ومفهومها ومعناها مع الوجود الموضوعي الذي يُجسد ذلك المعنى، والانتباه لاستخدام الأدوات من العطف والضمائر وغيرها؛ لأن كل أداة تدل على معنى يختلف عن معنى الأداة الأخرى، مثل (ثم) حرف عطف يفيد الترتيب مع الفاصل الزمني قصر أم طال، وحرف (الفاء) حرف عطف يفيد الترتيب التعاقبي المتصل.
وينبغي العلم أن كتاب الله لم ينزل لمجتمع معين حتى يحيطوا به علمًا، وإنما نزل لكل الناس على مختلف الزمان والمكان، وكل مجتمع يتفاعل معه وفق أدواته العلمية والمعرفية، وهذا يعني خطأ استخدام عدم فهم أو تدبر نص معين من القرءان لنقضه والتشكيك به، فالمشكلة في فهم الناس وقصورهم العلمي والأدواتي وليس في النص القرءاني، هذه نقطة مهمة ينبغي الانتباه لها وملاحظتها أثناء الدراسة للقرءان، ومن باب أولى أن يقصر الباحث الواحد عن الإحاطة بمواضيع القرءان كما يقصر عن العلم بكل الوجود الكوني، وعدم العلم بالشيء لا ينفي وجوده ولا ينفي صوابه.
{قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [العنكبوت:20].
{ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ } [المؤمنون:14].
انتبهوا لاختلاف دلالة أحرف العطف (ثم، ف) فهي تدل على مراحل مرتبة زمنيًا منفصلة أو متصلة حسب محلها في الواقع كما تحصل حقيقة.
– النطفة: هي المحصلة والنتيجة لاندماج ماء الذكر (الحيوان المنوي) مع بيضة الأنثى وتلقيحها تسمى النطفة.
– العلقة: تدل على شيء يحصل وفق علاقات سواء في بنيته الذاتية أو مع غيره أو كلاهما معًا، وفي النص شمل المعنيين معًا.
– المضغة: تدل على الشيء الذي خضع لدفع شديد وقوة في تشكُّله وغياب ذلك في بينته الداخلية مثل مضغة الطعام التي تخضع لدفع وهرس وضغط في ذاتها لتتشكل داخليًا وخارجيًا بشكل معين.
– كسونا: من كسا وهي كلمة تدل على ضغط أو جهد خفيف حر منته بامتداد وإثارة زمكانية، وتحقق ذلك المفهوم بإضافة شيء لشيء آخر يلزمه لتحقيق وظائف جمالية أو عملية، ومنه كسوة الإنسان بالملابس.
– عظام: كلمة تدل على بُعد وظهور بارز منتهٍ بتجمع متصل، وتحقق ذلك بالعظام المعروفة في الكائن من حيث ظهورها خلقًا بعد أن لم تكن ظاهرة، وهذا يدل على تيبسها وأخذ شكلها الحالي.
لحم: كلمة تطلق على كل ما يجتمع ويتصل ببعضه بقوة، ومنه اللُّحمة الوطنية، ولحم خزان المياه المعدني بالأنبوب، وكل جسم الكائن الحي هو لحم وفيه تفصيل بعد ذلك لحم دهني، ولحم شحمي، ولحم جلدي… إلخ، ولا قيمة للاصطلاح الشائع بين الناس على أن اللحم هو المادة الحمراء فقط من الكائن الحي.
ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ: وبعد انتهاء المراحل السابقة المتعلقة بالخلق ومُضي زمن عليها معين يأت دور الإنشاء لهذا الكائن وجعله كائنًا إنسانيًا عاقلًا.
فالنص صريح بخلق النطفة والعلقة والمضغة قبل تشكل العظام كمراحل متصلة، والمضغة هي من مادة اللحم، وكلمة (فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا) تدل على مرحلة نشوء وظهور العظام في المضغة، وكلمة (فكسونا العظام لحمًا) لا تنفي وجود اللحم قبل العظام، ولا تثبت أن العظام خُلقت قبل اللحم عمومًا، وإنما يدل النص على أن في هذه المرحلة تم إكساء اللحم (إضافة ملازمة) للعظام وهي العضلات كلها والرابطة للمفاصل والتي تقوم بها.
هذا تدبر النص بالمختصر المفيد، ولمن شاء التوسع من أهل الاختصاص فليتابع القراءة ويشاهد مقطع الفيديو على الرابط أدناه.
)) حقيقة علمية))
اكتساء العظام بالعضلات
حتى وقت قريب كان يعتقد أن العظام والعضلات تظهران وتنموان معًا، غير أن البحوث الأخيرة أظهرت حقيقة مختلفة تمامًا لم يكن أحدٌ ينتبه إليها، وهي أن نسيج الغضاريف في الجنين يتحول إلى عظام أولًا، ثم يتم اختيار خلايا العضلات من الأنسجة الموجودة حول العظام لتتجمع هذه الخلايا وتلف العظام غير أن هذه الحقيقة التي كشفها العلم حديثًا قد أخبرنا ربنا عز وجل بها في القرءان قبل 1400 عام، هذه الحقيقة العلمية التي وردت في هذه الآية قبل قرون يتم شرحها في كتاب علمي حديث اسمه “نشوء الإنسان”.
كما يأتي: ” في الأسبوع السادس وكاستمرار للتغضرف (أي: التحول إلى غضاريف) تتم أول عملية تحول إلى عظام في عظم الترقوة، وفي نهاية الأسبوع السابع يبدأ التعظُّم (أي: التحول إلى عظم) في العظام الطويلة.
وبينما تستمر العظام بالتكون يتم اختيار خلايا العضلات من النسيج المحيط بالعظم حيث تبدأ العضلات بالتكون، ويبدأ نسيج العضلات بالانقسام حول العظم إلى مجموعة أمامية ومجموعة خلفية.
الميكروسكوبية أثبتت أن تطور الجنين داخل رحم الأم يتم كما وصفته آيات القرءان، فأولًا تتكون الأنسجة الغضروفية التي تتحول إلى عظام الجنين، ثم تكون بعدها خلايا العضلات، ثم تتجمع مع بعضها وتتكون لتلتف حول العظام.
و الموضوع كله تشرحه نشرة علمية تحت عنوان تكوُّن الإنسان كما يلي:
خلال الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار في الجسم وتأخذ العظام شكلها المألوف، وفي نهاية الأسبوع السابع وخلال الأسبوع الثامن تأخذ العضلات وضعيتها حول أشكال العظام.
اضف تعليقا